سواليف
رجح محللون عسكريون أن التقارير الصحفية التي تشير إلى ضلوع إسرائيل في عملية اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني من خلال المعلومات الاستخباراتية التي قدمها جهاز المخابرات الإسرائيلية (موساد) لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي) وقت تنقل سليماني بين دمشق وبغداد، من شأنها أن تدفع إيران أو المليشيات الموالية لها لتنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية.
وأفادت شبكة “أن بي سي” الأميركية في وقت سابق يوم الأحد، بأن الموساد ساعد في تأكيد وجود سليماني في مطار دمشق في طريقه إلى بغداد قبل أن يتم اغتياله، في حين رجحت التقارير الإسرائيلية أن واشنطن تعمدت عدم اغتيال سليماني في سوريا تجنبا لتوريط إسرائيل في مواجهة عسكرية مع حزب الله على الجبهة اللبنانية.
وأضافت صحيفة نيويورك تايمز أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان الزعيم الأجنبي الوحيد الذي عرف بأن واشنطن اغتالت سليماني بعد محادثة مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
وذكرت الصحيفة الأميركية أن نتنياهو لمح إلى عملية الاغتيال المزمعة حيث صرح للإعلام وهو بطريقه إلى العاصمة أثينا للمشاركة في القمة الثلاثية لغاز المتوسط، “نتابع الأحداث بكل يقظة ونقيم اتصالات مستمرة مع أميركا، وندعم جميع الخطوات الأميركية دعما كاملا”.
نتنياهو وبومبيو
ورغم التنصل من عملية الاغتيال واعتبارها شأنا أميركيا، فإن نتنياهو كان أجرى يوم 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية بومبيو، وأثنى على النشاطات والعمليات التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد إيران والمليشيات الموالية لها في المنطقة.
اعلان
وأجرى نتنياهو مشاورات هاتفية مع بومبيو قبل 24 ساعة من اغتيال سليماني، الأمر الذي يعزز الاعتقاد بأن نتنياهو كان على دراية بمخطط اغتيال سليماني، بحسب القناة 12 الإسرائيلية، حيث أفاد المحلل السياسي للقناة أمنون أبراموفيتش بأن المستوى السياسي بإسرائيل منع في فرص عديدة اغتيال سليماني بعدما رصدته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مرات عدة في الأراضي السورية.
واختار نتنياهو، خلال جلسة الحكومة الأسبوعية يوم الأحد، تجاهل التقارير التي تشير لمعلومات استخباراتية قدمها الموساد ساعدت في اغتيال سليماني، واكتفى بالتحريض على الحرس الثوري الإيراني، مؤكدا أن “إسرائيل لن تسمح لإيران بتطوير الأسلحة النووية”.
غموض وصمت
في المقابل، وجّه وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق أفيغدور ليبرمان اتهامات إلى جهات وشخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى بالتعمد في تسريب معلومات عن نقل معلومات استخباراتية من الموساد للجانب الأميركي ساعدت في تصفية سليماني.
وقال ليبرمان إن “الأخبار التي تناقلتها صحيفة نيويورك تايمز حول ضلوع إسرائيل في اغتيال سليماني مصدرها مصادر إسرائيلية، وهذا ينم عن خلل في التقدير”.
وأضاف ليبرمان في تصريحات للإذاعة الإسرائيلية “نحتاج قدر المستطاع الابتعاد عن ساحة الصراع في الشرق الأوسط”، مؤكدا على ضرورة أن تواصل إسرائيل نهج الغموض وسياسة التزام الصمت حيال ما يحصل في الإقليم، وهو النهج السليم والصحيح “الذي يمكن لإسرائيل أن تقوم به تحديدا في هذه الفترة”.
تأجيل وحسم
ودون الكشف عن المصادر الإسرائيلية وطبيعة المعلومات الاستخباراتية، قال محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” رونين برغمان، الذي شارك في إعداد التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز، إن واشنطن خططت على مدار 18 شهرا لاغتيال سليماني، مؤكدا أنه في مايو/أيار الماضي حسم الأمر عقب استهداف إيران منشآت النفط السعودية واستهداف القوات الأميركية في العراق.
واستعراض برغمان في تصريحات للإذاعة الإسرائيلية الرسمية “كان” الأيام الأخيرة التي عاشتها الاستخبارات الأميركية عقب اغتيال سليماني ومخاوفها من اندلاع حرب شاملة مع إيران، لافتا إلى أن القرار النهائي لتنفيذ عملية الاغتيال اتخذ باللحظات الأخيرة، ووفقا لآخر عمل وهو صعود سليماني على متن طائرة في دمشق متجها إلى بغداد.
وبحسب الصحافي الإسرائيلي الذي أكد ما أوردته الصحيفة الأميركية بهذا الشأن، فقد تأجلت عملية الاغتيال ثلاث ساعات كون المخبر الميداني في مطار دمشق لم يستطع التأكيد أن سليماني على متن الطائرة، رغم من أن موقع شركة الطيران أظهر أن الطائرة أقلعت، وفي نهاية المطاف استقر سليماني على متن الطائرة.
وأضاف بيرغمان للإذاعة الإسرائيلية “استقل سليماني الطائرة وهبط في بغداد. لكن المخابرات الأميركية لم تعرف أن أبا مهدي المهندس سيكون معه ويرافقه. بالنسبة لهم، كانت هذه مفاجأة. وبعد هبوط الطائرة في مطار بغداد، دخلوا المركبات كما توقعت المخابرات الأميركية، وفي الساعة 12:47 أصاب الصاروخ الأول الهدف، تلاه صواريخ عدة، حيث قتل سليماني وجميع من رافقوه”.
تنصل وتورط
من جانبه، يرى المعلق العسكري في القناة 12 الإسرائيلية روني دانئيل أن الأخبار التي تشير إلى أن إسرائيل قدمت المعلومات الاستخباراتية التي ساعدت أميركا في الحملة للقضاء على سليماني، بمثابة سيف ذي حدين، ولها جانبان جيد وسيئ.
الجانب الإيجابي حسب المعلق العسكري هو أن “إسرائيل أصبحت جزءا مهما من مجتمع الاستخبارات في الدول الغربية، الذي ينقل ويتبادل المعلومات، في حين يدرك الإيرانيون أن أفعالهم ونشاطاتهم في الشرق الأوسط لها عواقب وأنهم أكثر عرضة للخطر”.
أما الجانب السلبي، وفقا للتقديرات العسكرية، فإن “النشر من شأنه جر إسرائيل إلى حرب ومواجهة مع إيران عمدت على تجنبها حتى الآن”، علما بأن إسرائيل تجنبت حتى التصريحات العلنية أو التدخل بشكل مباشر في التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، وتعتمد نهج التنصل من أي علاقات بأي عملية أو هجوم مثلما يصرح نتنياهو لتجنب التورط بالصراعات العسكرية الإقليمية.
وامتنع المعلق العسكري المقرب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التطرق إلى قيمة ونوعية المعلومات التي قدمها الموساد للجانب الأميركي والتي ساعدت في اغتيال سليماني، قائلا “هناك تاريخ طويل من المعلومات الاستخباراتية المتراكمة في إسرائيل والتي نُقلت إلى البلدان أو المنظمات ذات الصلة”.