احمر الشفاه والفئات العليا

احمر الشفاه والفئات العليا
جروان المعاني

حدثني ابي عن جدي انهم كانوا يرحلون الى حيفا ويافا ودمشق وبيروت للعمل وكانوا في العام الواحد يعودون مرة او مرتين الى بلداتهم وقراهم يحملون دراهم معدودة جدا تقاس في الجنيه الفلسطيني، في الرحلة الاولى تحبل زوجته وفي الثانية يجدها قد انجبت، ويا فرحته ان كان المولود ذكرا ليس انتقاصاً من الانثى لكن حاجتهم للأيدي العاملة هي السبب ..!
توالت الايام وبفعل فاعل تأسست دويلات وامارات ومملكات، وصار الترحال يحتاج الى جواز سفر ثم برزت عبارة (المناصب مطامح الرجال) وترك الرجال ملابسهم التقليدية وصاروا يلبسون القميص والبنطال، وعرفت النسوة انواع احمر الشفاه ثم عرفن التنورة القصيرة والقصيرة جدا، وكُن قبل ذلك بالكاد يعرفن شكل الاسواق، وتسارعت الايام بشكل مجنون وتغيرت الاحوال حتى صار كثير من الرجال يجلسون في البيوت والنساء يتجولن في الاسواق حتى ما بعد العشاء وظهرت مصطلحات التمكين والتنمر والخلع وغيرها من المفاهيم والمصطلحات.
لا يفهمني احد انني مُعقد وارفض هذا التغير الاجتماعي الذي يعتقد البعض انه السبب في الانفلات الأسري..! لكنني اردت إظهار وجه الشبه بين تشكيلات الدولة واختيار من يتولى المناصب العليا في البلد من امناء عامين للوزارات ورؤساء الجامعات ومدراء المؤسسات، حيث صار فعل احمر الشفاه اكبر بكثير من فعل شهادات الدكتوراه، وصارت التنورة القصيرة تتحكم باختيار الرجال للمناصب.
ان التدمير المُمنهج لحياتنا ضيق المساحة المتاحة للتعبير وصار الكلام الصريح عن الاحوال الحريص على البلاد والعباد يُدفع ثمنه غاليا، وصار صاحب العقل يتوارى ويبتعد عن تولي المناصب لأنه لا يريد ان يكون عبدا لأصحاب السلطة الفعلية، وهذا دليل على وجود بقايا لكرامة وعزة نفس، وهنا سأعود لمقالة كتبتها قبل سنوات وجاء فيها :
بالنظر الى خريطة الوطن العربي نجد أن غالبية قصور العائلات الحاكمة فيها بعض النساء المتحكمات كأم الفضل البرمكية وليلى الطرابلسي، ممن نهبن المال العام، وجعلنه مشاع لعائلاتهن على حساب السواد الأعظم من شعوب المنطقة، وعليه فان الشارع العربي مليء بالحنق على القصور وسكانها لشعورهم بالفوارق الطبقية والحرمان من فرص الحياة والتسبب في الفقر المدقع الذي يعيشونه، وسماعهم عن آلاف القصص التي صرفت فيها الأموال على توافه الأمور لنساء القصور، الأمر الذي يدعو الى إعادة النظر في إطلاق أيديهن للتصرف في شؤون الدولة وكأن الدولة تركة لهن.
ولعل المضي في الحديث والتطرق لحياة النساء في قصور الوطن العربي يأخذنا للحديث عن رغبتهن في الحصول على الشهرة العالمية، فهذه تريد التنافس على لقب سيدة الأناقة وخروجها على صفحات المجلات العالمية كفتاة غلاف.!!!
وثانية تتبرع لبناء مدرسة أو جمعيات الرفق بالحيوان أو ملجأ للأيتام في أوروبا وأمريكا، وعلى إنسانية الفكرة غير أن أبناء البلاد الفقراء أولى من صرف عشرات الملايين للحصول على لقب المحسنة الأولى في بلاد فقيرها حياته أكرم من حياة ملايين من العرب في أوطانهم..!!!
واخيراً فان ما حل ببلاد العرب من دمار تعددت اسبابه بين الاستعمار وسوء الاختيار للقيادات، وسعيد الحظ فعلا من ابتعد عن العيش بين جواري السلطان، والله من وراء القصد .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى