الأحجية
سعيد ذياب سليم
جاء امتحان الرياضيات للتوجيهي العلمي 2019 وفي ورقتي الفصلين منسجما مع محتوى الكتاب، حتى أن بعض المسائل وردت حرفيا و قد انتشرت في وسائل الإعلام قائمة أرقام الصفحات التي منها تم اختيار الأسئلة، و كأن كاتب الامتحان يقدم أدلة براءته أمام المجتمع الذي درج على اتهامه بالمغالاة في وضعه لها، وكان هذا سمة الامتحانات بشكل عام لهذه الدورة.
إلى اين يقودنا هذا ؟ هل ينهي ذلك المشكلة التي يعاني منها أبناؤنا ؟ هل نتوقع أن تكون نتيجة النجاح في المادة 100% و أن كل طالب سيحصل على العلامة النهائية؟ ماذا تظن ؟
ما أشبه العملية التعليمية بالأحجية التي تتكون من قطع مختلفة يجب و ضع كل منها في مكانه المناسب و إلا لن نحصل على صورة واضحة بل مشوهة بلا معنى. يشترك في وضع القطع في مكانها المناسب كل من الطالب و المعلم و الكتاب هو الدليل المستخدم لذلك، والهدف المباشر لها هو الانتقال بالطالب للمرحلة التالية – الجامعية- و تحضيره ليتفاعل معها بطريقة سليمة و فعالة تساعده على التخصص في مجال معين ، أو لسوق العمل .
و في الحالتين لا أستطيع أن أجزم أن كل ما ندرّسه للطالب في مادة معينة كالرياضيات مثلا سيستخدم في المرحلة التالية من حياته، فهو لن يستخدم طرق إيجاد النهاية للاقترانات الدائرية بكل ما فيها من فن و سحر و “هيبة” لكن القليل منها في تقديم بعض النظريات و القوانين الهندسية والفيزيائية ، وبالمقابل لن تكون المادة التعليمية التي درسها الطالب في القطوع المخروطية كافية ليرسم قطع ناقص على أرضية غرفة يقوم بتبليطها بدقة في حالة اختياره العمل على الدراسة.
الكتاب هو البداية للعملية التعليمية التي يكوّن الطالب عمودها الفقري و المعلم قلبها و عقلها بما فيه من عطف و حكمة، فإن كان الطالب متمكنا من معلوماته قادرا على التفاعل معها و استدعائها عند الحاجة استطاع أن يشق طريقه بسهولة، هنا يبرز دور المعلم الناجح في ذلك و قد غرس غراسه و روى وشذّب و أزال الغريب منها فكانت الثمرة غنية مذاقا و فائدة.
عندما نقول الكتاب ، فهو لا يقتصر على تلك الطبعة الورقية المنقحة التي تصدر عن وزارة التربية و التعليم والتي تقدم المادة التعليمية الخاصة بسنة دراسية معينة يساندها المصادر التعليمية الأخرى التي ينصح بها المنهاج عادة أو المعلم و يتابع تنفيذها فريق من المشرفين المتخصصين، يتابعون المعلمين من خلال دورات فنية تناقش الغريب و الجديد و ما استحدث فيه.أليس كذلك؟
كما لا يخفى علينا تطور النص الورقي إلى النص الرقمي ، فأصبح هناك كتابا بصورة محتوى رقمي متعدد الأوجه ربما يحتوي على روابط توجه إلى مواقع أخرى للرقي بالمعلومة و متابعتها.
من هنا فإن الكرة اليوم في مرمى المعلم الذي يقدم المادة للطالب ، و أصبح دوره مثل كابتن الفريق ليس هدفه التسديد على مرمى الخصم فقط ولكن صناعة الرميات أيضا و العمل من خلال الفريق، حتى لا يفقد الطالب روح التحدي ويكتفي بمجموعة الافكار الواردة في الكتاب.
أيام قليلة و يغادر طلبتنا مدارسهم يحملون كمّا هائلا من الذكريات تروي لهم قصص نجاحات و خيبات لا تخلو من حنين لبعض من معلميهم الذين تركوا لديهم انطباعا عن الحياة و أنها مغامرة جميلة و هبة يستقبلون به الغد بابتسامة لعله يكون أجمل، وتبقى الأحجية على مقاعد الصف في انتظار جيل آخر ليجمع ما تبقى من قطع الأحجية و معلم باستطاعته حل اللغز.