الأردنية تخدم خادمتها / ماهر أبو طير

الأردنية تخدم خادمتها

تعمل الأردنية بوظيفة دخلها ثلاثمائة دينار، في المتوسط وتستقدم خادمة تنفق عليها هذا المبلغ شهريا، او أكثر، فنكتشف أن مواطنتنا هي التي تعمل عند الخادمة، وليس الخادمة عند مواطنتنا، ولو حسبتم الكلف، لاكتشفتم اننا كلنا نعمل من اجل الخادمة.
إذا حسبنا راتب الأردنية العاملة في المتوسط، فقد يصل إلى ثلاثمائة دينار، او اكثر قليلا، لكن الخادمة تحتاج إلى راتب من مائة واربعين دينارا إلى مائة وثمانين دينارا، واذا اضفنا نفقات استقدامها التي تتجاوز الألفي دينار، وقسمنا المبلغ على أربعة وعشرين شهرا، مدة عقد الاستخدام في المتوسط، يرتفع متوسط كلفة الخادمة شهريا، واذا أضفنا قيمة تجديد اقامتها في العام الثاني، وقسمنا المبلغ أيضا، على متوسط الأربعة والعشرين، مدة العقد، لزادت الكلفة الشهرية، واذا زدنا كلفة الطعام واللباس وتذاكر السفر والاتصالات، او غرامات الاقامة، وقسمناها على أربعة وعشرين شهرا، لاكتشفنا، ان متوسط كلفة الخادمة يتجاوز الثلاثمائة دينار، وربما أكثر بكثير.
هذا يعني بشكل واضح، ان المواطنة التي لديها وظيفة هي التي تعمل لدى الخادمة، وليس العكس، بل ان المواطنة تشقى وتعمل، من اجل ان تغطي نفقات الخادمة في المحصلة،، فلا تعرف هل المواطنة هي التي تغربت عن بيتها، ام ان الخادمة تغربت عن بلدها؟ لكنها أوهام تحقيق الذات والخروج من البيت للعمل، واستقدام خادمة، حتى لو كانت العملية غير مجدية ماليا.
ربما في حالات أخرى، يختلف الوضع، فقد يكون دخل العائلة مرتفعا، والتعامل مع وجود الخادمة يبقى اقل كلفة، او ان وجودها لسبب اضطراري طبي، لكن كل ثقافة استقدام الخادمات تبقى ثقافة مستجدة على مجتمع يتعرض إلى تغيرات كبيرة، على الصعيد الاجتماعي، والاقتصادي، والقيمي، وهو في كل الأحوال، ليس بلدا نفطيا، بل يعاني من تشوه هويته الاجتماعية والاقتصادية.
مناسبة هذا الكلام، ثورة الاحتجاج على وقف استقدام الخادمات من اوغندا، والجهات الرسمية تتحدث عن ارتفاع نسبة الامراض المعدية بينهن، من الايدز إلى السل وصولا إلى الكبد الوبائي، وهذا مشهد يفتح كل ملف الخادمات في البلد، فلم تبق جنسية الا ودخلت من اجل العمل كخادمات، من الفلبين التي تعد كلفتهن الاغلى، مرورا ببنغلاديش واندونيسيا، وصولا إلى اوغندا واثيوبيا، وغيرها.
الإحصاءات الرسمية تتحدث مثلا عن هروب أحد عشر ألف خادمة العام 2016، فوق حالات السرقة او محاولات الانتحار، والعنف، خصوصا بين بعض الجنسيات، إضافة إلى التأثير السلبي على تربية الأطفال، من ناحية اجتماعية واخلاقية ودينية، وبيننا خمسون الف خادمة، وربما اكثر، واغلبهن بات مخالفا في الإقامة، حيث تؤجل العائلات تجديد الإقامة لقلة المال، لكنها تضطر لاحقا، لدفع الغرامات عند تسفيرهن، لولا العفو العام الأخير، الذي خفف من هذه الغرامات والاعباء عن العائلات، إلى حد كبير.
اللافت للانتباه بالنسبة لي في ملف الخادمات، هو الجانب الاستعراضي عند الأمهات، إذ كثيرا ما ترى إحداهن قد أوقفت سيارتها زهيدة الثمن في مواقف سيارات احدى المولات، ونزلت ومعها كتيبة أطفال، من اجل جولة في المول، وخلفها خادمة، تحمل رضيعا، او تقود عربته، فتسأل نفسك اذا ما كانت السيدة قادرة حقا على تدبر كلفة الخادمة، أم ان القصة ترتبط بممارسات اجتماعية زائفة، على صلة بالترف الكاذب، والاستعراض امام الآخرين، او القدرة على العيش وفقا لمعايير معينة، في زمن باتت فيه الحياة صعبة جدا، على الكل.
لقد آن الأوان في ظل مصاعب هذه الحياة، ان نتدبر امورنا بطريقة مختلفة، اذ إننا امام الغلاء الشديد، والاعباء والالتزامات والاقساط، لا يمكن ان يواصل اغلبنا ذات طريقته، من شراء موبايل مكلف، إلى انفاق المال على السجائر، مرورا بوجود خادمة، إلى البحث عن جامعة مكلفة، وصولا إلى أنماط الانفاق، والمجاملات الاجتماعية، واذا كانت كثيرة، قد اختصرت على نفسها كل هذه الطريقة، ومارست تقشفا كبيرا، إلا ان بيننا من ما يزال يظن ان الدنيا بخير، هذا على الرغم من ان المقبل على الطريق أصعب بكثير، واكثر قسوة، ويوجب التدبر منذ هذه الأيام، قبل ان يغرق كثيرون، في أنماط عيش، لن يستطيعوا الاستمرار بها لاحقا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى