قال المرصد #الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن آثار #المذبحة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي داخل #مجمع_الشفاء الطبي في مدينة #غزة ومحيطه، والتي ما تزال تتكشف بعد ما يقارب الأسبوعين على انتهاء العملية، تبيّن أن الجيش ارتكب #جرائم_حرب وجرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان وقائمة بحد ذاتها، بما في ذلك تنفيذ عمليات #إعدام و #قتل غير قانونية ضد #مدنيين، ومحاولة إخفاء معالم #الجريمة من خلال دفن جثامين الضحايا والتمثيل بها في ساحة المستشفى.
وبيّن المرصد الأورومتوسطي أن فريقه الميداني، والذي كان متواجدًا داخل مجمع الشفاء الطبي خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي ولاحقا أثناء انتشال عشرات الجثامين بعد انتهاء العملية العسكرية بنحو أسبوع، قد وثق مشاهد مروّعة لأشلاء وجثامين متناثرة في ساحات المستشفى التي حَوَت كذلك حفرة كان الجيش حفرها ووضع فيها عددًا من جثامين الضحايا بعد إعدامهم ميدانيًّا.
وذكر المرصد الأورومتوسطي أن تحقيقاته الجارية، بما في ذلك عشرات الشهادات التي وثقها خلال وعقب العملية العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه على مدار أسبوعين من اقتحامه، تبين ارتكابه العديد من الجرائم الخطيرة ضد كل من تواجد فيه، بما في ذلك قتل وإعدام واستهداف المئات من المدنيين الفلسطينيين، فيما لا يزال مصير عشرات آخرين مجهولا أصبحوا الآن في عداد المفقودين.
وإلى جانب عمليات القتل والإعدام غير القانونية، أخضع الجيش الإسرائيلي المئات من المرضى والجرحى داخل المستشفى عمدًا لظروف غير إنسانية عرضت حياتهم لخطر الموت المحدق، وبخاصة من خلال الحصار والتجويع والحرمان من تلقي الرعاية الصحية، إلى جانب إجبار آلاف الفلسطينيين الذين كانوا اتخذوا من المجمع الطبي مأوىً لهم على النزوح، قبل أن يخرج المجمع بشكل كامل عن الخدمة نتيجة تدمير الجيش الإسرائيلي كافة أقسامه وغرفه وتجريف ساحاته، وحرق مبانيه، التي أصبحت معظمها آيلة للسقوط.
وأوضح الأورومتوسطي أنه وثق شهادات جديدة حول جرائم استهداف وقتل وإعدام وحصار وتعذيب وتهجير قسري نفذها الجيش الإسرائيلي ضد مدنيين فلسطينيين في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه، بمن في ذلك طواقم طبية وصحافية ونساء وأطفال وكبار سن ونازحون ومرضى وجرحى، فيما ما تزال الطواقم الطبية تحاول حصر أعداد الضحايا واستخراج الجثامين التي دفنها الجيش الإسرائيلي على نحو غير إنساني، في محاولة لإخفاء الأدلة على جريمته الخطيرة التي ارتكبها هناك.
وكان الأورومتوسطي أشار في بيان سابق له أن تقديراته الأولية تفيد بأن أكثر من 1500 شخص وقعوا ما بين قتيل وجريح ومفقود، بمن في ذلك نساء وأطفال، بفعل المذبحة الإسرائيلية في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه، وذلك بناء على الإفادات الواردة إليه ومشاهداته، حيث أن هنالك مئات من الجثامين داخل المجمع وفي المنطقة المحيطة به، منها جثامين محترقة وأخرى مقطعة الرؤوس والأوصال.
وقال باحث ميداني لدى المرصد الأورومتوسطي كان متواجدًا داخل المجمع أثناء اقتحام الجيش الإسرائيلي له: “كنت داخل أحد مباني المستشفى، سمعنا فجأة صوت إطلاق نار كثيف ومتواصل استمر لوقت طويل.. بعد مدة، وصل شاب وأخبرنا أن الجيش الإسرائيلي أرسله لإبلاغنا بأن يخلع الرجال ملابسهم ويبقون بجهة، فيما على النساء الانتظار بالخلف. خلعنا ملابسنا ماعدا “البوكسر” وكان معنا مسنين. وفي داخل الغرفة، دخلت طائرة كوادكابتر مسيّرة وأخذت تدور حولنا وتقوم بتصويرنا. بعد الفجر أجلسونا مقسمين مجموعات في كل مجموعة خمسة أشخاص والأيدي مكبلة خلف الرقبة. حين طلب بعض كبار السن الذهاب إلى دورة المياه أو تناول المياه، قال جندي إنهم يجب أن يقضوا حاجتهم جالسين، وأننا (الفلسطينيون) أعداء فلا يجب عليهم توفير أي غذاء أو علاج لنا. كان الجنود يأخذون بعض الأشخاص من الغرفة ثم نسمع صرخات تعذيبهم بالخارج، قبل أن يعيدوهم في حالات يرثى لها.”
وتم إجبار باحثي الأورومتوسطي، إلى جانب مئات المدنيين داخل المستشفى، على النزوح عراة وحفاة ما عدا من الملابس الداخلية السفلية، حيث مشوا مسافات كبيرة، قبل أن يصلوا إلى منطقة مستشفى المعمداني شرق غزة، ويعطيهم السكان بعض الملابس والأحذية.
وأفادت “هبة رأفت أبو حصيرة”، لطاقم الأورومتوسطي حول إعدام الجيش الإسرائيلي عددًا من أفراد أسرتها أمامها، بمن في ذلك والدتها وشقيقتاها وشقيقها: “صباح يوم 18 مارس، اقتحمت القوات الإسرائيلية منزلنا الواقع خلف مجمع الشفاء الطبي وسط إطلاق نار. داهم أحد الجنود الغرفة التي نحتمي بداخلها، أنا ووالدتي “بشرى سعيد أبو حصيرة” (55 عامًا)، وشقيقاتي “روزان” (25 عامًا)، و”رانيا” (19 عامًا)، و”سيف” (21 عامًا)، وكنا جميعا نجلس في زاوية واحدة وعلينا غطاء شتوي. صوب الجندي سلاحه تجاهنا واستمر بإطلاق النار، وكل حركة تصدر منا يطلق النار تجاهنا مرة أخرى. قتلت أمي وأشقائي وبقيت أنا، كنت أصرخ وأخبره أننا مدنيون. أوقف إطلاق النار، واقترب الجندي مني ورفع السلاح تجاه رأسي ثم أنزله، وبعدها سحبني خارج الغرفة. طلبت البقاء مع عائلتي فقال لي ” اخرسي” ، وبعد ذلك حضر جندي آخر وأخرجني من المنزل وطلب أن أغادر المنزل فخرجت إلى الشارع حافية، وكانت الدبابات تحاصر المكان وتتمركز في بداية الشارع ونهايته، أطلق الجنود النار نحوي فأصبت بعيار ناري باليد اليسرى، وعلى إثرها ركضت وأنا حافية على الزجاج والحجارة المتناثرة بالشوارع، ودخل مسمار في قدمي وكانت يدي تنزف من موضع الإصابة، وكذلك هناك نزيف من قدمي، لكني واصلت الركض من بينهم حتى وصلت إلى منزل أحد الأصدقاء البعيد نوعًا ما عن منطقة غرب غزة المحاصرة”
كما أفادت السيدة “مها سويلم”، وهي حكيمة بمستشفى الشفاء، لطاقم الأورومتوسطي، عن اختفاء زوجها المسعف “عبد العزيز مصطفى سلمان” بعد اعتقاله من الجيش الإسرائيلي في مستشفى الشفاء: “أنا وزوجي نعمل متطوعين في المستشفى، فبعد أن تم قصف بيتنا نزحنا إلى مستشفى الشفاء وبقينا فيه، وفي يوم الاقتحام (18 مارس/آذار) كنت أعمل في مبنى الجراحات في قسم العناية المركزة الخاصة بالصدرية. أمر الجيش الإسرائيلي الكادر الطبي بالنزول من المبنى، وكنا ما يقارب 50 شخصًا، وأخبرونا أننا سنرجع مرة أخرى بعد أن جمعونا في ساحة المستشفى، ولكن أخذوا 35 شخصا منّا دون أن نعرف إلى أين، فيما أفرجوا عن الـ15 المتبقين. ولكن بعد أن أخبروهم أن يخرجوا وأفرجوا عنهم أطلقوا النار على أربعة أشخاص أمام عيني، منهم طبيبان نُقلوا للعلاج في المستشفى المعمداني.”
وأضافت: “زوجي أخذوه إلى الساحة وأجبروه على خلع ملابسه واعتقلوه، وإلى الآن لا أعرف عنه شيئًا. زوجي ليس متهمًا بشيء، إلا إذا كان [الجيش] يعتبر التطوع لخدمة المصابين والجرحى وإسعافهم تهمة”
وقال السيد “غسان رياض قنيطة” لطاقم الأورومتوسطي حول ملابسات العثور على جثة والده “رياض قنيطة” يوم الإثنين 8 أبريل/نيسان الجاري وقد بدأت بالتحلل: “نحن نسكن في محيط مستشفى الشفاء مقابل المقبرة التي تم حفرها حديثًا. اقتحم الجيش الإسرائيلي البيت في اليوم التالي لاقتحام المستشفى (19 مارس/آذار) الساعة 10 صباحًا تقريبًا. كان والدي نائمًا على السرير لأنه مسن وظهره مكسور ولا يستطيع الوقوف على قدميه. أثناء الاقتحام جمعوا جميع من كان في البيت وفصلوا النساء والأطفال عن الرجال وأجبروا الرجال على خلع ملابسهم وتم تعذيبهم، ولكن والدي لم يجبروه على ذلك لأنه كبير في السن. وعندما أخرجوا النساء لينزحوا إلى الجنوب أخرجوه معهنّ ومعه زوج شقيقة زوجتي وزوج شقيقتي، وكلاهما يبلغان ما يقرب من 65 عامًا. خرجوا وكان الجو ماطرًا ويصعب المشي في الشوارع. ومع كبر سنهم وتعبهم زاد الأمر صعوبة عليه فلم يستطعا المشي، وعندما توقف زوج شقيقة زوجتي أخبرهم الجندي أن يكملوا المشي ويتركوه وهددهم إن لم يكملوا سيتم إطلاق النار عليهم، فتركوه خوفًا، ومنذ ذلك الوقت نبحث عنه في كل مكان. واليوم (8 أبريل/نيسان) وجدنا جثته ملقاة على سور مبنى الجراحة في مستشفى الشفاء من الداخل.”
وقال الطبيب “خليل أحمد حمادة”، مدير عام الطب الشرعي والأدلة الجنائية، لطاقم الأورومتوسطي خلال عمله في البحث عن جثامين قتلى ومفقودين في مجمع الشفاء الطبي، إن الطواقم الطبية والأدلة الجنائية تواجه صعوبات كبيرة في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه في محاولة “تجميع أشلاء الضحايا” وحصرها والتعرف على هويات أصحابها، خاصة وأن العديد منها “مشوه” أو “بدأ بالتحلل بالفعل”. وأضاف: “نحاول التعرف على جثامين الضحايا المقطعة والتي بدأت بالتحلل بشكل كبير ودفنت بجرافات. الجثث مقطعة وغير كاملة والبقايا والأشلاء منتشرة في أماكن مختلفة، ولكن نعمل قدر المستطاع”
وقال الطبيب “جاد الله الشافعي”، مدير عام التمريض بمستشفى الشفاء لطاقم الأورومتوسطي: “بعد انتهاء الحصار تم حصر الطواقم الطبية والتمريضية والإدارية التي كانت متواجدة في مستشفى الشفاء ولم نعرف مصيرها حتى الآن فكان إجمالي المفقودين 47 شخصًا منهم 4 ضحايا. فمن الطواقم الطبية التي كانت على رأس عملها 15 طبيبًا منهم “أحمد المقادمة”، وفني تخدير، و17 من طاقم التمريض، ومدير دائرة الصيدلة “محمد زاهر النونو”، و5 من فنيي المختبر أحدهم قتله الجيش، ورئيس دائرة الهندسة والصيانة “بهاء الكيلاني”، إضافة إلى 7 من الإداريين والكتبة، هذا ما تم حصره إلى الآن.”
وأضاف: “تقوم الطواقم الطبية مع البلديات بنبش المقابر والبحث في تلال الجثث وبقايا الضحايا وإحصاء الجثث، أغلبها متحللة وصعب التعرف عليها ومجهولة، والأهالي لا يستطيعون التعرف عليها ولا يوجد إمكانيات فحص الجثث للتعرف إليها. ومع التجريف تبعثرت العديد من الجثث. فستجد ذراعًا أو قدمًا أو جمجمة لجثة دون بقيتها.”
وأكد الأورومتوسطي أن الجيش الإسرائيلي نفذ جريمته في مجمع الشفاء دون أدنى احترام لقواعد القانون الدولي الإنساني، وفي انتهاك صارخ لمبادئ التمييز والتناسبية والضرورة العسكرية وللحماية الخاصة التي تتمتع بها المستشفيات المدنية والطواقم الطبية، أو الحماية التي يتمتع بها المدنيون سواء بصفتهم هذه أو كونهم غير مشاركين مشاركة مباشرة بالأعمال الحربية، بمن في ذلك النازحون، أو الحماية التي يتمتع بها الجرحى والمرضى، وحظر استهدافهم، حتى لو كانوا من العسكريين.
وشدد الأورومتوسطي على أن تدمير مجمع الشفاء الطبي، وفي إطار رمزيته الطبية والمجتمعية لدى الفلسطينيين في قطاع غزة، يأتي في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، وفي مقدمة الخطة المنهجية والمنظمة وواسعة النطاق التي تنفذها إسرائيل لتدمير حياة الفلسطينيين في القطاع، وتحويله إلى مكان غير قابل للسكن ويفتقد لأبسط مقومات الحياة والخدمات الأساسية، من خلال جملة جرائم متكاملة، أخطرها الاستهداف المنهجي وواسع النطاق للقطاع الصحي وإخراجه عن الخدمة بالتدمير والحصار، وإيصاله إلى نقطة اللاعودة، وحرمان الفلسطينيين من فرص النجاة والحياة والاستشفاء، وحتى من المأوى.
وقال الأورومتوسطي إن محاولات المؤسسات السياسية والعسكرية الإسرائيلية في نزع الحماية الدولية التي تتمتع بها المستشفيات في قطاع غزة، باعتبارها من الأعيان المدنية التي تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الدولي، والادعاء باستخدام فصائل مسلحة المستشفيات كمقرات عسكرية و/أو لتنفيذ هجمات عسكرية، دون إثبات صحة هذه الادعاءات، إنما يأتي في إطار تبرير استهدافها وتدميرها، مشيرًا إلى أنه يتوجب دائمُا احترام الحماية القانونية الدولية الخاصة التي تتمتع بها المستشفيات المدنية، وحماية جميع المدنيين المتواجدين فيها من خطر العمليات العسكرية، بما في ذلك الاستهدافات والحصار.
وجدد المرصد الأورومتوسطي دعوته الجهات والمؤسسات الدولية الموجودة والعاملة في قطاع غزة، بما في ذلك مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إلى توثيق كافة الأدلة الجنائية المرتبطة بالانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت داخل مجمع الشفاء الطبي وفي محيطه، وسماع شهادات الضحايا والشهود.
وطالب الأورومتوسطي المجتمع الدولي بالتدخل الفوري والجاد لحماية المدنيين الفلسطينيين من جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في القطاع منذ أكثر من ستة أشهر، بما يشمل حماية المرضى والجرحى والنازحين والطواقم الطبية والصحافيين، وحماية ما تبقى عاملًا من القطاع الصحي، والعمل على إعادة إعماره فورًا كونه جزءًا من البنية التحتية الضرورية لإنقاذ حياة الفلسطينيين هناك، واستخدام وسائل الضغط الحقيقية لإجبار إسرائيل للتوقف عن جرائمها الخطيرة والمستمرة وضمان امتثالها للقانون الدولي ولقرار محكمة العدل الدولية، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب تلك الجرائم.