الصفقة الخاسرة / ماجــــــــــد دوديــــــن

الصفقة الخاسرة

أقلّب صفحات الذاكرة…

أنقب عن صورة أو فكرة أو نظرة… عن معنى من معاني الحياة أتحدث عنه …

وتكثر المعاني لمصطلحات الحياة حتى تبدو وكأنها بلا معنى…

مقالات ذات صلة

الأمل واليأس… النجاح والفشل… الحزن والفرح… البداية والنهاية… الحياة والموت… جميعها ثنائيات ضديّة متنافرة… تعيش معنا ونعيش معها… نحن حيالها متناقضون:

نيأس ونعيش على الأمل… نفشل ونحبّ النجاح… نحزن ونعشق الفرح… خاضعون لناموس وقانون الموت والفناء… محبون للخلود والبقاء…

وتتسع دوائر الحياة كما تتسع دوائر الماء في بركةٍ صافية أُلْقِيَ فيها حجر صغير يمثّل الزمن… وتعود الدوائر إلى حالة السكون… ونحن نعتقد أننا نسكن ونرتاح بالموت… والموت ليس النهاية ولكنه البداية لحياة حقيقية جديدة في عالم البرزح قبل لقاء الله يوم القيامة

ترى… هل نغلّف دوائر الحياة بمعاني الحق والخير والجمال؟

أم أننا سنخسر الصفقة كما خسرها الفلاح الطامع في أرض سيده الإقطاعي… ذلك الفلاح الذي كان يعمل عند إقطاعي يملك آلاف الدونمات… وينهش الطمع قلب وعقل الفلاح كما ينهش الأسد الجائع فريسته بنهم، يأتي الفلاح في يوم من الأيام إلى سيّده ويقول له: ” أريد أن أشعر بأنني مالك حقيقي للأرض ولا أريد البقاء مجرد عامل لا يملك شيئا”.

“يفطن الإقطاعي بثاقب نَظَرِه وذكائه أنّ الفلاح يعيش حالة من الطمع ولم يرضَ بما قُسِم له فيقول الإقطاعي للفلاح: “سأعقد معك صفقة تستطيع من خلالها أن تحقق كل أمانيك وطموحاتك وأحلامك… عليك أن تدور من هذه النقطة… من تحت هذه الشجرة وتعود قبل غروب الشمس وسأعطيك كل المساحة التي تدورها”.

لم يفكّر الفلاح في أنْ يدور دورةً تشمل دونماً أو اثنين أو حتى عشرة دونمات من الأرض… لقد فكّر في دورة تشمل كل أرض الإقطاعي لطمعه وجشعه… وبدأ الفلاح يدور ويدور ويوسع الدائرة مغتراً بقوته… يحرّكه طمعه…

إنها صفقة العمر… ويدور ويدور… وقبل أن يصل نقطة النهاية بمتريْن سقط جثة هامدة… سقط ميتاً… قتله الطمع!

نحن ـــــ إلاّ مَنْ رحم الله ـــــ نمثّل دور الفلاح الطامع في أرض الإقطاعي دون أن ندري… ندور في الحياة وندور وفي الذهن آلاف الطموحات التي لم تتحقق… وسنسقط قبل أن نصل نقطة الغاية… نقطة النهاية بسنتمترات قليلة…

ويقفز السؤال إلى الذاكرة: أيحتاج الإنسان من الأرض إلى أكثر من متر في متر يُدْفن فيه؟

لماذا ينسى الإنسان ذلك ويوسع دوائر حياته دون أن يغلّفها بمعاني الحق والخير والجمال… ودون أن يكون للعقل والقلب والضمير فيها نصيب …

إنّ هناك فرقاً شاسعاً بين الطموح والطمع كما هو الفرق بين الإيمان والكفر… بين الحق والباطل… بين الخير والشر… بين الثقة بالنفس والغرور…

(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) سورة الحديد

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى