اعتذار

#اعتذار

مصطفى وهبي التل

رجل في #خريف_العمر كان يحمل قارورة كبيرة فيها على ما يبدو بنزين أو سولار.
أقترب من نافذة سيارتي المتوقفة على إشارات عين غزال وقال أن عربته نفذ منها السولار ويرغب بالوصول إليها وهي في نفس اتجاهي.
سألني والعرق يتصبب من وجه والتعب واضح عليه إن كان بالإمكان أن يركب معي حتى يصل إلى عربته.
ترددت في الإجابة ثم اعتذرت.
اعتذرت لأني شعرت بالخوف والقلق من هذا الشخص.
بعدها طلب نفس الطلب من عدة سيارات أمامي.
الكل رفض المساعدة.
اضطر هذا الرجل في النهاية أن يركب سيارة أجرة كانت أول السيارات على الإشارة.
فتحت الإشارة وقررت أن أتابع سيارة الأجرة حتى أتأكد من أني اتخذت القرار الصائب بعدم مساعدته.
كنت متأكدا، مثل بقية السائقين الذين رفضوا مساعدة هذا الرجل، من أن هذا الرجل نصاب ومحتال وهذه ليست سوى وسيلة من وسائل الاحتيال الكثيرة التي أصبحت جزءا من حياتنا اليومية.
كم أحسست نفسي تافها عندما وجدت الرجل خلف باص قديم مهتري في أعلى شارع عبد المنعم رياض ويقوم بتعبئة الباص بالسولار من القارورة.
الرجل كان صادقاً في حاجته للمساعدة.
أخطأت في حقه كما أخطأ بقية السائقون على الإشارة بحقه.
كان واضحاَ من مظهره، ومن مظهر باصه، أن القروش القليلة التي دفعها لسائق التكسي لإيصاله كان هو أحوج إليها.
لعنت نفسي ولعنت الحالة التي وصلنا إليها.
ماذا حصل لنا؟
لو حصلت هذه الحادثة قبل سنوات لتسابقنا في مد يد العون لهذا الرجل ولرغب الجميع في المساعدة.
بل، قبل سنوات لم يكن مثل هذا الرجل يحتاج أن يطلب المساعدة لأن الناس كانت ستتوقف في الشارع وتسأله ان كان بحاجة للمساعدة لوحدهم.
أين كنا وأين اصبحنا؟
قبل سنوات لم نكن نخشى المحتالين بسبب قلتهم.
قبل سنوات لم نكن نشخى المتعاطيين بسبب ندرتهم.
قبل سنوات لم نكن نخشى الجريمة لأنه بحق كنا بلد الأمن والآمان.
عشرون عاما ونيف ولم يعد الأردن كما كان.
عشرون عاما ونيف كان مفروض فيها أن نتطور وأن نكبر وأن نتقدم لكن هيهات.
عشرون عاما ونيف جعلتنا نترحم على اياما كنا نظن انها صعبة لكنها جنة مقارنة باليوم.
عشرون عاما ونيف وهم يحطمون وينهبون ويقتلون وطننا الجميل.
حتى المياه والاحلام سرقوها.
لم يعد لدينا شيئا نملكه سوى الاعتذار لابناءنا عن وطن خذلناه.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى