#اغتيال_الشخصية في #قانون_الجرائم_الالكترونية
العميد المتقاعد #زهدي_جانبيك
قصة معادة ومكررة ولذلك اصبحت مقدسة عند البعض.
هل يفعلها مجلس الاعيان مرة اخرى ويرفض (يرد) المادة الخاصة بتجريم اغتيال الشخصية (مادة 16 من قانون الجرائم الالكترونية)؟؟؟ ام ان المجتمع اصبح مدجنا ولا مكان للرأي الاخر فيه اطلاقا؟؟؟
لا ادري ما هو الدافع او الهاجس او الوسواس الخناس الذي جعل من اختراع جريمة اغتيال الشخصية وتجريم مرتكبها هدفا ساميا لا بد من تحقيقه مهما كانت التضحيات ولو ادى الامر الى ذبح حرية الرأي والتعبير من الوريد الى الوريد على مذبح الديموقراطية، … وكما تعلمون فإن أجهل الناس من قل صوابه وكثر إعجابه، الى درجة تقديس القوانين الوضعية لتبرير الدفاع عنها.
في جلساتهم وكلامهم قالوا ان قانون الجرائم الالكترونية لم يأت بجديد، وقد كذبوا بما ادعوه، فالقانون جاء بجديد لم يجرؤ عليه غيرهم على مر تاريخهم. فقد جاء بجريمة لم تكن موجودة هي جريمة اغتيال الشخصية وهذه الجريمة لم تكن موجودة سابقا على الاطلاق.
وعلى الرغم من جميع المحاولات السابقة لاختراعها الا ان هذه المحاولات باءت بالفشل لأنها وجدت دائما رجالا بحق اوقفوها عند حدها ومنعوا اصحابها من تحقيق غاياتهم السامة المغلفة بالسكر والعسل، وتم احباط كل محاولات تكميم الافواه وتحصين الظلمة والفاسدين.
ومع ان احدهم فتح هاتفه ليستشير العم جوجل في موضوع اغتيال الشخصية في القانون الاردني، ودلس على رفاقه عندما قال ان هذا المصطلح ليس جديدا في القانون الاردني فقد سبق وان ذكره المشرع في نظام الخدمة المدنية وفي قانون النزاهة ومكافحة الفساد، …. وزاد تدليسا وتلبيسا بادعائه ان قانون الجرائم الالكترونية لم يفعل شيئا سوى انه تناول الجرائم الموجودة في القوانين الاخرى وقرر تغليظ عقوباتها عند ارنكابها بوسائل الكترونية مستشهدا بما وجده على شاشة هاتفه.
الا ان الحقيقة ان مصطلح اغتيال الشخصية لم يتم تجريمه في التشريعات الاردنية منذ انشاء الدولة الاردنية (لا جريمة ولا عقوبة الا بنص) ، وكل ما وجده صاحب الهاتف:
- نص المادة 68/ ز من نظام الخدمة المدنية ويقول: التحلي بالصدق والشجاعة والشفافية في إبداء الرأي والإفصاح عن جوانب الخلل والإبلاغ عنه مع الحرص على التأكد من المعلومات وعدم اغتيال الشخصية. انتهى الاقتباس.
- نص البند ك من المادة 4 من قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم 13 لسنة 2016 وتعديلاته التي تنص على ان احد اهداف الهيئة: “ك) مكافحة اغتيال الشخصية.” انتهى الاقتباس.
دون اعتباره جريمة او فرض عقوبة له.
دورة التاريخ تكرر نفسها
عام 2011 عندما اقرت الحكومة مشروع قانون معدل لقانون النزاهة ومكافحة الفساد ومن ضمنه المادة 23 استقال وزير الدولة لشؤون الإعلام من الحكومة احتجاجا على إقرار الحكومة لهذا القانون معتبرا مادة اغتيال الشخصية التي تم اقرارها مقيدة لحرية الصحافة الإعلام.
ومن سخرية القدر ان المحاولة التشريعية السابقة لتجريم مصطلح اغتيال الشخصية جاءت في الدورة الاستثنائية الاولى لمجلس النواب السادس عشر عام 2011 عندما حاول ذلك المجلس اضافة هذه الجريمة من خلال تعديل قانون النزاهة ومكافحة الفساد.
وقد تم تطبيق نفس السيناريو حينها وقامت اللجنة القانونية بمجلس النواب السادس عشر بالموافقة على نص المادة 23 بالقانون المعدل وتنص على:
“كل من اشاع أو عزا أو نسب دون وجه حق الى أحد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أيا من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة (5) من هذا القانون أدى الى الاساءة لسمعته أو المس بكرامته أو إغتيال شخصيته عوقب بغرامة لا تقل عن ثلاثين الف دينار ولا تتجاوز ستين الف دينار”.
ولاحظ عزيزي “القاريء” نفس النص الحالي في المادة 16 الفضفاض في قانون الجرائم الالكترونية تكرر …وتكررت مقدمة النص الوارد في المادة 23 عام 2011 حرفيا لغاية كلمة: باي وسيلة ، ثم تغير النص ليناسب قانون الجرائم الالكترونية بدلا من قانون مكافحة الفساد … (كل من اشاع او عزا او نسب … يعني الكاتب حتى ما كلف خاطره يغير ترتيب الكلمات يعني يكتب مثلا: كل من نسب دون وجه حق او اشاع او عزا الى احد الاشخاص….للتغيير فقط).
تم اتباع نفس الطريقة، الدورة الاستثنائية (مش عارف ليش ما بتنطرح هذه القوانين الا بدورات استثنائية مفصلة خصوصي لهذا النوع من القوانين)،
ونفس النص ….
مجلس الاعيان شكل الفرق وصنع التاريخ عام 2011
في 29 ايلول 2011 اي بآخر يوم في الدورة الاستثنائية رفض مجلس الأعيان في جلسته التي عقدها برئاسة رئيس المجلس طاهر المصري وحضور رئيس الوزراء وهيئة الوزارة المادة 23 من مشروع القانون المعدل لقانون النزاهة ومكافحة الفساد.
وقد قرر الاعيان رفضها باعتبار ان مكانها الطبيعي والتشريعي ليس في مشروع قانون هيئة مكافحة الفساد، مع التوصية للحكومة بإحالة حكم المادة إلى قانون العقوبات من خلال دراسة إجراء تعديل على قانون العقوبات حسب الأصول الدستورية.
ولم يستجد شيء ليتم وضع المادة التي تقرر حينها ان مكانها المناسب في قانون العقوبات، ليتم وضعها اليوم في قنون الجرائم الإلكترونية.
رئيس اللجنة القانونية في مجلس الأعيان في حينها، هشام التل اشار الى أن “وجود المادة 23 في قانون هيئة مكافحة الفساد يُعدّ خللاً فنياً، ما استدعى توصية اللجنة بنقلها الى قانون العقوبات”.
لكن … مع بداية الدورة العادية الثانية لمجلس الامة تغير اعضاء اللجة القانونية في مجلس الاعيان، وقررت اللجنة الجديدة ان ما قررته اللجنة السابقة لا يقيد اللجنة الجديدة وعلى رأي الروابدة حينها : “مجلس جديد ولجنة جديدة وكل مجلس سيد نفسه يتبنى هذا الامر ام لا”.
النتيجة عام 2011:
استقالة وزير الاعلام من الحكومة، واعتراض 4 من اللجنة القانونية للنواب على قرار اللجنة والمجلس، خلاف في الاعيان بين اللحنة القانونية السابقة واللاحقة حول المادة 23 بقانون مكافحة الفساد والتي تجرم اغتيال الشخصية، اعادة القانون الى اللجنة القانونية للنظر فيه مرة اخرى، مظاهرات واعتصامات للجسم الصحفي امام مجلس الاعيان احتجاجا على المادة 23 …. واخيرا: الحكومة تسحب القانون.
لم تتوقف المحاولات
تكررت محاولات استغلال تجريم (الاخبار الكاذبة) (واغتيال الشخصية) لتقييد حرية التعبير وحرية الراي، اثناء تعديل اكثر من قانون خلال الاعوام 2016 و 2018 و 2021 ولم تنجح جميعها ….
الصحافة العالمية بدورها، اعتبرت هذه المحاولات سعيا لتحصين الفاسدين وانتشرت تكهنات في بعض الصحف والمحطات الاخبارية بان كل هذه يجري بتوجيهات عليا، خاصة بعد كشف عشرات قضايا الفساد التي تورط بها شخصيات قريبة من السلطة وعلى رأس هذه القضايا قضية وليد الكردي التي صدرت بها احكام فيما يتعلق بشركات مناجم الفوسفات.
نحن اليوم بحاجة الى موقف مشابه من مجلس الاعيان يضع حدا لما يحدث من تغول بحجة النوايا الحسنة. فهل يفعلها مجلس الاعيان ويلغي المادة 16 على الاقل من قانون الجرائم الالكترونية.
هناك مثل ايطالي يقول: النية الحسنة عذر التصرف الأحمق.