اصلاح ذات البين
ضيف الله قبيلات
بسم الله الرحمن الرحيم
في حديث طويل يرويه العرباض بن سارية رضي الله عنه يقول في آخره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :”من يعِشْ منكم فسيرى أختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ”.
وعن أبي أمية الشعباني قال : أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له كيف تصنع بهذه الأية ؟ قالت أية آية ؟ قلت ” يا أيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم” قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا، لقد سألتُ
عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:” إئتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام، فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلاً، قيل يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال بل أجر خمسين منكم”.
وفي فهم هذه الآية يُروى عن أبي بكر الصديق قوله “يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه ألآية وانكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه يوشك أن يعمهم الله بعقابه”.
إي أن هذه الآية تأمر المسلمين بأن يأتمروا بالمعروف ويتناهون عن المنكر فيما بينهم وكأنهم نفس واحدة فإذا اهتدوا وقد جاءت الآية بصيغة الجمع فلا يضرهم ضلال الأقوام الأخرى الكافرة، أما إذا رأوا المنكر فيهم ولم يغيروه فهنا يوشك أن يعمهم الله بعقابه فيصيب الصالح والطالح جميعا.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة” وفي رواية ” لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين”.
ويأتي فساد ذات البين من اشتداد الخلاف وتطوره إلى الحد الذي يحلق فيه دين الناس فيضيع صيامهم وصلاتهم وصدقتهم، ولذلك جاء إصلاح ذات البين مهما لدرجة تفوق الصيام والصلاة والصدقة، لأن إصلاح ذات البين يحفظ دين الناس أي أنه يحفظ على الناس صيامهم وصلاتهم وصدقتهم.
وكثرة الاختلاف ناتجة عن إعجاب كل ذي رأي برأيه ثم الإصرار على رأيه وهذا يؤدي إلى قرارات متضاربة ومتضادة ينتج عنها تصرفات متضادة تتحول مع الإيام إلى متحاربة.
لهذا حرصت الأنظمة العربية وتحرص على استخدام كل الوسائل الإعلامية والإغوائية والترهيبية والترغيبية والإغرائية والإفسادية لإفساد ذات البين حتى بقانون الانتخاب لتفريق العائلة الواحدة والعشيرة الواحدة والحزب الواحد وبث الفرقة والاختلاف بين الناس لتفتيت المجتمع إلى مجموعات صغيرة جداً غير مؤثرة ويتمنون لو كانت فردية “إعجاب كل ذي رأي برأية” حتى لا تكون في المجتمع كتلة كبيرة متوافقة ” حزب” أو كتلتين أو ثلاثة تتنافس فيما بينها ببرامجها الشاملة على تداول السلطة لإصلاح الأوضاع المتردية، وهكذا يظل حزب الفساد هو الحزب الحاكم على الدوام.
ومن مصلحة الأنظمة الفاسدة أن يظل الناس متفرقين لا وزن لهم، وإن كان لبعضهم وزن فيجب أن يكون بمقدار محدود غير مؤثر وغير قادر على تغيير سياسة الأنظمة الفاسدة التي أوصلت الشعوب إلى الدرك الأسفل من المهانة والفقر والمعاناة.
أعود للقول بأن الخلاص من شر الاختلاف هو التمسك بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بإصلاح ذات البين ثم العمل على تغيير المنكر بالوسائل التي رخّص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
ضيف الله قبيلات