
#الأردن بين #تقاطعات #السياسة_والاقتصاد… كيف نعبر للمستقبل؟
أ.د #أمجد_الفاهوم
تعيش #الأسواق_الأردنية اليوم حالة معقدة تتأرجح بين الجمود السياسي الإقليمي ومحاولات الانفتاح على أسواق الجوار. فالتجار والمستثمرون يترقبون عودة العراق وسوريا بكامل طاقاتهما الاقتصادية، باعتبارهما رئة طبيعية للاقتصاد الأردني وممرًا حيويًا للسلع والخدمات. غير أن هذا الأمل يظل هشًا، لأن أي توتر جديد قد يعيد عجلة الاقتصاد إلى الوراء ويعمّق حالة عدم اليقين.
وفي الوقت ذاته، يواجه الأردن تحديًا إضافيًا يتمثل في التهديد بفرض رسوم أميركية محتملة على بعض صادراته، ولا سيما النسيجية منها، وهو ما قد يضعف تنافسية المنتجات الأردنية ويضغط على القطاعات التي استفادت طويلًا من اتفاقيات التجارة الحرة. هنا تبرز الحاجة الملحة إلى تنويع قاعدة الصادرات، والانتقال من الاعتماد على المنتجات التقليدية إلى السلع والخدمات ذات القيمة المضافة والابتكار.
ولابد من الاشارة بأن التقارير الدولية تؤكد بأن الاقتصاد الأردني يتمتع بمرونة لافتة رغم الصدمات الخارجية. فصندوق النقد الدولي أشار في مراجعته الأخيرة إلى أن “الاقتصاد الأردني يُظهر قدرة مدهشة على التكيف، لكن المخاطر الجيوسياسية تبقى التهديد الأكبر، خصوصًا في ما يتعلق بالصادرات وفرص العمل”. أما البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية فقد شدد في تقريره لعام 2025 على أن “الأردن حافظ على استقرار مالي وسياسي نسبي في بيئة مضطربة، غير أن ضعف نمو القطاع الخاص وارتفاع كلفة الأعمال يظلان عقبتين أساسيتين أمام الانطلاق”.
ومن هنا فإن السؤال الاكثر حدة والذي يفرض نفسه على الغرف التجارية والصناعية وصانعي القرار هو: كيف نحمي اقتصادنا من الصدمات، ونحوّله من اقتصاد يتلقى التأثيرات إلى اقتصاد يصنع المبادرات؟
ومن المهم ام ندرك بان الفرص لا زالت قائمة رغم كل الصعوبات، فقطاعات الطاقة المتجددة، والاقتصاد الأخضر، والتكنولوجيا المالية، والسياحة الطبية والثقافية، والصناهات الابنكارية والزراعة العضوية والاستنبات السمكي وغيرها يمكن أن تكون محركات جديدة للنمو إذا ما أُحيطت ببيئة أعمال مرنة، وإجراءات استثمارية واضحة، وبنية تحتية متطورة تستقطب المستثمرين الإقليميين والدوليين. لكن الوصول إلى هذه الفرص يتطلب إرادة سياسية وإدارية تزيل البيروقراطية وتعيد بناء الثقة بين الدولة والمستثمر.
إن المطلوب اليوم من الحكومة والبنك المركزي ووزارة التخطيط ووزارة الصناعة والتجارة والتموين ليس الاكتفاء بإدارة الأزمة، بل التحول إلى نهج استباقي يعزز مناعة الاقتصاد عبر إصلاحات ضريبية عادلة ومستقرة تعيد الثقة للتاجر والمستثمر وتمنح الأسواق وضوحًا واستقرارًا، وإقامة شراكات استراتيجية حقيقية بين القطاعين العام والخاص في مجالات المياه والطاقة والنقل لتحويل التحديات إلى مشاريع تنموية بعائد مستدام، مع توجيه استثمار نوعي في رأس المال البشري يواكب التحول الرقمي والاقتصاد الأخضر ويجعل الشباب جزءًا من الحل لا من الأزمة، إضافة إلى إعداد خطط بديلة مدروسة قادرة على امتصاص أي انكماش محتمل في الأسواق الأميركية أو الإقليمية بما يحافظ على ثقة المستثمرين ويعزز مرونة الاقتصاد الوطني.
ان الاقتصاد الأردني هو اساس النمو والتطوير وهو بحاجة الى اجراءات عاجلة ليكون معبرا للمستقبل؛ فإما أن يظل أسير أزمات المنطقة وتقلّباتها، أو أن يوظف موقعه الجغرافي واستقراره النسبي ومرونة قطاعه المصرفي ليصبح مركزًا اقتصاديًا جاذبًا. فالتحول من التحديات إلى الفرص ليس شعارًا، بل خيار استراتيجي يتطلب جرأة في القرارات، وتكاملًا في السياسات، وابتكارًا في الحلول.
والسؤال المفتوح أمام صانع القرار: هل سنبقى ننتظر الظروف لتقرر مصير اقتصادنا، أم نبادر بأنفسنا لنحوّل الأزمات إلى إنجازات؟