استهداف علني

استهداف علني

مصعب البدور
لا يخفى على أحد الدور الذي تؤديه صناعة الأفلام في #الشارع_العربي وأحداثه اليومية وعاداته وتقاليده ولا يخفى تأثيرها فيه، حتى أنها أثرت في عرض الحقائق التاريخية، فلقد وصلنا إلى مرحلة طرح الحدث التاريخي من خلال #الدراما أو الفلم بالنمط الذي يخدم المنتج أو الراعي بصرف النظر عن مقاربته للواقع أو مخالفته.
وتتصدر الدراما الفنون على #شاشات_التلفزة والشاشات المحمولة، ومن غير المنكور أن الفن وازدهاره علامة فارقة في تحضر المجتمع ورقية، ووعيه، ولربما وصلت الأمم سابقا ذروة فنونها عندما كان الترف يسود حياتهم، وما إن تغير وضع الفنون من تسلية محضة إلى فنون هادفة حتى صار للدراما وللسنما دور في بِنَاء العقول، وتقديم رسالة هادفة، ولكن واقعنا مع الدراما العربية ورديفتها السنما هو فقدان البوصلة والوجهة، فقد أصبح الهدف من الدراما مشوشاً مخلوطاً بشيء من الجرأة كما سماها أصحاب الوسط الفني، وهي مشاهد موزعة بين الإغراء والإباحية شبه الصريحة، ولقد صدرت مجموعة من المسلسلات والأفلام التي تتعرض لقضايا لا تبدو بريئة أو أنها تحمل قضايا يومية، إنما تروج لبعض الأفكار والمعتقدات الطارئة على مجتمعنا، ولذلك صار كل عمل فني مشروعاً فكرياً عابثاً، في نتائجه ومحصلاته التي تمثلت بظهور شريحة كبيرة تسمى بفنانات وفناني الإغراء.
موجات عارمة
عانت الشاشة العربية من موجات استهداف ممنهج أو عشوائي لمجتمعنا العربي والدين الإسلامي ، فقد عبثت الأعمال الفنيّة بثوابته وخطوطه الحمراء وكانت هذه الموجات ذات طوابع متعددة وأول هذه الموجات موجة استهداف الروابط الأسرية ، فلقد استهدفت اللوحات الدرامية والسنمائية الأسرة، فلماذا اتجه كثير من كتاب السيناريو وصناع الأفلام والدراما إلى جعل الأسرة محور الأعمال الدرامية أو السنمائية، ربما يعود هذا التوجه إلى كون الأسرة أساس تربية الأجيال وأساس المجتمعات المتزنة المنتجة والمتدينة، فتركيز الأعمال على مشاهد أسرية تتنافى مع قيمنا الإسلامية ومع ثقافتنا العربية من تجسيد فوضى العلاقات الجنسية داخل الأسرة الواحدة يشكل استهدافا صريحا للأسرة، فعندما تسلط الدراما الضوء على المساس بالقيم والتعاليم الدينية من خلال تقديم مشاهد تنتهك حرمة زوجة الأب، وحرمة أم الزوجة، وحرمة ابنة الزوجة، أو زوجة الأخ، فإنها وبشكل مباشر تشنّ حربا على استقرار الأسر في المجتمع العربي ولم تكن هذه الأمور وليدة الساعة إنما تناولتها السنما العربية سابقا من مبدأ التحرش، ثم انتهت الدراما الحالية بوجود مبدأ العلاقات الشاذة بين المحارم.
إن هذه الموجة من شأنها أن تعيد الإنسانية إلى نقطة غريزية، دون النظر لأي قيود دينية أو مجتمعيّة، وهذا استهداف خطير يجعل مجتمعنا العربي في قلب موجة تغريب وطمس للهوية العربية والإسلامية في الأجيال، إن انتشار هذه الأفكار التي استهدفت الروابط الأسرية قد يتسبب بهدم المؤسسة الأهم في تاريخ البشرية وذلك بنزع الثقة بين أفراد الأسر وزرع الشك المقيم بينهم، وهدم القيم في نفوس الأجيال القادمة.
موجة استهداف موسّعة النطاق
توسعت دائرة الأفكار المطروحة في الأعمال الفنيّة إلى نطاق أوسع فوصلت إلى إسقاط دائرة الصداقة والزمالة وهدمها، فصارت الأعمال الدرامية والسنمائية تتخطى مبدأ السكرتيرة ذات العلاقة مع مديرها، وتتخطى حالة الحب القائمة بين زميلين، إلى حالة فوضى الجنس بين الزملاء وإلى شبكة علاقات محرمة يستهدف بها الصديق صديقه : أمه وأخته وزوجته وابنته، وهنا ينتبه الناظر إلى آثار هذه الأعمال من الترويج التدريجي لهذه الأفكار الشاذة وخلق جو من القبول المتدرج لهذه التشوهات في الفكر الإنساني، ومن الآثار المتوقعة لخلق جو من التشكك بين جميع مكونات المجتمع، مما يقود إلى تفكك كل الروابط المجتمعية وتبديد أمن المجتمعات وسلامتها، ولمن يعتقد أن هذه الأعمال تنتقد بعض التصرفات ويراهن على وعي المشاهد فإنني سأذكر المواطن العربي بالزواج العرفي الذي لم نعرفه حتى روجت له شاشات العرض وانتشر بين الشباب والشابات الذين دافعوا عن هذا الفكر المحرم محتجين بالمسلسلات التي قدمتها.
لتصبح النتيجة أن هذه الأعمال تتسابق لهدم علاقات المجتمع بشقيها علاقة القرابة وعلاقة التقرب .
تجليات الدراما في الشارع العربي
أصبحت الآثار وردات الأفعال التي تحدثها المسلسلات في مجتمعاتنا مشهودة في كل شيء،في الأزياء وصرعاتها، وكذلك قصّات الشعر في شارعنا، وحركات الشباب ونشر صورهم مع بعض مقاطع من أغاني الشارات التي تتقدم الأفلام والمسلسلات، والعبارات المنتشرة بين الشباب والفتيات مثل ( منتهيّة ) و( اثبت) و( يالطيف) و(على الله حكايتك) وكذلك العبارات المسيطرة على العالم الافتراضي تجد أن كثيرا منها مأخوذة من أحد الأعمال الدرامية، وقد يقول البعض أن هذه الأعمال تصور واقعا نعيشه،هنا سأقول أنني لا أنزه مجتمعاتنا ولا أدعي ملائكية شعوبنا، ولكن وجود حادثة في زاوية هنا أو هناك لا يعني أنها ظاهرة تستحق أن تجسد في كل هذه الأعمال ولا يعني أن مجتمعنا يعيش هذه الحالة الأخلاقية الكارثية.
التديّن وأهله في مرمى الهدف :
صورت الدراما العربية والسنماالمتديّن بصورة الرجل البدين الجاهل، الذي يهمل أولاده وزوجته ويتسبب بفساد سلوكهم، وكذلك ألبست المتدين بثوب الكاذب المنافق، الذي يحلل لنفسه ويحرم على الناس، ورسمته بصورة الحيوان الغريزي الجائع جنسيا، واللاهث وراء المرأة للنيل من شرفها وعرضها، وقدمت المرأة على أنها مقموعة مسحوقة أو بلهاء ممسوخة الشخصيّة ينحسر دورها ببعض أشياء في هذه الحياة، كما أبرزت الدين بصورة القيود التي جاءت لتخنق البشرية وتميتهم، وكل هذه الصورة لا صحة لها ولا صلة لها بالتدين وتكمن خطورة الموضوع بخلق صورة ممجوجة للدين وللمتدين عند المواطن العربي والذي بدوره يبحث عن ما يسهل عليه ويطيب لنفسه.
استهداف قضايا الأمة :
وسرعان ما زادت جرعة الجرأة عند الكتاب والممثلين، لانتاج أفلام تمس روح الأمة وقضاياها العامة بشكل سلبي تجرحها بدلا من بناء فكرة واعية لدى المشاهد عن قضايا الأمة المفصلية، ومن أهم هذه القضايا القضيّة الفلسطينية والتي كانت موضع اعتزاز عند الجميع، والتي صدرت مسلسلات تجسد بغاية الروعة تضحيات الشعب الفلسطيني وأبطاله، لكن سرعان ما طفا على السطح عمل يمس أسرى الحرية وحياتهم الخاصة وانتصارات النطف المحررة على السّجّان والأحكام الجائرة بحق أسرانا، من أحكام مدى الحياة أو أحكام بالسجن لسنوات الطويلة ، وجاء هذا العمل ليضع الأسرى وأهلهم في موضع الحمقى المغفلين. والسؤال هنا مَن المستفيد مِن طرح هذه الأعمال؟ وما غايتها وأهدافها؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات إجابة واضحة فالمستفيد من هذا أولا وأخيرا السجان المحتل، ويوجد إجابات احتمالية لمعرفة غاية مثل هذه الأعمال وغرضها، الاحتمال الأول أنها مجرد فكرة عميلة تنتقص من بعض مشاهد الحرية وتسخف أثرها، والثاني محاولة إيصال الفكرة للسجان ليطبقها، والاحتمالان طعنة في مقتل أما الاحتمال الثالث فأن تكون هذه الأعمال نتاج فكرة غبية و نابعة من هوس انتاج فلم يحقق مشاهدات، وهذا الاحتمال أخطر من سابقيه.

وخلاصة القول إن ما نشاهد من أعمال فنيّة لها آثار جانبية خطيرة ربما تكون عشوائية تتبع السوق التجاري وما يمكن ترويجه، أو ربما تكون مقصودة ممنهجة منذ كتابة الكلمة الأولى حتى لحظة العرض، وهذا خروج عن الطريق دون مسوغ أو داع، لذلك على المشاهد أن تكون له بصمته في انتقاء ما يعرض في بيته وعلى شاشته .

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى