الأردن والانفجار القادم

الأردن والانفجار القادم

الاستاذ الدكتور #أنيس_الخصاونة
يكاد يكون الحديث عن #الوحدة_الوطنية والتأكيد على المحافظة عليها قاسما مشتركا بين كثير من الدول والمجتمعات التي تعاني من ضعف الوحدة الوطنية نتيجة لتباين خصائص #المكونات_الجغرافية، والسكانية ،والعرقية ،والدينية ،والثقافية لهذه #المجتمعات أو ما اصطلح على تسميته (Heterogeneous Societies).ويكتسب مفهوم الوحدة الوطنية أهمية خاصة نتيجة لارتباطه بقضايا الأمن والإستقرار والتماسك الإجتماعي.لكن المحافظة على الوحدة الوطنية والأمن والإستقرار المجتمعي لا يرتبط فقط بمدى الإنسجام والتشابه في الخصائص السكانية والمجتمعية فهناك كثير من بلدان العالم التي يعد فيها الاختلاف والتباين السكاني والديمغرافي ميزة إيجابية وفرصة للتقدم، وقاعدة تستند اليها الوحدة الوطنية والأمن والإستقرار المجتمعي.فالولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وغيرها من الدول تتكون من عرقيات وخلفيات ثقافية ودينية متباينة ولكن لا تجد في تلك الدول مشاكل حقيقية ومقلقة تتعلق بالوحدة الوطنية والسبب طبعا يعود لاستيعاب الديمقراطية والحريات لهذه التباينات السكانية وهذا التنوع الديموغرافي (Demographic Diversity) وتحويلها إلى فرص تثري المجتمع .وعليه فإن بحث العلاقة بين التباين في الخصائص السكانية والديموغرافية من جهة ومستوى قوة الوحدة الوطنية لا يستوي دون مراعاة ودراسة مستوى الديمقراطية في الدولة.
السؤال المطروح هنا ماذا عن الوضع في #الأردن؟، ولماذا هذا التركيز والتكرار في الحديث عن أهمية المحافظة على الوحدة الوطنية والأمن والإستقرار ؟ وهل الحديث عن الوحدة الوطنية ناجم عن الشعور بغيابها أو بعدم توفرها ؟وهل يهدد ضعف الوحدة الوطنية استقرار الأردن وأمنه؟. في هذا السياق نعتقد أن هناك هشاشة في الوحدة الوطنية وهو ناجم عن عاملين اثنين هما :
أولا : الهوة الكبيرة في الانتماء السياسي بين المكونات السكانية للمجتمع الأردني وخصوصا تلك الثنائية في الإنتماء السياسي للمكونين الشرق أردني والفلسطيني.فالاردنيون من أصل #فلسطيني يشكلون نصف عدد سكان الأردن ولديهم شعور بالتهميش (Marginalized) وعدم التأثير ،ولديهم شعور بالمظلومية وعدم عدالة في التمثيل وتوزيع الخدمات والفرص في العمل بالقطاع العام والوظائف الحساسة في قطاعات الجيش والأجهزة الأمنية ،ناهيك عن ظروف معيشية صعبة في #المخيمات المتعددة.

إن الظروف الصعبة التي مر بها الأردن منذ الإستقلال عام 1946ومن ثم قيام الوحدة بين الضفتين عام 1950 (أو الضم كما يسميه بعض السياسيين) وحرب حزيران1967 وتداعياتها، وأحداث إيلول عام 1970 بين الجيش الاردني والمنظمات الفدائية الفلسطينية ،وقرار فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية، قد أفرزت هوية وطنية مستقلة للفلسطينيين من أصل أردني مما جعل لهؤلاء المواطنين انتماء مزدوج (Dual Political Identity) .ففي حين أن نصف سكان الأردن يحملون الجنسية الأردنية فإن مشاعرهم وانتمائهم السياسي هي لهويتهم الفلسطينية ،وإذا ما أضيف إلى ذلك الشعور بالمظلومية المشار إليه سابقا فإنه لا غرابة أن تجد عزوفا واسعا عن المشاركة في #الحياة_السياسية (Political Apathy) واختيار اسلوب الحياة المنعزلة على طريقة العيش في بلاد المهجر.
هذه الإزدواجية في #الهوية_الوطنية والشعور بالمظلومية والتهميش، إذا ما تم تحليلها ودراستها في إطار غياب الأفاق لحل عادل للقضية الفلسطينة ،وفي إطار الإنسداد في فرص حق العودة ،فإن الحديث عن وحدة وطنية حقيقية يندمج فيها مكون سكاني يشكل ما نسبته 50% من المجتمع مع نصف آخر له هوية سياسية وتطلعات وهموم داخلية ومعيشية مختلفة سيصبح ضربا من التنظير والتأجيل في مواجهة الإنفجار القادم .الأردن برأينا سيكون أمام احتمالات معتبرة لانقسامات سكانية وتداعيات سياسية تتصارع في هويات فرعية وانقسامات مجتمعية مستقبلية تهدد تماسك المجتمع واستقراره.هذه الصراعات والتداعيات ستفرض نفسها بفعل عوامل داخلية ودولية على تركيبة النظام السياسي ومؤسساته ودستور البلد وتشريعاته.
ثانيا: أما المصدر الثاني لهشاشة الوحدة الوطنية والمحفز للانفجار القادم فهو داخلي بحت ويتعلق بأداء النظام السياسي الأردني ومؤسساته المختلفة ،وقدرة هذا النظام على تلبية مطالب واحتياجات المواطنين، وتحقيق العدالة الإجتماعية ،وتأمين الحياة الكريمة للمواطن ،والتعامل مع القضايا والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بما يخدم المصالح العليا للوطن .ضمن هذا السياق فإنه يمكن القول أن الاردن لم يشهد منذ مطلع القرن الحالي اوضاع اكثر سوء وخطورة من الظروف الحالية.تدهور اقتصادي كبير،تخبط سياسي ،احباط اجتماعي، ضعف الثقة بالمؤسسات العامة ،تآكل هيبة الدولة، هيمنة امنية، اعتداء على اموال الدولة وممتلكاتها، تضييق غير مسبوق على الحريات العامة، سلوكيات نفاقية لنخب سياسية تبحث عن فتات المناصب، تدهور في اداء المؤسسات التعليمية المدرسية والجامعية، وحكومات صورية منفصلة عن الشعب،ورؤساء حكومات يفتقرون الى التجربة والنضج السياسي والامكانات القيادية، وتكريس لنظام حكم الفرد الواحد.. فساد على نطاق واسع، تراجع في الاخلاق،تعزيز وتكريس النفاق لدى الناشئة، عبث بنسيج المجتمع ومعتقداته، اعتداء على القيم حيث اصبح الخضوع والذل وطنية واصبحت ممالئة المسؤولين واولي الامر انتماء وولاء…
أجالس كثيرا من الأردنيين في ديوانياتهم ومقاهيهم ومراكز عملهم وفي سهراتهم ومآتمهم وأفراحهم وجامعاتهم فكل يروي قصة أو “قصص” من #الظلم والحيف الكبير الذي لحق به من قبل السلطة من أعلى هرمها الى أدناه. بعض هؤلاء ضباط متقاعدون في الجيش، والأمن، والمخابرات العامة، والقضاء، والجامعات، ووزارات الخارجية والداخلية وغيرها. أما الظلم الذي يقع بحق الأردنيين في المؤسسات المستقلة فحدث ولا حرج وكأن مصطلح مستقلة عني به من قبل المشرع إطلاق يد المسؤولين في مؤسساتنا “المستغلة” وليست المستقلة.
قصة الأردنيين مع الجور الظلم يرويها لك أي مواطن تجده ويثق بك ويطمئن الى أنك لست رجل عسس أو مخابرات يمكن أن تستخدم ما يقوله لك ضده وضد مصالحه يوما ما.

استمع لهؤلاء المواطنين فإنه لديهم قصص مثيرة وأليمة كيف هضمت حقوقهم سواء كان عطاء رسي على مقاول أو متعهد محدد تواطئ معه مسئول معين، أو حق مهضوم في بعثة جامعية داخلية أو خارجية، أو ترفيع لموقع قيادي ، أو تعيين في وظيفة ذات امتيازات عالية ومعتبرة، او إحالة غير مبررة على التقاعد من أجل ترتيب أوضاع شخص معين ،أو مكافآت مالية مجزية لشخص لم يفعل شيئا ،أو افتئات على حقوق فكرية أو إنجاز لشخص معين، أو تلفيق مكيدة أو تهمة غير صحيحة لشخص، أو تشويه سمعة شخصية معينة نظرا لمعارضتها للحكومة، أو تجاوز على حقوق الناس في تعيينات الملحقين والسفراء في وزارة الخارجية ،أو تحيز واضح لصالح أحد المترشحين لرئاسات الجامعات الرسمية أو تزوير لانتخابات نيابية أو محليةلصالح مرشح موال للسلطة.

إن الظلم و #الاحتقان_الشعبي المتنامي نتيجة للتباين الكبير في مستويات المعيشة بين المواطنين في الأغوار والبوادي والأرياف وهوامش المدن وبين فئة البرجوازيين ذوي الصلات القوية مع أولي الأمر يولد ويؤجج السخط الشعبي على النظام السياسي وقياداته وينبئ باحتمالات كبيرة لاضطرابات وزعزعة للاستقرار السياسي في الأردن. الأردنيون يتحملون الفقر والعوز ويصبرون عليه فقد صبر الأباء والأجداد على الفقر وقلة الحيلة وشظف العيش وكانوا دوما مع القيادة ما دامت عادلة وقريبة من نبض الناس وحياتهم وهمومهم ،ولكن الأردنيون لا يصبرون على الظلم… الأردنيون يحبون بلدهم ولكن كبريائهم عالية وكرامتهم عزيزة ولا يصبرون على الظلم والضيم من يني جلدتهم.
الظلم وعدم المساواة هما آفتين كبيرتين مهلكتين للحرث والنسل ومفجرتين للثورات أكثر من الفقر والبطالة ومن يستعرض تاريخ الحركات السياسية الثورية والتطورات السياسية العنيفة في معظم دول العالم وخصوصا النامية منها يجد بأن الظلم وعدم المساواة والإجحاف بحق المواطنين والتجبر فيهم هي عوامل ووقود الثورات في هذه المجتمعات. المواطنون يقبلون بالفقر وربما يقبل الفقر بهم اذا شعر هؤلاء أنهم متساوون حتى في الفقر والعوز والبطالة ولكنهم يصبحون قنابل موقوتة اذا شعروا بأن الظلم هو صديق الفقراء الذين يعيشون على هامش المجتمع وأن شرائح أخرى تتنعم بحقوق مزيفة وامتيازات وألقاب مصطنعة وأسماء هم اخترعوها .
الحديث عن الوحدة الوطنية لا قيمة له بوجود الظلم وعدم المساواة ،وغياب حرية التعبير والمشاركة السياسية الفعالة وتكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعية ..الوحدة الوطنية لا تتأتى من خلال الكلام المنمق وعبارات المجاملة التي تعد الاردنيين بأن أيام الأردن الأجمل لم تأتي بعد ولا من خلال امتداح كرامة ورجولة عشرا الألاف من طوابير العاطلين عن العمل ، فالبطالة هي ذاتها إهانة لكرامة المواطن وشهامته.. كل هذه الظروف والمهددات للوحدة الوطنية تشكل على ما يبدو توطئة ومقدمة لانفجار كبير قادم يعصف بالدولة الاردنية فهل من مدكر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى