اعترافات سارق الحكايات
يوسف غيشان
….وعلى مدى ثلاثين عاما ونيف، أُعلن مسئوليّتي الكاملة عن #سرقة، لا بل #اختلاس، الكثير من #الحكايات و #الطرائف والنكات، وتحويلها الى مقالات سياسية ساخرة، سرقتها لكم من كلّ مكان طالته مخالبي … من نوادر وحكايات التاريخ العربي والعالمي،من حكايات لكبار القصّاصين العالميين، من أقاصيص حصلت في مجتمعي، من نكات عادية متداولة، منحتها عنوة توظيفات اجتماعية وسياسية، من حكايات مجهولة المصدر تصفحتها على الإنترنت ، وأعدت صياغتها أحيانا (لكنها تظل ّ سرقات أدبية ).. بالمناسبة، لم أفصل بين المسروق والمنحول وما كتبته أنا، لأنّي أولا ً، أنوي نقض مقولة تدّعي بأن ّ الكاتب الناجح هو القادر على إخفاء سرقاته الأدبية من الآخرين وعن الآخرين، ولأنّي، ثانيا ً، أطمح أن تتسلل واحدة من حكاياتي – على الأقل -مثلها مثل ما أقترفه غيري من عقلاء المجانين، لتتجوّل عبر التاريخ والعصور وتكون جزءا ً من الضمير الشعبي العام.
التاريخ، لا يسجّل بدقة وأمانة تفاصيل ومجريات ما حصل، بل هو ما تمت كتابته، وعادة ما يكتب المنتصر التاريخ على مزاجه وحسب مصالحه، ولا يتورّع ولا يتوانى عن منع غيره من التأريخ، لا بل يمزق ويحرق ويقتل ويزوّر ما استطاع إليه سبيلا ً.
سرق المنتصرون التاريخ و”قيّدوه” على كيفهم عداها تلك الحكايات والأقاصيص والنوادر التي تنسب أحيانا ً إلى شخصيّات واقعيّة أو إلى المهابيل والمساطيل أو إلى عقلاء المجانين ومجانين العقلاء لكنها في الواقع – هذه الحكايات -هي روح الشعب الساخرة التي تقاوم الظالم والمحتلّ، عن طريق فقع بالونات البروبوغندا وهالات التقديس التي يرسمها حول الديكتاتور طاقم من المزمّرين والمطبلين والشحاذين والانتهازيين.
لكن الوعي الشعبي الجمعي للناس حوّل هذه الحكايات إلى حقيقة تاريخية مفارقة للزمان والمكان، وهي تتبختر متجوّلة من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل بكلّ أريحيّة ما دام هناك سلاطين ظلام لتطالهم في كل زمان ومكان.
لم يستطع أجدادنا – الساخرون الأوائل -السكوت على الظلم والقهر والضيم وانعدام العدالة الاجتماعية بكل تنويعاتها. قد يكون بعضها قد حصل، وبعضها تم تأليفه ليتناقله الناس جمرا ً وشررا ً يشعل النار تحت أقدام الغزاة، فكان أن استمر الجمر والشرر ما استمر الظلم.
الابتسامة في وجه المنتصر تفقده لذة الفوز، وتحوّل تجبّره إلى مهزلة وتهزّ ثقته بنفسه.
يحق ّ لكم جميعا ً أن تضحكوا عليهم
يحق ّ لهم أيضا ً أن يضحكوا على أنفسهم.
أمّا ضحكاتي فأشارككم بها، أمّا أحزاني فاتركوها لي وحدي، فأنا كفيل بها.