ارتفاع الاسعار، وضرورة الرد بالمقاطعة

ارتفاع الاسعار، وضرورة الرد بالمقاطعة
نايف المصاروه

السعر او اﻷسعار..هو ما يتم تحديده من بدل مادي، مقابل امتلاك السلعة أو الحصول على الخدمة ،يعني ما ندفعه انا وانت من نقود.
وأما السلع فهي كلّ ما يُباع ويُشترى ويُتاجَر به من البضائع ،يعني ما نقوم بشراءه انا وأنت من احتياجاتنا.
وأما المستهلك فهو كل شخص تقدم إليه خدمة أو سلعة لإمتلاكها أو ﻹستهلاكها،يعني انا وانت أو اﻷكثريه .
بعيدا عن تفاصيل مسميات، اقتصاد السوق ،وهو النظام الاقتصادي الذي يتمتع فيه الأفراد والشركات بحرية المبادرة وحرية تبادل السلع والخدمات وتنقلها دون عوائق،او اﻹقتصاد المخطط أو المركز ، حيث إن الدولة هي التي تقوم بتخصيص الموارد وتحديد السلع والخدمات التي سيتم إنتاجها، وبأي كميات، وتباع وفقا لأي أسعار،أو الإقتصاد المختلط،والذي يمزج بين اﻹعتماد على السوق والدولة معا،وهو المعتمد في أغلب بلدان العالم.
أنا اميل إلى كل المسميات،ولكل نوع حالته وضرورته،وأميل الى السوق الحر لأنه يتوافق مع ما كانت عليه البيوع في زمن النبوة والخلافة،لكن يجب أن تكون تلك الحرية والإنفتاح ،مقيدة بضابط الأخلاق والرحمة ،فاﻹسلام عندما حرص على مبدأ الحرية في مسألتي البيع والشراء،لم يجعلها حرية على إطلاقها،بل جعلها مقيدة بقواعد الأمر والنهي ،التي أوجبتها وأقرتها الشريعة.
فالسلطة على الأسعار ،وجودة السلع هي :- لسلطة الذات أولا ، والتي تتمثل بمراقبة العبد لذاته وﻷفعاله، وخوفه من الله سبحانه ، ودليل ذلك انه لما اشتكى الصحابة من الغلاء للنبي عليه والسلام؛ فقالوا: “يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا”. فكان جواب النبي عليه والسلام “إن الله هو المسعر، القابض الباسط، الرازق، وإني ﻷرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم أو مال”.
وحكمة التشريع هنا تتجلى ،لو انه عليه والسلام ،تدخل بشكل مباشر في التسعير، وأرخص السلع عن اسعارها المعلنة للبيع، يكون بذلك قد ظلم التجار،فلديهم مصروفاتهم ونفقاتهم المختلفة،ولذلك من حق التاجر ان يبيع ويربح ،ولو أنه عليه الصلاة والسلام تدخل في تحديد السعر،فقد يظلم المستهلك،وقد يكون في ذلك مدخلا لبيع بعض السلع التي لا ترقى في جودتها ،إلى السعر المحدد.
ولهذا حرص عليه الصلاة والسلام على تهيئة البيئة الخصبة،لقبول كل الآوامر،والانتهاء عن كل الزواجر، وجعل حركه السوق في المجتمع المسلم،تعتمد على مبدأ الحلال والبعد عن شبهات الحرام ،وليس على مبدأ الربح والخسارة فقط، لقوله ِعليه الصلاة والسلام ”الحلال بين والحرام بين …الحديث.
ولهذا حدد النبي صلى الله عليه وسلم،أسس التعامل والتبادل التجاري ،فقال:- إنما البيع عن تراضٍ، ولكن في بيوعكم خصالاً أَذْكُرُها لكم: لا تَضَاغَنُوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا يسوم الرجل على سوم أخيه، ولا يبيعن حاضر لباد، والبيع عن تراض وكونوا عباد الله إخواناً”.
وبعد سلطة مراقبة الذات ،جاءت ثانيا سلطة ولي الامر ،فحرص النبي عليه السلام،على تفقد اﻻسواق ،ومراقبة جودة البضائع ،وتوجيه التجار بشكل مباشر،فقد خرج عليه والسلام إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: “يا معشر التجار”:- فاستجابوا، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه،فقال: “إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً، إلا من اتقى الله وبر وصدق”.
ومن حرصه عليه الصلاة والسلام، على مراقبة اﻻسواق ،أنه نهى عن البيع على البيع، وعن الشراء على الشراء ،كما نهى ومنع عن التواطؤ بين البائعين بقوله عليه والسلام ، ولا تناجشو، والنجش أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليقتدي به المشترى.
ونهى عن تلقي الركبان وبيع الحاضر للبادي، بقوله عليه والسلام’ لا تلقوا الركبان ولا يبيع حاضر لباد ،وتلقي الركبان هو أن يتلقى شخص أو أكثر طائفة من القادمين يحملون متاعا لبيعه في السوق، فيشتريه منهم قبل قدومهم اليه.
وأمر بالصدق والوضوح في بيان حقيقة السلعة ، ونهى عن بيع السلعة بالحلف الكاذب ،واوجب على البائع ان يظهر ما في سلعته من عيب .
ونهى عن الغش ،وحرم الاحتكار ‘، وعلة تحريم اﻹحتكار حتى لا يتحكم المحتكر في السوق ويفرض على الناس ما يشاء من الأسعار ويتحكم في مقدار المعروض من السلع ،مفضلاً مصلحته الشخصية، على مصلحة الجماعة ،فضلاً عما يسببه هذا من تضييق فرص الاتجار والتصنيع على الآخرين.
وهنا لا بد من اﻹشارة إلى اﻹحتكار الملموس ،في بعض الصناعات ،وبعض التجارات منها على وجه الخصوص،تجارة اللحوم.
ولهذا تكرر الأمر إلى التجار، بأن يتقوا الله في بيوعهم وتجاراتهم،وكل تعاملاتهم، ويبروا ويصدقوا الناس بالبيع، وألا يغلو أسعار السلع عن ثمنها، أو يحتكرونها أو يمسكونها ليرتفع سعرها.

وفي كل الأوقات حث اﻹسلام ،اتباعه على التعاضد والتكافل، فيكفل الغني الفقير، فيؤدي الزكاة المفروضة،ويكثر من الصدقات التي تعين الفقراء والمحتاجين على أعباء الحياة والغلاء، فتحمي المجتمع من الفقر ، وتخفف من الأعباء على الدولة، كما أن إخراج الزكاة والصدقات سببًا للبركة ونشر الحب والترابط بين أفراد المجتمع، يقول صلى الله عليه وسلم : “من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له”.
ورغم هذه التوجيهات والتحذيرات،إلا أن هناك تفلتات للغش في البيوع،واحتكار لبعض السلع، ورفع للاسعار ،ولذلك اوجد اﻹسلام لهذا الداء، العلاج والدواء ،ومن ذلك العلاج،أن كل من يخالف الهدي النبوي ،يقع في المعصية ،وهو عرضة للحرمان من خير البركة في الدنيا ،ولعذاب الله في اﻵخرة ،كما جاء التوجيه للمستهلك ،بضرورة استبدال السلع التي يرتفع سعرها ،بالتوجه الى شراء غيرها ،وهو منهج استهلاكي حصيف،جاء الأمر بالتعامل به في زمان الخلافة الراشدة،وحصل ذلك في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فورد أن الزبيب قد غلا سعره في مكة ،فقال الصحابة: غلا علينا الزبيب بمكة فكتبنا إلى على بن أبى طالب بالكوفة أن الزبيب قد غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتمر”. أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوفرًا في الحجاز وأسعاره رخيصة فيقل الطلب على الزبيب فيرخص. وإن لم يرخص فالتمر خير بديل.
ومن منهج استبدال السلع بغيرها ، إلى منهج مقاطعة السلع التي يرتفع سعرها،
جاء الناس إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، واشتكوا من غلاء اللحم، فقالوا: سعره لنا، فقال: أرخصوه أنتم!
فقال الناس: نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم؟ وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال: اتركوه لهم -أي لا تشتروه منهم.
والمقاطعة فمصدرها قَاطَع، َوهي الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصاديًّا أَو اجتماعيًّا ،وَفْقَ نظام جَماعيّ مرسوم.
للعلم استُمدّ مصطلح المقاطعة ،في العصر الحديث (بالإنجليزية: Boycott ) من اسم مدير العقار البريطانيّ تشارلز بويكوت (بالإنجليزية: Charles Boycott) في القرن التّاسع عشر؛ حيث طلب منه المزارعون الإيرلنديون المقيمون في اراضيه، خفض إيجارات المنازل، خلال المجاعة التي حدثت عام 1880م، ليتمكنوا من العيش أثناءها، ولكن تشارلز رفض ذلك، فقرر المزارعون التجمّع معاً والامتناع عن أي أعمال،تعود بأي فائدة على تشارلز ومؤيديه، الأمر الذي أدى إلى خروج تشارلز من ايرلندا.
في ثقافة الشعوب لمفهوم المقاطعة، أسرد لكم هذه القصة ،ذهب مُواطن أرجنتيني ليشتري “طبقا من بيض” وعندما سأل البائع عن السعر، فوجد أنّ سعرها قد إرتفع عن المُعتاد، فسأل البائع عن السبب، فقال: أنّ الشركات المُوزّعة قد رفعت السعر!
وبهدوءٍ تام، أخذ المُواطن “طبق البيض” وأعاده الى مكانه،ثم وقف أمام البائع وقال له :-لا داعي للبيض ، أستطيع أن أعيش بدون أكل البيض.
كذلك فعل اغلب الناس ،وبدون الجوء إلى اية حملات ،او اي إعلان عن إضرابات، لكنها ثقافة شعب! شعب لا يقبل أن تبتزّه الشركات وأهوائها، برأيكم كيف كانت النتائج؟
بعد مرور عدة أيام ،وفي موعد دورة توزيع المنتجات، جاء عُمال الشركات لإنزال البيض للمحال التجارية، ولكن اغلب الباعة رفضوا إنزال أي طبق بيض جديد، لأنّ اطباق البيض القديمة لم يشتريها أحد!
الشركات أصرّت على المُعاندة والرفع، ظنا أنّ الإحتجاجات ستنتهي بعد أيام قليلة، وسيعود الناس لشراء البيض كالمعتاد.
ولكنّ الشعب كان اوعى ،وأكثر ثقافة، فاستمر في المقاطعة ،بل وزاد ليقاطع كل المنتجات التي يدخل البيض في صناعتها، وبدأت الشركات تخسر، فأطباق البيض المتكدّسة،عرضة للتلف، والدجاج لا يتوقف عن الأكل وإنتاج البيض،والعمال ينتظرون، فتراكمت الخسائر وتضاعفت!
إجتمع أصحاب شركات الدواجن وقرروا إعادة سعر البيض إلى سعره السابق، ومع ذك إستمرت المقاطعة، وكادت بعض الشركات أن تُعلن إفلاسها، فما كان منهم إلا أن إجتمعوا مرة أخرى وقرروا ما يلي:
– تقديم إعتذار رسمي للشعب اﻷرجنتيني في جميع وسائل الإعلام.
– تخفيض سعر البيض إلى نصف قيمته السابقة.
هذه القصة فيها شواهد على ثقافة اﻹستهلاك،وثقافة المقاطعة عند بعض الشعوب ،وقدرتها على تحقيق التوازن بين الطلب والعرض.
في ظل استحياء الحكومات المتعاقبة، وتقاعسها عن مراقبة الاسواق بشكل جدي ورادع،وفي ظل انعدام كل مسؤوليتها،عن جودة المنتجات،وعندي على ذلك ادلة،وتسويفها عن كبح جماح التجار وجشع بعضهم،بل وبعد ان ثبت ان الحكومة احيانا شريك في رفع الأسعار،وخير دليل ما حصل مؤخرا مع منتجات اﻷلبان….وأسأل ..شو أخبار تقرير اللجنة الذي شكلت …!!!
وعليه فإن مقاطعتنا ،مقاطعة عامة وتامة ،ﻷي سلعة يرتفع سعرها،ومهما كان نوعها ،وخاصة قطاع المنتجات الغذائية والملابس ،وكل الكماليات ،فليس لنا حاجة بها،،ولا نموت بتركها او استبدالها ،يل ان مقاطعتنا وإحجامنا عن شرائها، هي أقصر الطرق وأكثرها فعالية لخفض سعرها .
ولو اننا ننتهج المقاطعة أسلوبا لما ارتفع سعر السلع على الإطلاق، فهذه القاعدة يتفق عليها معظم الخبراء الاقتصاديون .
إذ يقول بعض اولئك الخبراء ،لو أن الناس قاطعوا المنتجات غالية الثمن لفترة قصيرة لتكدست عند التجار بضائعهم وضاقت بها مخازنهم ولن يجدوا سبيلا، إلا بتصريفها وبأي ثمن للتخلص منها ،خشية التلف والخسارة’.
والسؤال: هل نحن كمستهلكين،نطبق ما نفهمه،او ما نسمع عنه من ضرورة المقاطعة ؟
الجواب قطعا ليس اﻷغلب..وخاصة في كثير من المناطق الشعبية،فمن خلال متابعتي ،وجدت تقريبا ان نسبة اﻹستهلاك لا تزال تقارب ال 50%،لكثير من السلع والتي منها الدواجن واﻷلبان وكثير من السلع ،رغم رفع اسعارها، وبالرغم اﻹعلان المتكرر والمستمر عن المقاطعة.
ومنذ سنوات وأسعار السلع في المملكة ترتفع بدون توقف، والغريب في الأمر أن معظم الناس لا يتوقفون عن شراء ما يرتفع سعره، وتقتصر مواقفهم على الشكوى والتذمر من ‘جنون الأسعار’.
ختاما أذكر.. وبالحديث عن أسعار الدواجن، وما شهدته من انخفاض كبير في اسعارها في العام 2006 حينما ظهر مرض انفلونزا الطيور الذي أرغم الناس على المقاطعة؛ إذ تراجع الطلب عليها وانخفض سعر الكيلو بنسبة 50 %،وهنا أسأل هل مات اي شخص لانه لم يتناول الدجاج في ذلك الوقت؟.
في هذه الأيام ،ترتفع أسعار الأضاحي ،والملابس ،وكثير من السلع،أليس من الواجب الرد على هذه اﻹرتفاعات،باﻹستبدال والمقاطعة؟
اليس باستطاعتنا كـ شعب أن نُخفّض أو نرفع سعر أي سلعة!.
بإرادتنا قادرون على تحقيق التوازن بين الطلب،وأنا أقدم الطلب على العرض،لأن المستهلك الذكي والواعي ،هو الذي يتحكم بالعرض،من خلال طلبه وشراءه للمنتج المناسب له نوعا وثمنا،وبدون أية حملات أو إضرابات،فقط نحتاج إلى القليل من الفهم الاستهلاكي ،والعزم على تحقيق التوازن بين الطلب والعرض ،والإرادة على المقاطعة لكل سلعة يرتفع سعرها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى