إستعراضات كاذبة / م . عبدالكريم ابو زنيمة

إستعراضات كاذبة

مؤخراً ، وبعد غزو العولمة والخصخصة والصلعان لمجتمعاتنا التي كانت نقيةً بالفطرة ، تغيرت ملامح حياتنا كثيراً ، تغيرت القيم التي كانت تحمل في طياتها معانٍ نبيلة مثل الشرف ، الإخلاص ، الوفاء ، النزاهة والأمانة ، فبعد أن كانت هذه القيم حجر أساس في البناء الأخلاقي للمُجتمع أصبحت من علامات ” الهبل والغباء ” ! تمكن هذا الغزو الحضاري من نخر البناء المُجتمعي ، حتى غدا بناءً ضعيفاً مُتهالكاً يقوم على التزييف والخداع والإستعراضات الكاذبة .
وعند ذِكر البروباغندا الكاذبة ، تقفز الحُكومة لاإرادياً إلى ذهني أولاً، ويمر في ذاكرتي شريط البطولات والإنجازات الخيالية التي تحتفل بها بل وتطالبنا بأن نكون مُمتنين لها أيضاً ! وبالحديثِ عن الإستعراضات الكاذبة لا بُد من التعريجِ على إستعراضات المسؤولين والوزراء عند زيارتهم لمنطقةٍ ما وإبتداع أي مُناسبة لإقامة مهرجانات خِطابية وإلقاء خُطبٍ رنانة ملؤها الزيفُ والخداع وتصفيقٌ على الأوهام . إن تعاقب الحُكومات هذا أشبه ما يكون بتعاقب عُروضٍ مسرحيةٍ قصيرة ، تأتي لتعيث فساداً بالمسرح وسط تصفيق الجمهور ، ثم تختفي فجأة !
من الإستعراضات التي نشهدها أيضاً ، هو الإستعراض المُجتمعي والتسابُق على نيل الثناء والمديح عن طريق القيام بأفعال مُتناقضة وغير منطقية أصلاً ، من هذه الأفعال هو إقامة مأدبة تكفي لألف شخص لإستعراض الكرم والضيافة لكن بالمُقابل يتوانى هؤولاء عن تسديد أثمان الذبائح للجزارين ( إستضعافاً لهم كون أغلبهم من الإخوة المصريين المُغتربين ) ، علماً أن إيفاء الحقوق إلى أهلها أولى من الإستعراض الزائف للكرم !
من العادات التي تنطوي على تناقض كبير أيضاً ، هو شراء الماشية ووضعها على جانب الطريق إستعداداً لإقامة مأدبة الزفاف ليُقال أن فُلان أولم ب200 ذبيحة ، إلا أنّهُ يُسجل على الدفتر من حَضر ومن غاب عن الزفاف ومقدار ” النقوط ” الذي دفعه كُل شخص ، وإن حدثَ وغابَ شخص ما فإن العريس أو والده يذهبون إليه موبخين إياهُ على عدم الحضور ، ويأخذون منه ” النقوط ” التي دفعوها له سابقاً !
الإستعراض على خازوق ثقافة شائعة جداً في مجتمعنا ، فترى الموظف ذو الدخل المحدود الذي قد لا يتجاوز 300 دينار شهرياً ، يعيش في مستوى أعلى من الذي تتيحه له موارده ، فيشتري سيارة بالكمبيالات ويدخن دُخاناً أجنبياً ويحمل هاتف ذكي أحدث موديل ! المشكلة أن بعضاً ممن يستعرضون بأُبهتهم عاطلين عن العمل ، مُنتظرين فرصة للعمل بمناصب مُدراء أن تأتيهم على طبقٍ من ذهب دون بذل مجهودى يُذكر !
لعلَ أغلبنا قد شاهد وتابع قيام النائب (س) بإستعراض عضلاته لـ ” مباطحة ” نائب آخر من كيانٍ مُعادٍ ، علماً أن هذا النائب الذي ترشح لأكثر من دورة إنتخابية لم تحقق برلماناته سوى مزيداً من المديونية والترهل الاداري وأستشراء الفساد ، ورغم معرفته المُسبقة بانه لن يُسمح له بالإقتراب من الحدود حتى ، إلا أنَّ هذا لم يمنعه من ركوب الموجة والإستعراض ” بعضلاته ” باعتبارها الميزة الوحيدة التي يمتلكها ربما ، فبدلاً من الإقدام على أفعالٍ صبيانية تنطوي على الإفلاس الفكري ، كان حَريٌ بنائبنا القيام بإنجازاتٍ فعلية أقلُها الإستقالة والإنسحاب من هذه المهزلة لنستعرض نحنُ به ! على الجانب الآخر يستعرض النائب في تلك الدولة الديمقراطية قدراته العقلية وإنجازاته التي قدمها لبلده ، ويقوم ببطولات فعلية من التشريع و مراقبة أداء الجهاز التنفيذي وصولاً إلى مُحاسبة كل من تسول له نفسه بالمس بالمال العام إبتداءً من أدنى موظف وصولاً إلى رئيس الدولة ، تلك هي البطولات حقاً ، في حين لم تزدنا بطولة نائبنا المزعومة إلا ذلة فوق ذلتنا بذبح ابنائنا في عقر دارنا !
النماذج الاستعراضية كثيرة وكثيرة جداً ،و سنبقى عالقين في دائرة الاستعراض والوهم والخرافات ما دامت المناصب تُورث ، والوظائف تُهب ، وما دام قانون الانتخاب عندنا يُفصّل ليفرز نواب عضلات لتتضخم وتكبر مؤسسة الفساد، وهنا لا بد من التذكير بما قاله الطنطاوي :
وطن ابطاله في القبور
ورجاله في السجون
ولصوصه في القصور
فقل…على الدنيا السلام

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى