الأردنيون “طيبون” جدا حدّ السذاجة!

الأردنيون “طيبون” جدا حدّ السذاجة!
د. علي المستريحي

توجهت لسيارتي بمرآب السيارات جارّا عربة التسوق .. أفرغت ما بها بصندوق السيارة وتوجهت نحو بابها سائقا مغادرا. وقبل فتح باب السيارة، لفت نظري قصاصة ورق تركها صاحبها على حفّة زجاج نافذة الباب. نظرت بها، فكان شيئا مطبوعا باللغة الإنجليزية عن اعلان لمعقم تنظيف .. كنت على وشك القائها بسلة المهملات المثبتة على العمود الاسمنتي القريب، لكني باللحظة الأخيرة قلبتها على الوجه الآخر، فكان رقم هاتف مكتوب بقلم الحبر، ولا شيء غير ذلك!

أثار فضولي الرقم. وبحدس ما وبحركة آلية، عدت اتفقد جوانب السيارة .. أهااا ! هذا هو إذن: حكّة تبدو خفيفة فوق الدولاب الخلفي اليمين تسبب بها اصطدام سيارة أخرى .. كانت اضاءة المكان ضعيفة ولم يتسنى لي تقدير حجم الضرر الفعلي، ولكنها بكل الأحوال كانت ظاهرا خفيفة. أدركت حينها أن رقم الهاتف يعود لسائق السيارة المسببة للضرر. اتصلت بصاحب الرقم ..

أنا: “وجدت رقم هاتفك على شباك ..”.

هو (مقاطعا): “نعم، دعمت سيارتك”.

أنا: “لا بأس عزيزي .. أنا (ذكرت اسمي) وأعمل في .. وحضرتك؟”.

هو: “أنا (ذكر اسمه ولا شيء آخر) ..”.

أنا: “تبدو الضربة خفيفة .. هل أنت على ما يرام؟”

هو: “أنا سالم ولا مشكلة بحمد الله .. ولكنا نحتاج لتقرير الشرطة، لذا، يحتاج الأمر حضورنا معا غدا والاصطفاف بنفس المكان .. سأتصل بهم غدا وأبلّغك”.

أنا: “ما تأمينك؟ تأميني أنا “ثالث” ..”.

هو: “تأميني “ثالث” أيضا”!

أنا: “يا رجل .. تبدو بسيطة ولا تستاهل ..”!

هو: “لكن لا بد من القيام بذلك، لأنه لا يمكنك تصليح سيارتك إلا بتقرير الشرطة”.

أنا: “لا بأس، ليكن .. تصبح على خير”.

خلال عودتي للبيت، قررت أن أتصل بالرجل مرة أخرى طالبا منه نسيان الأمر باعتبار أنه لا يستحق “قلقه” (مفترِضٌ ذلك!)، حتى لو كان الضرر بسيارتي أكبر مما رأيته، سأتحملّه وكفى .. وفعلا فعلت ..

أنا: “اعتذر للاتصال بك مرة أخرى، ولكني سأتحمل ضرر سيارتي ولا داع لقلقك .. أما تقرير الشرطة، فيمكن لكل منا إصداره من قسم الشرطة مقابل رسم بسيط وقد فعلتها بنفسي قبلا”.

هو: “لكن لا بد من تسجيل الحادث!”.

أنا: “!! .. عذرا، ولكن ما سبب اصرارك على تسجيل الحادث؟”

هو: “لأن سيارتي تضررت كثيرا، والأمر مهم لي !”

أنا (بنفسي): “أها .. هكذا اذا، تسبب الرجل بضرر لسيارتي ولا يعير للأمر أهمية وهو في واقع الأمر يهتم لمشكلته أكثر من الضرر الذي سببه لسيارتي .. وفوق الضرر يريد الآن أن يزيد مشقتي بإجراءات يمكن تجاوزها .. حتى اعتذار واضح لم أسمعه منه !”

اذن، ليس لدي خيار الآن إلا أن أقلب على الوجه الآخر “للأردني” الذي يستخدمه أحيانا مع هذا الصنف من البشر بالذات!

أنا: “اسمع خيّوه .. من قال لك أن سيارتك دعمت سيارتي؟ هذا كلام فاضي .. سيارتي بعافية ولا “شخط” فيها .. شوف يمكن صدمت بالعمود الاسمنتي .. دبّر نفسك حبيبي!”.

هو: “له يا رجل .. كنت لطيفا، ما الذي قلبك؟”

أنا: “بصراحة؟ أنت ..! يا رجل حتى كلمة اعتذار ما سمعتها منك مثل الناس، وكنت أعتقد أنك مهتم بأمري وأحاول أن اريحك من شعور الذنب تجاهي .. لكن من الواضح أنك لم تقدر هذا..!”

هو: “أنا آسف جدا وحقك عليّ .. أعتذر منك وآتيت حيثما كنت وأقبّل رأسك ..!”

أنا: (وقد عدت لوجهي الأردني الدائم الجاهلي المتأصل الساذج): “لا يا رجل، ما يحتاج .. ولو .. سأمضي معك بالإجراءات ولو طلبت أحد أولادي أعطيتك ..!!”.

*****

فاصلة:

بثقافتنا الأردنية، نشأنا على توجيب الآخر واحترامه ولو كان على حساب أنفسنا أو كان لا يستحق الاحترام .. نفكّر بالآخر، نهتم بأمره أكثر من تفكيرنا واهتمامنا بأنفسنا .. لا بأس بهذا عندما يكون “الآخر” يستحق الاهتمام والاحترام ..

لكن بعد هذا الموقف، أدركت أن الأردنيين دفعوا ثمنا باهضا بتقديم الاحترام لحثالة من الملاقيط والسرسرية لا يستحقونها .. أدركت أننا طيبون جدا .. جدا، حدّ السذاجة .. أما الثمن فكان (وطن)!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى