سواليف
في أقصى جنوبي البلاد وتحتَ وطأة حرارة الصيف اللاهبة تفاجأ سامر حينما انتهى به المطاف خلف أبواب #زنزانة في أحد مراكز الإصلاح والتأهيل بجانب أرباب السوابق من تجار #المخدرات و #اللصوص والمغتصبين بعد تعرضه لشكوى #جرائم_الكترونية، من #اكتظاظ غير مسبوق يسلب أهم حقوقه الإنسانية.
وتحت سقف الزنزانة المكتظة بالمساجين اضطر سامر، وهو أب لثلاثة أولاد، لافتراش الأرض متخذاً يده وسادة؛ ففي الغرفة التي تحوي أكثر من ٥٠ شخصاً، يجاهدُ النُزلاء الجدد ليحصلوا على أحد أقل حقوقهم الإنسانية “الفراش”، ويشيحون وجوههم إلى الفراغ؛ كي لا يشاهدوا “ممارسات شاذّة” تقعُ على مرأى الأعين.
يصف سامر تجربته داخل “مركز إصلاح وتأهيل العقبة”- في حديثه للقدس العربي- بـ”المريرة والمؤلمة”، خاصة أن توقيفه جرى مع متهمين بقضايا إجرامية خطيرة، إضافة لحالة الاكتظاظ “بالمهاجع التي يقيم بها النزلاء، والضغط على المرافق العامة داخل المركز، ووجود مرضى ينقلون العدوى لغيرهم من #النزلاء”.
ومن خلف الزجاج في مركز إصلاح وتأهيل “ماركا”، أكد أحمد أنه يضطر لشراء سرير النوم مقابل خمسة دنانير في اليوم الواحد، وإلا فإن مصيره الجلوس على الأرض متحملاً برد الشتاء وحر الصيف في ظل غياب وسائل التهوية السليمة.
حالة سامر وأحمد، اللذين تحفظا عن ذكر اسمهما كاملا، ليست الوحيدة التي عانت من اكتظاظ غير مسبوق داخل #السجون_الأردنية، وذلك ما دعا وزارة الداخلية مؤخرا لبناء مركز إصلاح جديد في منطقة الأزرق (شرقي المملكة) بتكلفة قدرها 100 مليون دولار، يتسع لأكثر من 3 آلاف نزيل جديد، وإجراء توسعة لبعض المراكز، وذلك بهدف تخفيف اكتظاظ السجون في المملكة.
في هذا السياق، أكد مصدر أمني مسؤول، طلب من “القدس العربي” عدم الكشف عن هويته، أنَّ نسب إشغال مراكز الإصلاح والتأهيل في الأردن تبلغ ١٦٠٪ حيث يقبع خلف بوابات السجون أكثر من ٢١ ألف نزيل رغم أنَّ السعة القصوى للمراكز تبلغ ١٣ ألف نزيل.
الاكتظاظ يتنافى مع حقوق الإنسان
الناشطة والمدافعة عن حقوق الإنسان نسرين زريقات قالت في حديث لها مع “القدس العربي” إنَّ اكتظاظ السجون يؤثر على كافة الحقوق الإنسانية بشكلٍ مباشر.
وأوضحت زريقات أنَّ الاكتظاظ يقلل من حصة النزيل الغذائية ويقلص فرص حصوله على عناية طبية جيدة، كما ويمنعه من حق الحصول على مكان للنوم، مشيرة إلى أن الاكتظاظ في مراكز إصلاح وتأهيل الأردن يخالف قواعد نيلسون مانديلا للتعامل (قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء) التي تؤكد على ضرورة توفير كافة احتياجات السجناء الأساسية وضمان حفظ الكرامة الإنسانية.
ونوّهت زريقات إلى أنَّ الاكتظاظ يتعارض مع قوانين مراكز الإصلاح والتأهيل لعام ٢٠٠٤، كما وتخالف قواعد تقسيم السجناء داخل المهاجع، حيث تعتمد السلطات في تقسيم السجناء على عمر الشخص وسجله الجرمي وتقرر لجان متخصصة أي المهاجع التي يجب وضعه بها، إلا أنَّ الاكتظاظ أدى إلى وضع مرتكبي مخالفات بسيطة بجانب متهمين بجرائم قتل.
وأسهم ازدياد أعداد السجناء داخل المهجع الواحد وتواجد أرباب السوابق بقرب سجناء يتعرضون للتوقيف للمرة الأولى إلى ارتفاع نسب الاتاوات من قبل أصحاب الماضي الجرمي على الجدد، عدا عن انتشار المشاجرات بين الجماعات داخل المهجع الواحد واستخدام الأسلحة البيضاء المهربة، وفق سجناء التقتهم “القدس العربي”.
لماذا اكتظت مراكز الإصلاح بالسجناء؟
الناشطة الحقوقية نسرين زريقات اعتبرت أنَّ اكتظاظ مراكز الإصلاح والتأهيل يعود لجملة من الأسباب أبرزها: إجراءات التوقيف الإداري على قانون منع الجرائم الإلكترونية، عدم تطبيق العقوبات البديلة وبدائل التوقيف من قبل الجهات القضائية، عدم تطبيق برامج الإصلاح والتأهيل للنزلاء من قبل الجهات المعنية وفقاً لقانون مراكز الإصلاح والتأهيل لسنة ٢٠٠٤، ازدياد نسبة الجريمة بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ارتفاع نسبة العودة لتكرار الجريمة حيث تبلغ نسبة العودة ٢٤٪.
كيف يؤثر التوقيف الإداري على اكتظاظ السجون؟
دراسة صادرة حديثا عن “جمعية عين على الديمقراطية” كشفت أنَّ ٢٥٪ من السجناء المتواجدين في مراكز الإصلاح والتأهيل الـ١٧ هم موقوفون إدارياً، حيث أنهى الموقوفون الحكم القضائي الصادر بحقهم إلا أنَّ الحكام الإداريين ارتأوا إبقاءهم في السجون باستخدام قانون منع الجريمة.
التقرير السنوي الثامن عشر لحالة حقوق الإنسان في الأردن لعام ٢٠٢١ كشف عن وجود ٢٢٥٨ موقوفا إداريا في الأردن عام ٢٠٢١.
المحامي المتخصص في قضايا حقوق الإنسان علي العموش قال لـ”القدس العربي” إنَّه يجب التنسيق مع الجهات المختصة لتقليل نسب التوقيف الإداري من قبل الحكام الإداريين حسب قانون منع الجرائم، وهو ما سينعكس إيجاباً على نسب اكتظاظ مراكز الإصلاح والتأهيل.
هل التوسع بالعقوبات البديلة حل مجد؟
وبحسب العموش، تتمحور العقوبات البديلة عن سجن المتهمين حول قيام المتهم بأعمال مجتمعية محددة، كتنظيف الطرقات أو الاعتناء بالحدائق أو غير ذلك، لمدد زمنية معلومة ومحددة بشكل يومي.
وأشار إلى أنَّ العقوبات البديلة تكون في المخالفات وقضايا الجُنَح البسيطة (الجرائم التي لا تزيد عقوبتها على ٣ سنوات)، مؤكداً أن هذه الأحكام تقلل عدد السجناء وتقوّم شخصية الفرد بشكلٍ أفضل من عقوبة الحبس.
ولا تقتصر أضرار اكتظاظ مراكز الإصلاح والتأهيل على تقليص حقوق النزلاء الأساسية فحسب، إنما تكلّف الدولة عشرات الملايين سنوياً، عدا عن الخسائر التي يتلقاها الاقتصاد الوطني من خسارة آلاف العاملين في سوقه.
وزير الداخلية مازن الفراية أكد في تصريح سابق أنّ كلفة السجناء الشهرية تبلغ ١٤.٧ مليون دينار شهرياً، بمعدل ١٧٦ مليون دينار سنوياً، داعياً إلى التوسع في العقوبات البديلة غير السالبة للحرية، وتوسعة مراكز الإصلاح والتأهيل وبناء مركز إصلاح وتأهيل جديد.
تنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان
من جانبه، ذكر مدير وحدة الاتصال والنَّاطق الرسمي باسم وزارة العدل نزار الخرابشة أنه استجابة لتوصيات الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان (UPR)، قامت الحكومة الأردنية من خلال وزارة العدل بتطبيق مجموعة من العقوبات البديلة وصلت إلى ما يقارب ٢٠٠٠ عقوبة بديلة منذ بداية العام الحالي حتى شهر آب.
ومن هذه العقوبات، وفق الخرابشة، “الخدمة المجتمعية” والتي يلزم فيها المحكوم عليه وبموافقته بعمل غير مدفوع الأجر لخدمة المجتمع لمدة تحددها المحكمة لا تقل عن (40) سـاعة ولا تزيد على (100) ساعة عـلى أن يتم تنفيذها خلال مدة لا تزيد على سنة.
بالإضافة إلى المراقبة المجتمعية والتي تلزم المحكوم عليه بالخضوع لبرنامج تأهيل تحدده المحكمة يهدف لتقويم سلوك المحكوم عليه، أضف إلى ذلك إسوارة المراقبة الإلكترونية، والتي يتم من خلالها وضع المحكوم عليه تحت الرقابة الإلكترونية لمدة لا تقل عـن شهر ولا تزيد على سنة، وحظـر ارتياد المحكوم عليه أماكن محددة مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة.
وكان لهذه العقوبات البديلة آثار إيجابية كثيرة من حيث حماية المحكوم عليه من الانخراط في مجتمع المجرمين من مرتكبي الجنايات الخطرة والحفاظ على العائلات من التفكك الأسري، بالإضافة إلى تقليل الاكتظاظ في السجون وتخفيف الكلف المالية على الدولة التي تصل إلى ٧٠٠ دينار شهريا للسجين وضمان عدم انقطاعه عن عمله.
كما قامت وزارة العدل- يضيف الخرابشة- بتوقيع عدد من مذكرات التفاهم مع المؤسسات الحكومية التي يمكن تنفيذ هذه العقوبات من خلالها مع مراعاة النوع الاجتماعي وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وعملت على الإشراف على تنفيذ العقوبات المجتمعية ورفع تقارير متابعة دورية للقضاة حول مدى التزام المحكوم عليهم بتنفيذ العقوبات.
وفي هذا السياق، ذكر المجلس القضائي الأردني، خلال مؤتمر صحافي عقد قبل أيام، لإطلاق التقرير السنوي لأوضاع المحاكم النظامية والقضاء الإداري والنيابة العامة للعام 2022، أن نسبة الزيادة في تطبيق بدائل العقوبات السالبة للحرية بلغت 1288 عنه لعام 2021، كما بلغت نسبة الزيادة في تطبيق بدائل التوقيف 770% عنه لعام 2021.
كما أكد المجلس القضائي أن نسبة الأحكام التي فرضت تدابير غير سالبة للحرية في قضاء الأحداث بلغت 41% من مجموع الأحكام الصادرة عن محاكم الأحداث، أما نسبة التسويات في قضايا الأحداث فبلغت 67% من مجموع القضايا المنجزة لدى قاضي تسوية النزاع.
وتزامن كتابة هذا التقرير حول “اكتظاظ السجون في الأردن” مع دورة تدريبية متخصصة، هي الأولى من نوعها، شاركت فيها “القدس العربي” وعدد من الإعلاميين، حول “مهارات التغطية الصحافية لآلية الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان (UPR)”.
ويذكر أنه ضمن توصيات الاستعراض الشامل لحقوق الإنسان في الدورة الثالثة لعام 2018 أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، قدمت عدد من الدول توصيات حظيت بالتأييد من قبل الأردن فيما يتعلق بالحد من استخدام الاحتجاز الإداري وضمان أن يتم عقد الأحكام في غضون فترة زمنية معقولة، ومواصلة الجهود لاتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ الأحكام المتعلقة بالعقوبات المجتمعية والعقوبات البديلة وتعزيز استخدام بدائل للاحتجاز السابق للمحاكمة وتكثيف التدريب المتخصص للقضاة بهدف توسيع مظلة العقوبات البديلة واستبدالها للتقليل من العقوبات السالبة للحرية، ومواصلة الجهود الرامية إلى تدريب موظفي مراكز الاحتجاز على أحكام الاتفاقيات الدولية والمعايير الدولية المتعلقة بمراكز الاحتجاز.
أما فيما يتعلق بالتوصيات التي سيتم دراستها من قبل الأردن فقد أوصت عدد من الدول بالحد من استخدام الاحتجاز الإداري واحترام حقوق السجناء كما هو محدد في المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والنظر في مراجعة استخدام الاحتجاز الإداري واتخاذ تدابير لضمان الوصول إلى المساعدة القانونية.
(القدس العربي – طارق الفايد)