#اسلاميات … عمر والوحي
د. #عبدالله_البركات
يعتقد بعض الناس ان موافقة #الوحي لرأي #عمر_بن_الخطاب رضي الله عنه ومخالفته لرأي النبي صلى الله عليه وسلم تنتقص من مقامه صلى الله عليه وسلم. وهذا محض جهل. مع ان التفكر في ذلك قد يحدث حرجاً في نفوس #المسلمين ويثير تساؤلاً وحيرة. ان التفسير الصحيح لذلك هو ان النبي مر بتجربة قاسية منذ أول الدعوة حتى قبل ان يسلم عمر. فقد كان صلى الله عليه وسلم حديث عهد بالنبوة وكان يعتقد انه يمكنه الاجتهاد في امر الدعوة. ولم يتوقع انه عليه ان ينتظر الوحي في كل صغيرة وكبيرة. خاصة ان الوحي قد انقطع عنه فترة طويلة ذاق فيها الما رهيبا وحزنا شديد وخوفا مفجعا. ولم يخرجه من تلك الشدة إلا عودة الوحي مطمئنا مواسيا بقوله تعالى ..والضحى والليل إذا سجى ما ودعدك ربك وما قلى..
أقول بعد ذلك الانقطاع الطويل استنتج النبي انه ﻻ يمكنه انتظار الوحي في كل صغيرة وكبيرة وما عليه الا ان يعمل العقل ويجتهد في امر الدعوة. وكانت اول تجاربه في الاجتهاد قاسية . فقد اجتهد ان كبار القوم اولى بالدعوة من ضعفائهم. فاعرض عن الأعمى بل تجهمه . كان ذلك اجتهادا بشريا صحيحا منطقيا معقوﻻ ﻻ يعاب فاعله بل يثنى عليه. ولكن ذلك يصلح للبشر العاديين ولا يصلح للأنبياء. فكان ذلك الاستنتاج خاطئا. ففي بداية الدعوة يجب الرجوع الى الوحي في كل صغيرة وكبيرة حتى ولو أبطأ عليه.
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك بدعا من الرسل. فقد عوتب سيدنا موسى عليه السلام بل وعوقب في استعجاله عن قومه دون انتظار الوحي. ومع ان هدفه كان ساميا هو إرضاء الله ومع ترتيبه الأمر مع قومه ليكونوا على اثره فقد عوقب بفتنة قومه وضلالهم. كما استعجل سيدنا نوح فسأل عن غرق ابنه فأنبه ربه بشدة وحذره من أن يكون من الجاهلين.
اذن تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الدرس مبكرا. ﻻ تسأل عما ليس لك به علم. ﻻ تستعجل قبل الرجوع الى الوحي. ﻻ عقل مع الوحي. لم يحاول ان يجتهد في أمر الهجرة . وكان كلما سأله ابو بكر قال. .لم يؤذن لنا بعد.
ولكن القضايا الملحة قد ﻻ ينفع فيها انتظار الوحي. فماذا يفعل الرسول? هنا وضع النبي لنفسه قاعدة ذهبية ﻻبد ان الوحي اقره عليها عموما وان خالفه في بعض الأحيان. كانت تلك القاعدة لُحمة الاسلام وسادته وهي كذلك توافق طبع النبي صلى الله عليه وسلم اﻻ وهي التيسير. فما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين امرين الا اختار ايسرهما ما لم يكن حراما.. اي ما لم يكن به نص صريح بالتحريم من الله. ففي قضية اسرى بدر كان الفداء أيسر. وأما مخالفة عمر فليس لأن عمر افهم واحكم بل لأن النبي أرأف وارحم. وفي الصلاة على المنافقين فالايسر والارحم الصلاة عليهم وليست مخالفة عمر لأنه أفهم وأعلم بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرأف وارحم كذلك. وليأت الوحي بما شاء الله بعد ذلك. وليوافق عمر او لا يوافقه. فالنبي يطبق القاعدة الذهبية التي اقرها الوحي في عدة ايات كريمة..(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. ). (ولو كنت فظا غليظ القلب ﻻنفضوا من حولك..)ان الحالات التي وافق الوحي بها سيدنا عمر ترفع من قدره كونه حكم عقله وهو ما يليق به بصفته بشرا عاديا. وما وافق به الوحي النبي صلى الله عليه وسلم وما خالفه به يرفع من قدر النبي بصفته اما منتظرا للوحي واما مطبقا للقاعدة الذهبية .هذا بالنسبة للنبي أما عامة البشر فليس لهم الا العقل سواءا بوجود النص ليستنبطوا منه افضل ما يفهم منه او بدونه ان لم يتوفر.
ان الحالات التي وافق بها الوحي سيدنا عمر رضي الله عنه قد توهم البعض انها كثيرة. ولكن يغيب عن البال ان الحالات التي وافق بها الوحي النبي صلى الله عليه وسلم ﻻ تحصى..