لليوم الثالث على التوالي ، اعتصم #أولياء_أمور #طلبة المدارس العمرية في العاصمة #عمان ، مؤكدين على إضراب أبنائهم وامتناعهم عن الذهاب للمدرسة .
واعتقلت الأجهزة الأمنية صباح اليوم الخميس مجموعة من طلبة المدارس العمرية و أولياء أمورهم على إثر وفقة احتجاجية لهم مقابل البنك الاسلامي(مالك المدرسة)، وذلك احتجاجا على سياسات ونهج إدارة المدرسة الجديدة.
يذكر أنه خلال الأسبوع الحالي تم اقالة عدد من معلمي المدرسة المخضرمين ممن تجاوز خدمة بعضهم ٣٠ عاما بعد تعليق دوامهم(اضرابهم) بالتعاون مع الطلبة و أولياء أمورهم احتجاجًا على نهج إدارة المدرسة الجديدة و مطالبتهم باقالة المدير العام.
وشكا أولياء أمور الطلبة في المدارس العمرية عدم استجابة هيئة المديرين لمطالبهم ومطالب #المعلمين العاملين في المدارس، وبشكل أدى إلى توقّف #العملية_التعليمية .
وتشمل مطالب أولياء الأمور عدم التضييق على المعلمين والاداريين بشكل يؤدي إلى خروج الكفاءات من المدارس، والتراجع بشكل كامل عن النظام الداخلي الجديد للمدارس العمرية، وتدارك الجوهر القيمي والتربوي للمدارس.
كما جاء على رأس تلك المطالب إقالة المدير العام الجديد للمدارس العمرية، وهو المطلب الذي سبق أن وقع نحو (٤٦٠) وليّ أمر طالب في المدارس العمرية عليه، قائلين إن المشاكل بدأت في المدارس منذ نحو ستة أشهر، وتحديدا لدى تولّيه زمام المسؤولية.
وقبل أيام صدر تصريح يوضح حيثيات الأوضاع في المدارس والتي أدت إلى اعتراض أولياء الامور على الاجراءت والقرارات التي تمت في المدرسة وأدت إلى تفاقمها.
منذ نشأتها في 1987 شكلت #المدارس_العمرية في عمان منارة قيم ومعرفة، أسهمت في تنشئة خريجين امتلكوا معادلة ذهبية من القيم الدينية والأخلاقية والانتماء لأمتهم وشعبهم، ومن التميز المعرفي الذي وضع المدارس العمرية ضمن قائمة المساهمين المتكررين في أوائل المملكة في الثانوية العامة منذ عام 1997 تقريباً، ومن الملكات الشخصية القيادية التي أهلتهم لأن يتحولوا لاحقاً إلى رافد للبيئات الجامعية الأردنية وعملها الطلابي ولعدد من المؤسسات المهمة في الأردن وخارجه…
لكن هذا كله اليوم يقف في مهب الريح وأمام احتمالية الذوبان بعد 36 عاماً كاملة من نشأة العمرية. أشرف على تأسيس المدارس العمرية ونظامها التربوي واحد من أهم المربين الذين شهدت لهم نتائج عملهم وما تزال هو الأديب والشاعر الراحل الدكتور كمال رشيد رحمه الله، والذي ظل يحرص على العمرية كما يحرص على بيته حتى وفاته في عام 2008؛ ليتولى من بعده الأستاذ هشام عبد المعطي الذي بقي يدير العمرية حتى شهر 5-2023 محافظاً على هذا الإرث التربوي ليضيف إليه ولتتوسع العمرية في عهده في عمان وتفتتح فرعاً لها في الزرقاء.
في ظل هذا الثبات الإداري على مدى 36 عاماً نجحت العمرية في استقطاب ثلة متميزة من المعلمين والمعلمات كانوا عصبها ورأس مالها الأساس الذي يجذب الطلاب وأولياء الأمور، ويشعرهم أن العمرية بيئة تربوية يمكن أن يأتمنوا أبناءهم فيها وهم مطمئون، إذ كانوا يشعرون أن كادر العمرية أشبه بعائلة متماسكة، فريق يسوده التراحم ويسعى لتحقيق أعلى فائدة لأبنائهم ولا يكل عن التواصل والرد على الهاتف ليلاً ونهاراً، وكأي مؤسسة كانت تطرأ فيها المشكلات وتحصل فيها الأخطاء إلا أنها كانت تبادَر بعلاجٍ سريع من قبل إداراتها.
هذا كله اليوم في مهب الريح بكل أسف، إذ جرى في شهر 5-2023 تعيين مدير عام جديد من خارج المدرسة، لم يكن جزءاً من إرثها العريق ونظامها الراسخ، ورغم أن مثل هذا الاجتهاد قد يحمل احتمالات النجاح في حال نجحت الإدارة الجديدة في التطوير والإضافة لما هو قائم، إلا أن التجربة حتى الآن أثبتت أن النتيجة سلبية، فخلال ستة أشهر خسرت المدرسة خيرة كفاءاتها من المعلمين ومن المديرين، إلى جانب تخفيض عدد كادرها التربوي والخدماتي بما يمس بجوهر عملها.
لقد كان حفل تخريج الحافظات من بنات المدارس العمرية في شهر 5-2023 واحداً من أولى إطلالات المدير العام الجديد على معلمي مدرسته وطلابها أولياء أمورهم، إذ شهد تخريج 16 حافظة من ثانوية البنات وحافظَين من ثانوية البنين وحافظة من الأساسية بكوكبة نور يصل مجموعها إلى 19 حافظة وحافظ في عامٍ وحد، ولم تكد تمر ستة أشهر على هذا المشهد النوراني حتى كانت مديرة ثانوية البنات قد غادرت، وقسم التلاوة في المدرسة الأساسية قد ألغي، لتحال مهمة تدريس التلاوة إلى مربيات الصفوف، رغم أنها المرحلة التي تزرع بذور مواكب النور هذه.
ويستغرب المرء من تبرير هذه الإجراءات تجاه مربي ومربيات العمرية بالأوضاع المادية، في مدرسة أنفقت مئات الآلاف على تجديد الواجهات الخارجية وعلى تركيب نظام تكييف مركزي؛ وإن كانت مئات الآلاف هذه تتوفر لهذا الإنفاق المادي الشكلي الذي لا يضيف شيئاً لجوهر المدارس العمرية، فإن توجيهه لإثراء الكادر والرقي بالعملية التعليمية كان بالتأكيد أولى وأهم. ما يدفعنا لإعلاء الصوت في مواجهة الخطر المحدق هو أن الإدارة الجديدة وصلت أخيراً إلى استفزاز مدرسيها ومدرساتها ليعلنوا الإضراب الكامل في مدارسها الأساسية والثانوية ذكوراً وإناثاً في عمان، ما انتهى إلى مشاهد مؤسفة ومؤلمة من الفوضى أخذت تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وقد كان السبب المباشر لانفجار غضب المعلمين هو نظام داخلي جديد يحط من آدميتهم، ويضعهم تحت سيف إجراءات التأديب المسلطة وهم من يفترض أن يكونوا المربين والمؤدبين لأجيال من أبنائنا، وهو ما أدى إلى خروج الأزمة عن سيطرة الإدارة العامة لتنتقل إلى إدارة #البنكالإسلامي_الأردني .
اليوم وبينما إدارة البنك الإسلامي تنظر في هذه القضية المصيرية فإن الرسالة التي توضع بين أيديهم من أولياء الأمور وأبناء المجتمع عموماً بأن المدارس العمرية كانت عبر تجربتها الطويلة منارة قيمية ومعرفية حقيقية أضافت إلى مجتمعنا وإلى عشرات الآلاف من أبنائه وبناته، وكانت إحدى الإسهامات المميزة للبنك الإسلامي إذ تمكن من تقديم نموذج مدرسة خاصة تُعلي قيمة ناتجها التربوي والقيمي على ناتجها المادي، وإن هذه المعادلة تحديداً هي ما ينبغي التمسك به والمضي على أساسه، حتى لو أدى الأمر إلى أن تخفض إدارة البنك من توقعاتها الربحية تجاه المدرسة، أو حتى إلى أن تنظر إليها عند اللزوم بوصفها أحد وجوه مساهمته المجتمعية.
لم يجرِ التوصل لحل لهذه الأزمة حتى الآن، ورغم التدخل المتأخر لإدارة البنك يوم الأربعاء 22-11 إلا أن الأزمة مهددة بأن تتجدد الأسبوع المقبل بعد وعد ممثلي البنك بتقديم الحلول في جلسة قادمة يوم السبت 25-11؛ وأمام خطورة الأزمة وتأثيرها على نحو خمسة آلاف طالب وطالبة، ووصول المدرسة من قمة عطائها إلى هذا القاع في ستة أشهر من عمر الإدارة الجديدة والنهج الذي تتبناه، فإن الحل اليوم يكمن في تغيير قيادي، على مستوى النهج الجديد الذي تبنته إدارة البنك تجاه المدرسة، وعلى مستوى إدارتها العامة؛ ومتابعة الحلول بشكلٍ حثيث من قبل إدارة البنك مع المعلمين وأولياء الأمور حتى تستعيد العمرية عافيتها سريعاً، ولعل الحكمة وخطورة الموقف اليوم تفرض أن يأتي أي تغيير جديد اليوم من داخل أسرة العمرية التي لا تفتقد للكوادر المؤهلة، لكنها ستفتقد لكثير من كوادرها ومن طلابها المتميزين إذا ما بقيت هذه الأزمة مفتوحة لا سمح الله.