احملْ جبلًا ولا تحملْ حبةَ قمح!

احملْ جبلًا ولا تحملْ حبةَ قمح!
هبة أحمد الحجاج

يقولُ علي عزت بيغوفيتش:
“روميو وجولييت ، تريستان وإيزولدا ، عمر ومريم ، ليلى والمجنون ، أحب أحدهُم الآخر ، ونحنُ نحبهم ، نحبهم لأنَهم يُحبُون ، ونحبهم مع أننا لا نعرفهم ، يتبعُ ذلك أنّنا لا نحبهم ، إننا في الحقيقةِ نحبُ الحب” .
يترددُ على مسامِعنا الكثيرُ والكثير من العباراتِ والكلماتِ التي قد لا نُلقي لها أي أهمية، بل على العكسِ نشعرُ أنها أصبحتْ عادةً لدينا، بل ليست عادة بل أصبح لدينا حب امتلاكها .
ألم تَسمعّ مرةً في حياتكَ أحدًا قالَ لك “لو لم أُحبك لما بقيتُ معك” ، ألم تَسمعْ أحدًا يقولُ لك ” لو لم أُحبكَ لستُ مجّبَرًا على تَحَمُلِك ، لو لمْ أُحبُك لن أُصّغي لِكلامِك ، لو لمّ أُحبك لن أتحدثَ إليك ، لو لم أحبك لن أثقَ بك ، لو لم أُحبك لكنتُ كذا ، لو لم أحبك لكنتُ فعلتُ كذا” ، والكثيرَ الكثير من الجُملِ والعباراتِ التي تُبرهنْ أن الآخرين يُحبوننا.
يقول آل باتشينو:
” لا أفهمُ كيفَ يستطيعُ الناسُ الكذبَ في العلاقاتِ الغرامية والإدعاءِ بالحب، أنا لا أستطيعُ أن أقولَ مرحباً لشخصٍ لا أستلطفه”.
كفتاةٍ جميلةِ الملامح تمتلكُ الصونَ والعفةَ، يتقدمُ لها شابٌ وتقبلُ بهِ ، وتقبلُ أن تُشاركهُ حياتهُ بالضراءِ قبلَ السراء، وتتحملُ معهُ صعوبات وتحديات الحياة، وتقفُ إلى جانبهِ وتساندهُ وتحملُ في كَفتا يداها الاثنتين البيتَ والأطفال وشريك حياتِها وهُموم الحياة وعوائقِها، وكأنها بِرقتها ونُعومةِ يداها أخدتْ تدفعُ بهاتينِ اليدينِ هذهِ الصخرةَ الكبيرة ” الحياة “، وتقفُ إلى جانبِ شريكِ حياتها وتقول ” سنتخطى الصعابَ سوياً “، هل تعتقدُ أنها قامتْ بكلِ ما قامتْ بهِ على محملِ الواجب؟!
لا وألف لا ، المرأةُ عندما تُحب تُضحي بأغلى ما تملك، وتُعطي من أعماقِ قلبها ، ولكن إذا أحبتك، وإذا لم تُحبكَ فتأكد أنها لن تُزيلَ عنكَ قشة، أتعلمُ ما هي القشة؟ القشةُ هي ذاتُها التي يُزيلها العصفورُ بمنقارهِ الصغير ، والتي لا يشعرُ أنها موجودةٌ ٌفي الأساسِ في فمه، هذا العصفورُ أيضاً يُحب ، صحيحٌ أنه يُعتبر من الحيوانات، ولكنهُ يمتلكُ من الحب شيءٌ جميل، قد تتعلمُ درسًا منه ، هذا العصفورُ سُجن عند طفلٍ صغير، وأخذ هذا الطفلُ يُطعمهُ ويسقيهِ ويعتني به، وكأنه طفلٌ من أطفالهِ ، لكنَ العصفورَ يعشقُ حريته، وكما قالتْ كوكبةُ الشرق(أم كلثوم) ” أعطني حُريتي وأطلق يداي” ، وهذا العصفورُ كان يُغنيها ” أعطني حُريتي وأطلق جناحي” فنظرتْ الأمُ إلى ابنها وقالتْ ” إذا أحببتَ شخصاً فاتركهُ يرحل ، فإن عادَ إليك فهو لك، وإن لم يعدْ فلم يكن أبداً لك”.
فأطلقَ الطفلُ هذا العصفور، وأخذَ يُحلقُ في السماءِ وكأن السماءَ أصبحت مملكتهُ الخاصة، التي يشعرُ فيها وكأنه امتلكَ العالمَ بأسره ، وفي صباحِ اليومِ التالي، كان هذا العصفورُ يقفُ على نافذةِ الصغير، وينقرُ بمنقارهِ حتى يُوقظه ويتبادلونَ الأحاديث وأصبحا صديقان، وكأنه يقولُ له ” أنا ملكٌ لك من البداية “، وأخذ يحلقُ في السماء بأجنحتهِ حتى يُعبر عن مدى سعادتهِ وفرحته بصديقهِ الجديد” الطفلُ الصغير”، وكأنه يُعلنُ للعالم أنه يوم الصداقةِ العالمي ، وهو يُلحق في السماء، كانت تُحلق طائرة في السماء، وقف هذا العصفور على نافذة هذه الطائرة ووجد شابٌ يجلسُ ويمسكُ صورةَ محبوبتهِ متشوقاً حتى يراها، نظرَ إلى العصفورِ وقال له ” الحبُ الذي يجعلكَ تقطعُ أميال حتى تكون بالقرب من محبوبتك كنحلة تقطع الاف الأميالًا لتصنعَ قطرةَ عسل” .
نعم صحيح، فالنحلةُ تقفزُ من زهرةٍ إلى زهرة، تختارُ أجودَ أنواع العسل، بكلِ حبٍ وشوق، وكأنها تُعطينا درساً وتقول ” عندما تحبُ عملكَ فإنّك تمارسهُ بإحساسِ فنان “.
نعم الفنانين والمخترعين، والمشاهير والقادة، والعظماء كيفَ وصلوا إلى ما وصلوا إليه؟ بالتأكيدِ كُلهم يتفقون على مقولةٍ واحدة “اخترْ وظيفةً تُحبها، ولن تُضطر إلى العمل يوماً واحداً طيلة حياتك”.
أتريدُ أن تملكَ ما تَعتبره زينةُ الحياةِ الدنيا من غيرِ أن ترتفع في خاصةِ نفسكَ من مكانةِ الجبانِ الذي يدفعهُ الأمل ويمنعهُ الخوف، كتلكَ القطةِ التي قيل إنّها تُحبُ أكل السمك، ولكنها لا تجرؤ أن تُبلّل يداها في الماء.
وتذكرْ قولَ أوج ماندينو:
” الكنزُ الحقيقي هو الحبُ الذي تتلقاهُ ممن هم حولك، فذلك الكنزُ غالباً ما يدومُ حتى بعدَ أن تفقد صحتك” .
قد تكونْ استنتجتَ من مُجملِ هذا الكلام أنك؛
“إذا أردتْ أن تعيشَ حياةً جميلةً مليئةً بالتّفاؤل، عليك أن تزيّنها بالحبّ، هذا النّور الذي يُشعّ من القلوبِ ليزيّن ظلمات الحياة، ينشرُ رحيقَ الأمل فيخلقُ البسمة، يجعلنا نرسمُ طريقنا بنظرةٍ مليئةٍ بمستقبلٍ باهر، فالحبّ أساسُ الحياة، والحياةُ بدونِ حبّ ليلٌ موحش، تعمُّهُ الوحدة والضّعف، والحبّ لا يُولد، بل يُصنع ، يُوجد ، تذكر ذلكَ جيداً” .
و تكون كما قال عنكَ يُوسف السباعي :
“إن إلهاماً في داخلنا يدفعُنا أحياناً إلى الطريقِ الصحيح، الذي يجب أن نسلكه” .
وها هو قد دفعك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى