بقلم: الشاعرة أمامة الزاير / تونس
ونحن ندخل إربد لأول مرة، تداهمنا هذه المدينة التي لا تنام، تسعدنا الأحلام التي تظلّ مضاءة إلى آخر الليل.. تحفر عميقا في الروح تنهيدة التاريخ الكسلى، أسراب السائرين من الماضي العتيد والحضارات التي تركت أثرا لا يبلى.. تدهشنا بساطة أهلها وطيبتهم وكرمهم، فيتراءى لنا ما قاله الشعراء منذ القديم عن القيم العربية الأصيلة.
إربد مدينة الضوء بلا منازع.. إربد الثقافة التي تبوح لعشاقها بأنّ الفن عريق فيها عراقة البنيان. هي مدينة تشبهنا، تنبت في أعماقنا كشجرة زيتون، نأتيها بقلوب واجفة عطشى كأوّل الحبّ.
وقد انطلقت #الأيام #الثقافية #التونسية من 14 جويلية إلى 17 جويلية 2022، بمناسبة إعلان #إربد #عاصمة_للثقافة_العربية، انتصارا من الألكسو للشاعر الأردني عرار. انتصارا للشعر بوصفه عمق هويّتنا الثقافية العربية. انتصارا للفنّ، تلك التعبيرة الأسمى التي تجمعنا شعوبا وقبائل.
“لنا الفن كي لا تقتلنا الحقيقة” هكذا تحدّث نيتشه.
لنا الفنّ كي نكون نحن نحن.
لنا الفن كي نربك العادي وكي نسرف فينا.
لنا الفنّ ذلك النبض الخالد الذي يضيء العتمة.
الفن فعل مقاومة، نضال ضدّ الباهت والراكد، ازعاج للهادئ والمنمّط.
وكنّا كأنما في حضرة وجد، كان الأمر ساحرا وأنيقا جدا.
وقد ترك مبدعونا من تونس بصمتهم، واستطاعوا بما قدموه من مساهمات فنية مختلفة، أن يلقوا الضوء على الخصوصية الثقافية التونسية، حيث افتتحت الأيام في مركز إربد الثقافي بمعارض متنوعة اشتملت على الخط العربي والخزف الفنيّ ومعرض للتجارب الغامرة قدّم تراث بلادنا ومواقعها الأثرية انطلاقا من التكنولوجيا الحديثة عبر ارتداء Casque VR، إضافة إلى ورشة حول صناعة الفسيفساء.
وبإيقاعات أندلسية وصوفيّة وأغان من الموروث الموسيقي التونسي وقصائد للشاعر الغنائي الجليدي العويني، شدت بها مجموعة محمد علي بن الشيخ في عرض تحت عنوان شيشخان تمّ اختتام الافتتاح الذي حضره مثقفون أردنيون ووزيرة الثقافة الأردنية والجالية التونسية في الأردن.
وكان اليوم الثاني مخصصا لندوة عن الرواية التونسية والأردنية في بيت عرار الثقافي اختار فيها الأستاذ شفيق الطارقي مداخلة عن التجريب في الرواية التونسية، وقدمت الدكتورة سلمى اليانقي ورقة نقدية للأدب التونسي الذي ينتصر للمرأة ويكشف معاناتها. وقد ضمّ اللقاء الذي أدارته الدكتورة مريم الجبر، قراءات نقدية للأدب الأردني ساهم بها الكاتب هاشم غرايبة، والقاص هشام مقدادي.
وكان للشعر يومه الخاص، الشعر الذي هو نحن، رغم الحدود الصورية التي أُرْغمنا عليها، الشعر الذي يُبقي ثقافتنا على قيد الحياة، ذلك الإيقاع الهائل الذي يضجّ بالمعنى ويفتح ألف باب نحو الحلم.
حيث احتفى نادي الشيخ حسين بالأغوار الشمالية بالشعر وبالشعراء، فكانت تونس حاضرة بألسنة شعرائها الشاعرة أمامة الزاير والشاعر علي العرايبي. وكان اللقاء الشعري مشتركا مع شعراء أردنيين، إذ لبّى نداء الشعر الشاعر يوسف أبو زبيد والدكتورة إيمان العمري.
واختتمت الأيام الثقافية التونسية بمركز إربد الثقافي بعرض فيلم وثائقي تحت عنوان “الرجل الذي أصبح متحفا” للمخرج مروان الطرابلسي. وأثّث الأستاذ كمال بن وناس من تونس والدكتور عامر غرايبة من الأردن، ندوة حول الجذور الثقافية للسينما التونسية.
من المهم جدا ونحن نلتقي أشقاءنا في الأردن، أن نبوح بأنّنا كنّا محمّلين بروائحنا، متكئين على تاريخ ثقافي تونسي عربي هائل، نحمل على أكتافنا أجدادنا وجداتنا، وننطق بلسانهم العريق وبلساننا الحديث، نرتدي جبتهم ولم نتخلّ عن أننا نحن أبناء الآن وهنا.
وأنّ شكل إقامتنا في هذا العالم مضمّخ بفوح الذاكرة، يَيْنَع في حاضرنا الثقافي.
ونحن في الأردن تذوب كل الحدود والمسافات والجغرافيا..
ونحن في الأردن .. نحن في البيت.