سواليف
وعدوه بالعمل في شركة العطارات لتعدين الصخر الزيتي لـ20 سنة مقبلة، فاشترى صهريج ماء بقيمة 30 ألف دينار (42 ألف دولار)، دفع منها دفعة، واستكمل الباقي عن طريق أحد البنوك، وباشر العمل في الشركة قبل عامين ونصف العام.
لكن المفاجأة أن العمل بالشركة توقف مطلع أبريل/نيسان الماضي، وبين ليلة وضحاها تبخّرت أحلام الشاب أنس جايز النوارسة (32 عاما) بحياة كريمة مستقرة، فلا عمل ولا قدرة على تسديد الأقساط البنكية، ولا إمكانية لبيع صهريج الماء المرهون.
يتشابه مع أنس أكثر من 190 عاملا من أبناء المجتمع المحلي في منطقة أم الرصاص، بالبادية الوسطى جنوب العاصمة الأردنية عمّان (100 كيلومتر)، اشتروا صهاريج لنقل المياه، وآليات لنقل أكوام الصخور الزيتية والأتربة، وذلك للعمل في شركة العطارات للطاقة، حسب العاملين.
وبدأت شركة العطارات، وهي ائتلاف شركات من الصين وماليزيا وإستونيا، عملها جنوب الأردن عام 2010، وتعمل على إنتاج الطاقة الكهربائية من الصخر الزيتي وبيعها لشركة الكهرباء الوطنية، بعد ما وقعت اتفاقية مع الحكومة الأردنية عام 2014، على أن تؤمن 15% من حاجة المملكة السنوية من الكهرباء، ويبدأ التزويد بالكهرباء عام 2021، وبكلفة استثمارية قدرها 2.1 مليار دولار.
عمل بلا عقود
يتجمع المتضررون بين حين وآخر أمام آلياتهم المتوقفة عن العمل -حسب ممثل العمال في الشركة ماهر الهقيش- يبعثون برسائل احتجاجية على تردي أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، جراء تراكم الديون، حتى باتت تنقلاتهم محدودة بعد تهديدات بالسجن بلغتهم لعجزهم عن تسديد الدفعات المالية.
ممثل العمال قال للجزيرة نت “عام 2017 ومع بدء العمل في مشروع شركة العطارات، وُقّعت اتفاقية بين ائتلاف شركة مقاولات أردنية وأجنبية تابعة للشركة، ولجنة من أبناء المجتمع المحلي، وذلك لتوفير فرص عمل لهم في الشركة، وبناء على الاتفاقية تم شراء آليات وصهاريج ماء للعمل”.
ويضيف “استمر عملنا مع الائتلاف من 2017 وحتى أبريل/نيسان الماضي، لكنه توقف مع انتشار جائحة كورونا، فبتنا في مهب الريح.. تقدمنا بشكاوى إلى الحكام الإداريين، ووزيرة الطاقة هالة زاويتي، لكنها لم ينظر فيها مع الأسف، بحجة أننا لا نملك عقود عمل مع الائتلاف”.
شركة العطارات
بدورها تنفي شركة العطارات “تسريح أي من موظفيها العام الماضي 2020″، وقال مدير العلاقات العامة بالشركة منهل العقلة -للجزيرة نت- “لم يتم إنهاء خدمات أي من العمال أو الموظفين، ولا علم لإدارة الشركة بقضية هؤلاء العاملين، ولم يُتفق معهم على أي صيغة توظيف”.
وتابع أن الشركة متعاقدة مع ائتلافات من شركات محلية وأجنبية، ونحو 200 شركة مقاولات وخدمات لإنجاز العمل في مشروعات الشركة المتنوعة، وهناك شركات مقاولات أنهت الأعمال المطلوبة منها، وأخرى مستمرة في العمل، والشركة لا علاقة لها بالعمال الذين يتم تشغيلهم عن طريق شركات المقاولات والخدمات العاملة مع شركة العطارات.
تحكيم دولي
من جهة ثانية، أعلنت وزيرة الطاقة هالة زاويتي أن الحكومة السابقة “حكومة الرزاز” قررت إجراءات التحكيم الدولي لدى غرفة التجارة الدولية في باريس، على أرضية الغبن الفاحش في اتفاقية شراء الطاقة من شركة العطارات، ولغايات إصدار حكم بوجود غبن فاحش في التعرفة الكهربائية وتحديد مقداره، وتقرير حق شركة الكهرباء الوطنية بفسخ العقد، ما لم تتم إزالة ذلك الغبن الفاحش.
ووفق خبراء، فإن الحكومة وشركة الكهرباء الوطنية وجدتا نفسيهما أمام جملة من الشروط الصعبة رتبتها بنود الاتفاقية، أبرزها خسائر سنوية على الخزينة تقدر بـ200 مليون دينار (280 مليون دولار)، وكميات كبيرة من الطاقة الكهربائية الفائضة عن حاجة المملكة.
وبخصوص قضية التحكيم، رفض العقلة التعليق على القضية، مؤكدا أن الشركة “ترفض التصريح بخصوص هذا الملف”.
الغاز الإسرائيلي
الخبير في مجال الطاقة عامر الشوبكي قال -للجزيرة نت- إن قضية التحكيم جمّدت العمل بالمشروع، فضلا عن جائحة كورونا، مما أدى إلى تعطل أعمال شركات المقاولات الأردنية العاملة هناك وتوقفها، ومنهم هؤلاء العمال.
وتابع أن المواجهة الحكومية مع مشروع العطارات جاءت لاستمرار العمل باتفاقية استيراد الغاز الطبيعي من الاحتلال الإسرائيلي، لأن إنتاج العطارات سيؤدي إلى تراجع الكميات المستوردة من الغاز الإسرائيلي بنسبة من 20% إلى 25%.
من مباني شركة العطارات لإنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي جنوب الأردن (الجزيرة)
ويرى الخبير أن اتفاقية العطارات بوصفها استثمارا صينيا في الأردن أزعجت الإدارة الأميركية حين توقيعها، وكان الرد على الاتفاقية بالضغط على الأردن لتوقيع اتفاقية استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل.
وبين اتفاقيات الطاقة والتحكيم الدولي وخلافات الساسة وحسابات الاقتصاديين، يبدو أن الأردنيين من أبناء المجتمع المحلي في منطقة أم الرصاص هم الحلقة الأضعف، خاصة بعد شرائهم آليات لا قبل لهم بتسديد أثمانها، ولا مكان لها للعمل.