
( المايك ) المفقود
مع أنّ السَّقَطات التي يقع فيها المذيعون ومقدمو البرامج تملأ الفضاء العنكبوتيّ ولا تكادُ فضائيّة إعلاميّة تسلم منها، إلّا أنّ سَقطة “وين المايك” في برنامج (يسعد صباحك) الذي يبثّه التلفزيون الأردني فيها رمزيّة تختزل واقع الإعلام الرّسمي في الأردن، و تتجلّى في صورٍ عدّة:
الصورة الأولى:
لقد ترك غياب (المايك) عن الاستديو حالة من التخبّط والاضطراب لم تتمكّن خلالها مُقدّمة البرنامج من التصرّف بسرعة ونباهة تُنقذ ماء وجه شاشة تلفازنا الوطني، فالفوضى التي عمّت الاستديو هي نفسها التي تسود الفضاء الإعلاميّ الأردني، حيث أدّى غياب إعلامٍ رسميّ ناجحإلى ظهور إعلام بديل ينافسأداء الإعلام الرسميّ الذي لا يملك الحضور المنشود ولا يحظى بالمتابعة والثّقة من أبناء الشعب؛ لأنّ تواضع أدائه ترك السّاحة لكلّ من هبّ ودبّ ليحتلّ مكانه ويقوم بدوره، ولذلك أصبحنا نرى انتشاراً متصاعداً لإعلامٍ يحاول أن يملأ الفراغ فيستلم راية المبادرة في نقل الأخبار وتحليلها وصناعتها أحياناً.
فأين (مايك) وزارة الإعلام؟ لماذا لا يَعقِدالناطق باسم الحكومة المؤتمرات الصحفيّة بشكل ٍدوريٍّ لتذويب الجليد بين الحكومة وبين الناس ويقنع النّاس بالخطط والبرامج الحكومية ويزيل اللّبس ويكشف الغموض لكي يثق النّاس بمؤسسّة الإعلام الوطني؟ لماذا لا يكون إعلاميّونا قريبين من هموم النّاس ومعاناتهم؟
الصورة الثانية:
أين(المايك)؟ وهنا رمزيّة لفن إدارة الإعلام أثناء الأزمات والظروف الصعبة، وما فَشلُ مُقدّمة البرنامج في إنقاذ الموقف إلّا صورة عن فشل الإعلام في تغطية الأحداث وحسن التعامل معها بالكلمة والصورة، ولعلّ العجز الذي أصاب إعلامنا الرسميّ مؤخراً خلال أحداث قلعة الكرك أنموذجاً لهذا الفشل في التعاطي مع أيّ طارئ أو أزمة قد تصيب الوطن لا قَدّرَ الله.
الصورة الثالثة:
أين(المايك)؟ وما أهميّته في هذه الظروف التي نعانيها ونحن جزيرة سلام وسط بحر من اللهب يتحلّق حولنا؟ وهل نحن فعلاً بحاجةٍ ماسّة لتلك المغنّية صبيحة يوم الجمعة؟ أليس الوقتُ مناسباً أكثر للحديث عن ارتفاع الأسعار مثلاً الذي هو حديث السّاعة؟ لماذا نترك هذا (المايك) لآخرين قد يَضعون السُمّ بالدّسم وهم يتصدّرون المشهد ؟ هل واجب (المايك) الرسميّ ينحصر في تجنيد (المايك)لتلميع بعض مُدّعيّ الفنّ؟!
الصورة الرّابعة:
أين(المايك)؟ وأين هي اللغة العربية الفصيحة التي صَدّعتنا بدعمها المبادرات والقائمون على اللغة العربيّة في الجامعات والمؤسسّات؟ لماذا لا تَستخدم مُقدِّمةُ البرنامج و غيرها من مُقدميّ البرامج الأخرى (المايك)للتقديم والحوار باللغة الفصيحة؟ لماذا اللهجة العامية؟ أم لأن شرط إجادة الحديث بالعربية الفصيحة لا يساعد على تسليم هذا (المايك)للّذين يملكون شرط الواسطة فقط؟
الصورة الخامسة:
لا شكّ أن التنسيق كان غائباً عن استديو ” يسعد صباحك ” الذي لا نجد فيه أداءً عَفْويّاً حِرفيًّا يُسعد صباحنا! فلم نَلحظْ التنسيق و التناغم المطلوب بين مقدّمة البرنامج والمُعدّ والمخرج ومدير الاستديو وغيرهم من كادر العمل، وغياب مثل هذا التنسيق أنتجَ حالة مخجلة مضحكة، ولعلّ غياب التنسيق هذا ينسحب على مؤسسّاتنا الإعلاميّة وغيرها من المؤسّسات المعنيّة بشؤوون الوطن التي تبدو متخبّطةً في تصريحاتها ومعالجاتها خلال الأحداث والتطوّرات التي يعيشها الوطن من حين إلى آخر.
الصورة السادسة:
لماذا لا يُسلَّمُ (المايك) للمذيع الذي يجيد اللّباقة قبل حُسْنِ القراءة؟ لماذا تمّ حَجْز (مايك) شاشة التلفزيون لفئة محدودة وأسماء مختارة وفق الأهواءدون أن تمتلك المواهب والقدرات اللّازمة لفن الإعلام؟ لماذا برامجنا مكرّرة تجترّ المفردات والصّور نفسها؟ لماذا تفوّقَ المواطن المذيع على أصحاب الشهادات والدورات الإعلامية التي أنهكت ميزانيّات المؤسسات الإعلاميّة؟ بعضُ مَنْ يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم من عامّة الناس أبدعوا في طرح أفكارهم ورؤاهم وقدّموا صورة وطنيّة جميلة ناجحة جذبت الكثير من المتابعين والمهتمين المتعطّشين لأداء إعلامي يثلج الصّدر!
أين هي فعاليّات التلفزيون ونشاطاته في الميدان الإلكترونيّ؟ أين فعاليّته على مواقع التواصل؟ كم وصل عدد من زاروا موقعه الإلكترونيّ؟ ما محلّه من الإعراب إذا ما قورنَبالفضائيّات الأخرى؟ لماذا لا يُقدِّمُ البرامج التي تليق بالمستوى الثقافي للمواطنين حتّى يتوقّفوا عن البحث عن جهاز( الريموت) فور انتهاء النشرة الجويّة؟
الصورة السّابعة:
رمزيّة أخرى لغياب (المايك) تتمثّل في عدم جاهزيّة ذلك الاستديو للقيام بدوره، ولعلّ إعلامنا الوطنيّ تعوزه الإمكانيات لا التقنيّة منها فقط بل الكوادر البشريّة التي تملك القدرة والمهارة والموهبة التي امتلكها (الصّحاف) و وَظّفَها لصالح قضيته وموقف بلاده.
الصورة الثامنة:
الإعلامُ الرسمي مفقودمن المشهد السياسيّ كحالة فقدان(المايك)من تلك الحلقة، فرغم الكثير من المستجدات المتسارعة و المتتابعة على الصّعيد السياسي ّإلّا أنّ الغيبوبة التي تكتنف مؤسسات الإعلام الرسمي لا تراوح مكانها. فأين (مايك) الإعلام و وزيره و مؤسّساته من التغطية التي تناسب الجهد الجبّار الذي يقوم به قائد الوطن في المحافل الدوليّة؟ يرتحلُ جلالة الملك من قارّة إلى قارّة و من مؤتمر إلى منتدىً يعرض هموم الوطن و حقوق الأمّة أمام قادة العالم و منظّماته، لكنّ كلّ هذا الجهد لا يجد من يعطيه حقّه من المتابعة والتحليل و التغطية التي تناسب المستوى الرفيع لهذا الجهد الملكيّ!
أين هو إعلامنا من إبراز الدّور الذي تقوم به قواتنا المسلّحة على الحدود في الحماية وإغاثة الّلاجئين؟ لماذا لا يتحدّث إعلامنا الرسميّ عن مستشفياتنا الميدانية في مشارق الأرض ومغاربها و هي تقوم بدورٍ إنسانيّ منقطع النظير رغم ضيق ذات اليدّ؟ لمَ لا تكون التغطية الإعلاميّة بحجم تضحيات و بطولات الأردنيّين؟!
إنّ الإعلام واحدٌ من أهمّ ركائز استقرار و أمان الدول، وهو الذي يمثّل حلقة الوصل بين صنّاع القرار و المواطن،فما بالك إذا كنّا نعاني من ظروف اقتصادية صعبة قد تجد من يستغلّها لتحقيق أهداف تضرّ الوطن و المواطن؟ وكيف ينبغي أن يكون الوضع و نحن نقود حرباً على الإرهاب و المخدّرات و العنف و الفقر و البطالة؟
فالإعلام الناجح بمهنيّته و براعة أدواته قادرٌ على أن يَتسيّدَ عرش الخبر ومنبر الكلمة وساحة التواصل؛ وبذا يشكّل المصدر الأساس للحصول على المعلومة و يقي الشاشات من شوائب الشائعات و أوحال المؤامرات.وليس الأمرُ صعباً يا سادة، كلّ ما نحتاجه (مايك) وخطّة إعلاميّة و إعلاميّون يعرفون قيمة (المايك) فلا يفقدونه ولا يستهترون بدوره، و يحبّونه كي يحبّهم ولا يتخلّى عنهم!
الجمعة ١٠/٢/٢٠١٧