احزان واقعية
صفحاتنا الشخصيه على مواقع التواصل الاجتماعي” كالفيسبوك مثلا ” تضم فئات كثيرة من الناس بصفة اصدقاء ، بعضهم من افراد الاسره ، اقارب ،اصدقاء طفوله ،جيران ، زملاء في الوظيفه والبعض الآخر لا نكاد نعرف ملامح وجوههم الا من خلال صور بروفايلاتهم ، فهم اصدقاء جلبهم لنا الفيسبوك واخوانه .
فقدان صديق فيسبوكي برحيله عن عالمنا امر وارد الحدوث من وقت لآخر ، خاصة اذا كان ممن تعايشنا معه وتقاسمنا معه هواء غرفة واحده ، وهذا الصنف رحيله عن دنيانا اشد ايلاما وفتكا بثنايا القلب .
نعيش حياتنا بمنطق الروح الخالدة التي لا تعرف للفناء معنىً ، لكن عندما تحين لحظة الحقيقة لا بد لتلك الروح ان تخلع عنها الرداء المجبول من الطين الارضي لتحلق بعيدا في فضاء لا متناهي .
عندما تفقد صديقا، فانك بلا وعي تدخل الى صفحته الشخصيه كمن يدخل الى غرفته الخاصة، تقلب منشوراته تتحسس آثار بصماته ، ُترى ماذا كان آخر منشور وضعه؟ خططه المستقبليه ، كيف كان شكلها ؟ ما الذي اضحكه ،، ابكاه ،، استفزه ؟ أي المناسبات حرص على حضورها ؟ تنتقل الى البوم الصور ، تتبع عيناك كل التفاصيل ، كلما صادفت صورة له تنغرز عيناك في عينيه ، وفي غالب الاحيان تتحول صفحة المتوفي الى مجلس عزاء يتقاطر اليه جميع الاصدقاء من شتى الاماكن ، الكل يرثيه ويبث مشاعره ، والكل يربت على ظهر الكل .
وبمرور الايام تنزوي صفحة ذلك الصديق ضمن قائمة الاصدقاء ، لكنها تقفز احيانا امامك مثل شاهد قبر مرفقا بعبارة مؤلمة ( يصادف اليوم عيد ميلاد …. ، دعه يعلم انك تفكر فيه) .
بالامس فقدت صديقا من العالم الافتراضي ، لم التق به قط ، لكنه كان دائم المرور على صفحتي ، تاركا وراءه احسن العبارات لتشجيعي على مواصلة الكتابه ، واحيانا ينتقل الى الحوار الخاص ليسدي الي نصائح على انفراد كلما احس بحاجتي اليها .
واليوم فقدت صديقة عزيزه ، معلمة ومربية فاضله لطالما احسنت الى ابنتي ورعتها عندما كانت طالبة في مدرستها ، كم من الصباحات الجميلة مرت علينا ونحن نتبادل التحية الصباحية مع ابتسامة نابعة من القلب ، اليوم رحلت الاستاذه (علا) ، التي الهمتني كتابة مقال ( القوة الناعمة) ، واخر ما توقعته ان ارثيها في مقالي هذا . رحلت السيدة المثقفة صاحبة الاناقة في المنظر والمحضر ، رحلت بعد ان غابت لمدة طويلة عن اداء رسالتها التعليمية بسبب مرض اقعدها ، فكانت تطل على اصدقائها ومحبيها من خلال الفيسبوك تنشر الضحكة والامل والمعلومة المفيدة .
اليوم وانا اقيم بعيدا عن بلدي آلاف الاميال ، لم اتمكن من عناق شقيقتها ، ولم استطع ان اربت على يدي والدتها ، فجاء العزاء بكل تفاصيله فيسبوكيا ،، في العالم الافتراضي ، لكن الالم بلا شك واقعي ..حقيقي ويعتصر القلب .