استعراضية..

مقال الاحد 15-5-2016
استعراضية..
النص الأصلي
كنت خريجاً حديثا، أحاول أن أملأ الفراغ بأي أفعال مفيدة غير الشهيق والزفير الذي كنت أطلقه أثناء البطالة الطازجة، وقتها كانت اهتماماتي الرياضية طفيفة للغاية فلا أميز الدوري عن الكأس عن الدرع ، كما لم يكن يعنيني من يقف على أعلى سلم الترتيب ومن يتذيّله، ولا أسماء اللاعبين، ولا كيفية احتساب النقاط …
المهم ذات يوم مررت بالقرب من “ستاد مدينة الحسن” فإذا بجمهور طويل يقف في طابور الدخول إلى الملعب ،وبعض الباعة يبيعون أعلاماً و”عصابات” رأس وطواقي وزوامير هواء ، وترمس وفستق ووشاحات للفريقين المتبارزين… وبسبب الملل الشديد، قررت الوقوف في الطابور وقطع تذكرة، فإنه من حسن الحظ ان استطيع قتل ساعتين من الوقت بدينار واحد…جلست في واجهة الدرجة الثانية ،وبدأت أدّعي الحماس والترقب والنظر إلى الساعة..بينما كان كل من حولي يتبادلون الشتائم اللطيفة ،والسجائر ، والمداعبات التي تخدش الحياء العام..دقائق دخل الفريقان ساحة الملعب فوقفت الجماهير وصفّقت طويلا لهم على إيقاع “طبلة” كانت مع أحد الشباب في أعلى المدرّج..أنا صفّقت بحماس شديد وحاولت أن أصفّر كما يفعل باقي الجمهور لكن لم أفلح ،حاولت تبديل الأصابع في الفم وثني اللسان جيداً ففشلت لقد خرجت صافرتي على شكل “زعيق” انتبه لها الجمهور الذين حولي ورمقوني بنظرات استهزاء واستصغار وبعضهم أطلق قهقهة لا تزال ترنّ في ذاكرتي…
نفّذت ركلة البداية، والجمهور ملهي بتقشير الترمس و”عضّ” عرانيس الذرة ، صرت أتابع الكرة بنظراتي وأميل رأسي وأقف على رجلي كلما سنحت هجمة ، كنت متحمّساً جداً فأصيح بأعلى صوتي، وألوم اللاعبين على ضياع الفرصة ..بينما ينظر الذين تحتي والذين حولي بالمدرجات بنصف عين…فأخجل وأعود إلى مكاني، وعندما أرى الحكم يحابي فريقاً على حساب فريق كنت أقف وأصيح حتى تنتفخ عروق رقبتي ويحمرّ وجهي بينما لا أحد من الجمهور يأتي بحركة ،باختصار كانوا يلتهون بتقشير الفستق وفصفصة “بزر دويرة الشمس”…

كلما ضاعت فرصة قمت من مكاني وصرخت بأعلى صوتي وكلما سنحت فرصة ضربت على ركبتي و”فغرت” لائماً على ضياعها…قال أحد الجالسين خلفي مباشرة “ماله هاظ”؟؟..وآخر رفع صوته ليسمعني : “منين طلع لنا”؟…وعندما وضع الحكم ضربة مباشرة قريبة من خط ال18 ظلماً على فريقنا…قفزت من مكاني بانفعال وأنا أصيح ..”مش هيك يا حكم..مش هيك يا حكم”…فشدّني أحدهم من قميصي وهو جالس وقال بطولة بال عجيبة: “خالي استعراضية”…لم أفهم ، قلت له: شو يعني..؟؟..قال لي: المباراة استعراضية تشدّش ع حالك!!.

وقتها كنت لا أفرق بين الاستعراضي والجدي وبين الودي والقتالي..أنا أعرف أن المباراة مباراة فيها فوز وفيها خسارة وتسجل للتاريخ..قال لي الرجل طويل البال بعد أن هدأت وبدأنا نتقاسم كيس الترمس خاصته : الدوري محسوم من زمان يا خالي .. بس بيلعبوا عشان الجمهور…
ومنذ ذلك التاريخ كلما صرخت بأعلى صوتي أو قمت بالاحتجاج على ضياع فرصة للوطن او احتساب ركلة ضده ضد مصلحته..تذكّرت مقولة الرجل “المكوّع”: “خالي استعراضية”.. فالنتيجة محسومة من زمان…

وغطيني يا كرمة العلي..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. معناته طمنتني على البلد ما دام كلشي محسوم من زمااااان… زي جاهات هالايام لحى و شوارب و عبي جراره و فنجان قهوه و النسوان بكونن حاسماتها من شهرين ثلاث و الكتاب مكتوب .. طيب ما دام محسومه و المسارات السياسيه و الاقتصاديه و حتى الاجتماعيه مرسومه النا … مثل جيرانا من تطوان الى عمان .. لويش نتعب حالنا و نحرق دمنا و هاظ فاسد و هظاك حرامي و ما بعرف ايش .. و المستقبل عارفينه لانه برضوا محسوم طبعا بعد مشيئة الله .. شرق اوسط جديد و الا قديم احنا قدرنا نظل هيك عشان عيون امن الاقليم حيى الله بالضيف و اللي معاه بس يرحمونا الضيوف شوي بموضوع رفع اسعار العقار لانه مش لاقيين مكان ننضب فيه من كثر الكرم .. محسومه

  2. استعراضية .. ام “عمن حق وحقيق” عالجهتين نحن من يدفع الثمن …. والاهداف دوما في مرمى الشعب … حتى الاصابات نحن من يدفع ثمن علاجها .. ومن الصفيرة الى جرابات اللعيبة كله من جيبتك يا مواطن

  3. مساء الخير أستاذي …ويعطيك ألف عافية
    اليوم كنت شاهدة على رجل يحتل مكانة مميزة في قلوب الناس …أهنئك فمحبة الناس دليل على محبة الله …خطابك للناس وتعبيرك عن همومهم هو السر …وتلك الجرأة المختلطة بالمرارة والجدية والصدق ….حفظك الله أستاذ أحمد ودمت فخرا وذخرا للأردنيين….وحمى الله بلدنا من العابثين . …ودام نعمة السلام …

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى