سواليف – بكلمات من نور وبفخر وإجلال، وثق زملاء الإعلامية، ونجمة القدس، #الشهيدة #شيرين أبو عاقلة محطّات من سيرتها المهنية، والإنسانية، والنضالية، خلال جلسة استذكارية “مؤثّرة” نظّمه مركز حماية وحرية #الصحفيين بالتعاون مع شركة #زين مساء أمس الثلاثاء في المركز الثقافي الملكي، بحضور بهيّ من محبيها، وبعد أقل من شهرين على اغتيالها على أيدي جنود الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، دون أن يعلن حتى اللحظة عن فتح تحقيق دولي في الحادثة.
وفي بداية الفعالية دعا “حماية الصحفيين” الحضور للوقوف دقيقة صمت على روح شهداء حادثة العقبة، وروح الشهيدة الإعلامية شيرين أبو عاقلة.
ورسمت شهادات قدمتها كل من مراسلة الجزيرة في رام الله، جيفارا البديري، ومراسلة الجزيرة في القدس، نجوان سمري، في الاستذكار الذي أداره مؤسس مركز حماية وحرية الصحفيين، نضال منصور، لوحة مرويّة لسيرة أبو عاقلة، مزجت بين وجع الغياب وألم الفقد، والغضب من استباحة دمها كشاهدة سخّرت حياتها لقضية الشعب الفلسطيني ومعاناته اليومية مع الاحتلال، إذ دخلت بها كل بيت عربي بلا استئذان.
كما تحدث في الاستذكار، كل من النائب السابقة، ديمة طهبوب زوجة مراسل الجزيرة طارق أيوب الذي استشهد في بغداد بقذيفة أمريكية استهدفت مكاتب القناة، ومدير البرامج في مؤسسة الحق الفلسطينية، تحسين عليان، والصحفي الأردني جهاد أبو بيدر الذي زامل الشهيدة أيام الدراسة في جامعة اليرموك.
وقال منصور “التغطية مستمرة.. هكذا كانت تقول، وعلى هذا الدرب نسير، اغتيلت شيرين أبو عاقلة، ولكنَ قتلَ الشهود لا يقتلُ الحقيقة”.
وأضاف منصور “نعرفُ الجناةَ.. نعرفهم قبل أن يقتلَ القناصُ شيرين بدم بارد.. نعرفهم حين قتلوا الكاتب والمناضل “غسان كنفاني”، وقبله وبعده كان الشهداء يسقطون حتى تظل فلسطين حاضرةً.. وكان دمهم يُشير إلى القتلة بوضوح.. إلى الاحتلال الإسرائيلي الغاشم”.
واقتبس منصور من رثاء الإعلامي الفلسطيني، محمد ضراغمة، لشيرين “كان رحيلكِ معركةَ مواجهةٍ، مثلَ معاركِ باب العمود، وبوابات الحرم الشريف، والحائط الغربي، وباب الرحمة، والمصلى المروانيّ”.
وتابع “بعد رحيلك يا ابنة مريم تضاءلت قيمةُ الأشياء حولنا، لم نعد نرى شيئا يستحقُ التعبَ، فقد رحلَ من يستحقُ كل العناء والتعب.. رحلتْ نجمةُ القدسُ التي لا تغيبُ”.
وكشفت البديري في شهادتها، عن أثر حادثة اغتيال أبو عاقلة على الفلسطينيين، قائلة إن مكتب الجزيرة تحوّل إلى “مزار” للشهيدة، وأن آلاف الاتصالات تلقتها من محبيها، من بينهم اتصالين اثنين من أهم الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال، وقالت “أحد الأسيرين مضى على أسره 42 عاما، وعرف عنه صلابته، إلا أنه أجهش بالبكاء في الاتصال حزنا على شيرين، ولن أذكر أسماءهما حتى لا يتعرضا للعزل الانفرادي”.
وقالت البديري، إن أبو عاقلة رسمت “مشهدا من مشاهد” تحرير فلسطين خلال جنازتها المهيبة التي قطعت 140 كيلومتر، وتكلل هذا المشهد في رفع العلم الفلسطيني في شوارع القدس المحتلة، رغما عن أنف الاحتلال.
واستذكرت البديري مآثر الشهيدة أبو عاقلة الانسانية والمهنية، معتبرة إياها معلمة لها في مسيرتها المهنية التي بدأت في تغطية أحداث حصار كنيسة المهد، وقالت البديري “قلت لشيرين إن هذا الحدث أكبر مني، لكنها أصرت على استمراري وقالت لي مع التدريب كل شيء بيصير”.
وأشارت البديري إلى أن أبو عاقلة، هي التي أسست روحا مختلفة لتغطية القضية الفلسطينية، تجسدت في جعل “الإنسان هو القصة” على مدار نحو 23 عاما من التغطية المستمرة، وأضافت “شيرين كانت ضيفة لطيفة على كل بيت عربي وتدخله بلا استئذان، ما قبل شيرين ليس هو ما بعدها، لقد رسمت اللوحة الأولى من مشهد تحرير فلسطين برفع العلم الفلسطيني في القدس وأقيمت حرب في ذلك اليوم حتى لا يسير نعشها مع العلم.. واليوم قد نحتاج إلى سنوات لنعود إلى العمل في الميدان، شيرين اغتيلت دون أي حماية”.
وفيما أكدت البديري قرع أجراس كنائس كل الطوائف المسيحية في القدس لمدة 3 ساعات و45 دقيقة متواصلة، في حادثة لم تشهدها المدينة سوى للقائدين الفلسطينيين؛ عبد القادر الحسيني، وعز الدين القسام، كشفت عن تلقي مكتب الجزيرة لثوب فلسطيني مطرز حاكته سيدات من قطاع غزة “غرزة غرزة”، ونُقل عبر عدة مدن فلسطينية حتى أوصلته سيدة من مدينة الخليل وبطرق معقدّة جدا، مرفقا بقصاصة ورق كتب عليها “لتكملوا المشوار”.
أما الصحفية سمري، فقد قدمت روايتها بدموع الصديقة المحبّة والزميلة، وقالت إن الوقت “لا يمر “بغيابها”، وأن شوارع القدس، وحارة منزلها، وطرقاتها تستذكرها، وعرضت لمجموعة من الأحداث التي ترافقتا بها، خاصة تغطية خطة انفصال غزة في العام 2005، مشيرة إلى أن هذه المحطة قاربت بينهما إنسانيا ومهنيا، وقالت “شيرين الأكثر تميزا في حياتي إنسانيا، كانت إنسانة متواضعة، وكان لدينا دائما مخططات، أنا جئت من شمال فلسطين إلى القدس، وهي كانت ملجأ لي، لا أستطيع للآن أن أتعوّد على الطريقة الإرهابية التي قتلت فيها، غيابها مؤثر بحجم حضورها”.
وبينت سمري، أنه منذ اللحظة الأولى كان الكل يعرف من هو قاتل أبو عاقلة، وأن من خطط ومن أعطى الأمر، ومن أطلق الرصاص هم القتلة، وأضافت “العدالة أن تكون شيرين بيننا اليوم الاحتلال لا يرى أننا نستحق الحياة، وهو يتحكم بأبسط تفاصيلنا اليومية، واليوم أنا متمسكة بالصحافة رغم ذلك أكثر من الأول من بعد شيرين”.
وعرض مركز حماية وحرية الصحفيين، فيديو أعده خصيصا عن مسيرة أبو عاقلة، وكتب نصه الصحفي أحمد حسن الزعبي، وبصوت الإعلامي طارق حامد، وأنتجه بالفيديو الصحفي أنس ضمرة كما عرض لاحقا للمرة الأولى تقريرا خاصا أعدته منصة الجزيرة AJ+ بلس، عن الجانب الإنساني في عطف أبو عاقلة على الحيوانات الأليفة، وعلاقتها “بالكلب فلفل” الذي لايزال يترقب عودتها يوميا عند نافذة المنزل.
من جهته، كشف مدير البرامج في مؤسسة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان، تحسين عليان، والتي تعنى برصد انتهاكات الاحتلال وتوثيقها عن آخر مستجدات البلاغات التي قدمت إلى المحكمة الجنائية الدولية، عن مراوحة إجراءات المحكمة مكانها، قائلا إن خبرا “كاذبا” نشره موقع المحكمة الرسمي حول اعتقال أحد الأشخاص المتورطين بقضية اغتيال أبو عاقلة، وفتح تحقيقين فيها.
وبيّن عليان، أن التحرك من خلال المحكمة يتطلب متابعة حثيثة ومستمرة، لأن آليات عمل المحكمة لا تعتمد على التحقيق في قضية واحدة بل بمجموعة قضايا، لافتا إلى أن هناك تأخيرا أيضا طرأ في بحث البلاغات الفلسطينية حول انتهاكات الاحتلال تتعلق بالبت في الولاية المكانية للمحكمة في الأراضي الفلسطينية.
وأكد عليان، أن أبو عاقلة قتلت بإصابة “مباشرة غير مرتدة”، وبرصاص قناص محترف، بحسب الأدلة التي جُمعت منذ اللحظات الأولى، وعرض خارطة الموقع الذي استشهدت فيه، شارحا أن المسافة بين جنود الاحتلال والموقع الذي تواجدت فيه كان مفتوحا.
وكشف عليان عن إعداد مؤسسة الحق، لفيديو تصويري بتقنية الهندسة الاستقصائية، يعرض كيفية وقوع حادثة الاغتيال بشكل مفصّل خلال شروع أبو عاقلة بتغطية اقتحام الاحتلال لمخيم جنين، إلا أنه أكد على عدم وجود أي دليل للآن بفتح تحقيق في الحادثة، قائلا “للأسف للآن ما يمكن التوصل له بأن فلسطين والاستيطان ليست من أولويات عمل المحكمة في 2022، وأن هناك تسريبات تتحدث عن عدم توفر موارد لفتح تحقيق، بينما نرى أن الحرب في أوكرانيا سجلت جرائم حرب منذ الأسبوع الأول لها، وهذا يعكس المعايير الدولية المزدوجة”.
النائب السابقة ديمة طهبوب، اعتبرت في كلمتها بأن أبو عاقلة عندما استشهدت كان الاستشهاد من أجل “فلسطين وليس من أجل حل الدولتين، وكان من أجل القدس وليس من أجل القدس الشرقية أو الغربية”،
فيما عقدت مقاربة بين استشهد زوجها أيوب وبين أبو عاقلة، حيث اعتقد أن بغداد ستسقط بدون شهود، وأن تسقط جنين بلا شهود.
وعبّرت طهبوب عن خشيتها من تحصين جنود الاحتلال في قضية الاغتيال، على غرار الحصانة التي منحت للجنود الأمريكيين في قضية التحقيق في اغتيال أيوب، وقالت “متشائمة بسبب تجربتي الشخصية ومتفائلة من أجل شيرين”، إلا أنها استشهدت بالعبارة التي حملتها ابنتها فاطمة في صغرها “للباطل جولة وللحق جولات”.
واستذكر الصحفي جهاد أبو بيدر، مآثر أبو عاقلة التي زاملها في قسم الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك، قائلا إنها كانت شخصية مثقفة، وهادئة، وغامضة في الوقت ذاته، وأنها تمتعت بعلاقات زمالة طيبة.
وأشار أبو بيدر، إلى أن الجيل الذي تنتمي له أبو عاقلة من الصحفيين، هو جيل ذهبي استطاع أن يترك بصمات في مسيرة العمل الإعلامي في عدة مواقع متقدمة، وأن كل من عرف الشهيدة أبو عاقلة تركت أثرا فيه لا يُنسى ولن يُنسى.
وكان مركز حماية وحرية الصحفيين قد صمم جدارية “التغطية مستمرة” للشهيدة شيرين أبو عاقلة، وضعت عند مدخل قاعة جلسة الاستذكار، كتب عليها الحاضرون والمشاركون كلمات لروح الشهيدة، حيث ستُرسل نسخة عن هذه الجدارية إلى عائلتها، وزملائها، وزميلاتها في فلسطين، وأخرى لشبكة الجزيرة في الدوحة.
وفي ختام جلسة الاستذكار، كرّم مركز حماية وحرية الصحفيين المتحدثين في الجلسة، وشبكة الجزيرة، وشركة زين على دورها الداعم للقضايا الوطنية، بـ “درع شرين أبو عاقلة”.