استحضار أرواح

استحضار أرواح / #يوسف_غيشان

تقول الحكاية بأن إماما كان يدعو، في صلاة الجماعة إلى عودة البطل المغوار الجبار قاهر الفرنجة ومحرر الديار صلاح الدين الأيوبي، ليقودنا إلى النصر ويحرر القدس وفلسطين وما حولها، كما فعل في السابق. وبما أنها مجرد نكتة ولا مبرر لمنطقية الأحداث فيها، أو للبحث في مدى صدقيتها، فقد تمت الاستجابة إلى دعوات الإمام اللحوح المتكررة، فتجسد صلاح الأيوبي قدّام المصلين جميعا، وكما هو مفترض، فشرع في دعوتهم للقتال من أجل تحرير الوطن، ودعاهم لبناء جيش تحت قيادته من أجل الشروع في عملية التحرير المضنية التي تحتاج إلى الكثير من الصبر والتضحيات، كما قال لهم.
هنا، اختلفت وجوه المصلين، وصاروا يتهربون من صلاح الدين الأيوبي، ويختلقون المبررات من أجل عدم الانتظام في جيش التحرير المرتقب …هذا يقول بأن زوجته ستلد اليوم، وليس عندها أحد سواه، وذاك يقول بأن أمه مريضة وهو يقوم بشؤونها وآخر يدعي بأنه مصاب بالغرغرينا، وآخر بالسرطان وثالث بالإيدز. آخر معه القلب، وأخر معه ماجستير.
أعذار في أعذار في اعذار، حتى خلا الجامع من المصلين، بمن فيهم الإمام، ولم يبق سوى صلاح الدين الأيوبي وحيدا، فعاد الرجل من حيث أتى.
في صلاة الجماعة التالية، قام الإمام بتعديل دعوته، حيث قال:

  • اللهم أعد لنا صلاح الدين الأيوبي …وجميع أفراد جيشه الذي كان معه، وحرر القدس وبقية أنحاء فلسطين…اللهم اجلبهم لنا جميعا حتى نحرر البلاد والعباد بهم. انتهت النكتة المؤلمة.
    المؤلم والمؤسف في الكثير من النكات –السياسية وغير السياسية-بأنها تعبر عن الحقيقية بشكل سافر وواضح تماما بدون تبهير ولا تبرير، لذلك تكون جارحة ومهينة للذات الإنسانية، التي تختلق التبريرات من أجل تزويق واقعها قليلا.
    ما قيل سابقا حول قصة صلاح الدين هو عين الحقيقة تماما، وهو أننا شعب اتكالي يريد أن يجعل من الماضي جنرالا، ليدافع عنه ويهاجم عنه ويقاتل عنه ويستشهد عنه ويحرر الأرض عنه. هذه الإتكالية هي التي أوصلتنا الى ما نحن عليه من ضعف وترد وانهيار وضياع طاسة.
    حتى لو تحولت النكتة الى حقيقة والأمنية الى واقع وجاءنا صلاح الدين وجيشه ليقاتلوا عنا، فإنهم بلا شك كانوا سينهزمون على أرض الواقع، لأنهم ينتمون إلى عصر آخر وإلى ظروف مختلفة، كانوا قد صنعوها بأنفسهم.
    وتلولحي يا دالية

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى