عميد مغلي / وائل مكاحلة

عميد مغلي
حين تخرج غيث من الثانوية العامة بعد تعديلها وراثيا لامه أبوه، ذلك أن مجموعه لا يؤهله لأي كلية، سوى كليات “الخدمة الإجتماعية” المتوسطة التي لا يعلم أحد حتى الآن مجال تخصصها وسوق عملها، تشير التكهنات إلى أن المتخرجين في كليات الخدمة الإجتماعية يعملون في مجال التطوير النووي، كونهم لا يظهرون بعد تصويرهم بالبرانيط الجامعية السوداء مربعة الحواشي أبدا..

ما علينا.. المهم أنه لم يكن ثمة حل لأبي غيث سوى إلحاق نجله بالجامعة تحت بند النظام الموازي عالي الرسوم، طبعا المشكلة عويصة.. فالوالد المحب فقير و”القاشية ميح” كغالبية أباء الطلبة الذين يندرجون تحت هذا البند، لكنه كان يريد أن ينأى بفلذة كبده عن الخدمة في المعامل النووية، فقد سمع أن من يعملون بها يشعون ليلا…!!

في أول أيام غيث في الكلية.. أوصله والده إلى بوابة الجامعة بالبيك اب القديم وعيناه تفيضان دمعا أبويا حانيا لن تفهمه إلا لو صرت أبا، أمام بوابة الكلية أوصى ولده:-

– يا بني.. لقد دفعت دم قلبي كي تدرس في الكلية كأقرانك، أريدك أن تستغل كل قرش دفعته لك في سبيل العلم والمعرفة وكسب الخبرات، أحلم أن تبقى في الكلية كدكتور محاضر، وأن أرفع رأسي بك ما حييت..

مقالات ذات صلة

هز غيث رأسه وهو مبهور بجامعته الجديدة، ثم ترجل من السيارة دون أن ينطق بحرف، إجتاز البوابة الحديدية الضخمة وهو يدير رأسه هنا وهناك.. كانت المرة الأولى التي يرى فيها اندماج تلك المباهج سويا..

الزرع والماء والوجوه الحسنة (هو في النهاية شاب غرير.. آخر فتاة رآها قبل المجئ هنا هي أخته)…!!

يمضي العام الأول تاركا أثرا واضحا على أبنية الجامعة، فيخرج العميد ليشتكي المطر وصدوع الزمن على بناء الإدارة… ثم يقرر رفع الرسوم لنظام الموازي..

في العام التالي تعرض الحكومة رفع فواتير الماء والكهرباء على مجلس النواب.. موافقة شبه مكتملة، يشتكي العميد ارتفاع الفواتير… ثم يقرر رفع الرسوم لنظام الموازي..

في العام الذي يليه تتهالك مقاعد الدراسة التي استوردوها من الصين منذ عام، يشتكي العميد ثم يقرر رفع الرسوم لنظام الموازي..

أبو غيث وقد باع مصاغ زوجته والبيك اب ورهن الدار وجلس يهش الذباب بعكازه، يرى ولده متجها إلى الباب ليذهب إلى جامعته فيصيح به للمرة الألف:-

– موازي يابا.. موازي آه ؟!!

****************

المشهد الأخير.. غيث يقف على عربة قهوة أمام الجامعة وينادي:-

– عميد وسط.. عميد سادة.. عميد سكر زيادة.. إقرب ع العميد المغلي..

لقد حقق بذلك معادلة جمعت كل الخيوط معا:-

– لم يحرم نفسه لذة النظر إلى الجامعة.
– بقي فيها تماما كما أراد له أبوه أن يكون.
– غلى العميد في عربته المتهالكة على نار هادئة.

تمت بحمد الله

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى