الأردن ينتخب على الغُميض.. انتخب وأنت مغمض عيونك!

الأردن ينتخب على الغُميض.. انتخب وأنت مغمض عيونك!

لو كان في نظامنا السياسي والانتخابي انتخابات نيابية بين أحزاب الحكومة وأحزاب المعارضة، لفهمنا معنى إجراء انتخابات بدون تجمعات وبلا مهرجانات تجمع المرشحين مباشرة مع الناخبين، لكن والحال كما هو عليه فستكون انتخابات على الغُميض
طاهر العدوان

حددت وزارة الصحة عدد المجتمعين في المناسبات ب ٢٠ شخصاً، السؤال: كيف سيقدم المرشح نفسه للانتخابات النيابية في دوائر تضم مئات الألاف من الناخبين، أم ان الانتخابات (ستتم عن بعد) على مقياس التعليم عن بعد

هذا مثال على التخبيص الحكومي في زمن الكورونا

– الانتخابات النيابية في العالم الديموقراطي لا تكون بدون نزول مرشحين يمثلون تيارات وأحزاب تتنافس في برامجها الانتخابية الى الشارع، ومحاولة إقناع جمهور الناخبين من خلال المهرجانات الخطابية التي تجمعهم بالجمهور مستخدمين تأثيرهم الشخصي وما هو جديد في برامجهم ووعودهم. يتم هذا حتى في زمن الكورونا في أمريكا وإيطاليا، من انتخابات الرئاسة الى انتخابات الكونغرس والبرلمان وحيث يكون للإعلام المرئي الدور الأكبر في الحملات الانتخابية وعلى مدار الساعة.

– يفعلون ذلك في الانتخابات رغم الكورونا مع ان الناخبين في الدول الديموقراطية يعرفون الأحزاب المتنافسة ويعرفون برامجها ومطلعين على شخصيات المرشحين بحكم انهم يأتون من باب العمل السياسي من خلال أحزابهم وانتخاباتهم المحلية، تعرفهم الصحافة ووسائل الإعلام، لان العملية الانتخابية في المجتمع الديموقراطي هي محصلة تراكمية لثقافة الناخبين وممارستهم الطويلة للعبة الاختيار والسعي لإسقاط الفاشلين واختيار ما يعتقدون انهم يحملون الحلول لمشاكل البلاد القائمة.

– في انتخاباتنا النيابية لا يوجد تعددية سياسية ولا أحزاب متنافسة تخوض الانتخابات ببرامج معلنة، ويفاجئ الأردنيون بوصول أغلبية من النواب الى المجلس لم يسمعوا بهم في الشأن السياسي العام ولا الاقتصادي ولا يُعرف شيئاً عن أفكارهم وميولهم السياسية، ثم بعد ذلك يراد من الأردني ان يختار مرشحيه من بين الف أو يزيد من المرشحين ومن خلال تجمعات ال ٢٠ شخصاً في دوائر كبيرة العدد. أنها انتخابات على الغُميض!

– وانا هنا لا أقلل من قيمة أي مرشح أو نائب يصل الى المجلس فالأردنيون في غالبيتهم، مثقفون ومتعلمون، وكل ما حدث من ضعف في الأداء للنواب بالمجالس السابقة ليس مرده نقص بكفاءتهم الشخصية والعلمية، إنما لأنهم جاءوا الى المجلس فرادى وليس من خلال كتل وتيارات ملتزمة ومنضبطة، يتحمل فيها النواب مسؤولية جماعية تجاه تعهداتهم أمام الشعب. لو انهم جاءوا الى المجلس من خلال تعددية متنافسة ومؤسسية لكانوا قد تمكنوا من القيام بواجبهم خير قيام.

– تعتقد الهيئة المستقلة للانتخابات ان مهمتها دفع المواطنين للذهاب الى الصناديق، من خلال شعارات صماء في الميادين. والواقع ان من يدفع المواطن للانتخابات هي قناعاته بما يعرضه عليه المرشحون من برامج ووعود بلقاءات مباشرة (من خلال اجتماعات عامة في الساحات والميادين) المواطن لا يذهب الى الصناديق بتذكيره بمادة دستورية أو بشعار لا قيمة له، إنما يذهب بقناعته بما يسمع ويشاهد ويقرأ، والأهم، بما يسود مجتمعه وبيئته من آراء وأحكام جماعية متداولة حول تقييم ما هو معروض على الناخبين من برامج التيارات ومن هو الأجدر الذي يستحق الفوز . المواطن يعلم بانه (لا ضريبة بدون قانون) حسب شعارات الهيئة، لكنه يعلم أيضا ان مجلس النواب قد ُيقر أسوأ القوانين، ان لم تكن الأغلبية فيه ملتزمة بإرادة الشعب ولاختياراته وليس بإرادة الحكومات.

– خلاصة الأمر فان الشعار الصحيح في وصف (انتخابات ال ١٠٠ عام من عمر مملكتنا الاردنية الحبيبة) هو: الأردن ينتخب على الغُميض، وانتخب وأنت مغمض، أنها عملية ممعنة في اجتثاث الإصلاح السياسي تكشفها الكورونا كما كشفت غيرها.

– من باب زيادة المعرفة فقط أودّ ان اطلع القارئ على ما يلي: في بداية هذا العام نشر (مؤشر الديموقراطية العالمي EIU)، تقريره عن حالة الديموقراطية في العالم في عام ٢٠١٩، وهو مخيب للآمال جداً بالنسبة للأردن. المؤشر يبحث بالحالة السياسية في ١٦٧ بلدا عضوا في الأمم المتحدة، يصنف المؤشر الدول في خانة من الخانات التالية: ديموقراطية كاملة، ديموقراطية فيها عيوب، ونظام هجين بين الديموقراطية والاستبداد، الديكتاتورية. ويستند التصنيف على معايير منها: العملية الانتخابية، التعددية السياسية، عمل الحكومة، والمشاركة السياسية، والثقافة الديموقراطية.

تصنيف الأردن في هذا المؤشر كان خارج الخانات الثلاث الأولى ويأتي بالمرتبة ١١٤ على حافة خانة الديكتاتورية.

– لا اعرف ان كانت الحكومة تقرأ أو وزارة التنمية السياسية يهمها مثل هذه المؤشرات العالمية ، هذه الوزارة التي منذ ان تشكلت تراجعت الديموقراطية بالبلاد ، وتم وأد الصحافة الحرة وحتى المعتدلة الممولة من الحكومة ، وتلاشى تماما دور الأحزاب واستبدلت مؤتمرات التيارات السياسية المفترضة بانتخابات العشيرة ، امعانا في تمزيق العشائر والمجتمع الأردني ، والنتيجة إفراز مجالس نيابية تغولت عليها الحكومات تحت عنوان تعاون السلطتين .بعد ذلك ( لا اعرف عن أي إنجازات سيتحدثون في احتفالاتهم القادمة في ذكرى ال ١٠٠ عام على قيام الدولة !! ) .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى