احتمالات «مُفزعة» لــــ كورونا

سواليف
أشار كثير من خبراء الأمراض المعدية في العالم إلى أن فيروس كورونا ووهان الذي ينتشر من الصين أصبح الآن أقرب لوباء شامل يدور في العالم. تقول صحيفة The New York Times الأمريكية إن الاحتمال يعد مفزعاً.
ما هو الوباء الشامل؟

الوباء الشامل هو عبارة عن وباء منتشر في قارتين أو أكثر، وأي وباء شامل ربما يحمل تأثيرات عالمية، حتى بالرغم من قيود السفر الاستثنائية والحجر الصحي الذي تفرضه الصين الآن ودول أخرى، بما فيها الولايات المتحدة.

ولكن لا يزال العلماء لا يعلمون بعد مدى فتك فيروس كورونا الجديد، وبالتالي ما زالت هناك ضبابية بشأن مدى الضرر الذي قد يسببه الوباء الشامل. غير أن هناك اتفاقاً متزايداً على أن الفيروس ينتقل بسهولة بين البشر.
كيف ينتشر فيروس كورونا الجديد؟

وجد العلماء أن فيروس كورونا ووهان ينتشر مثل الإنفلونزا، ما يجعله سريع الانتقال، مقارنة بنظرائه من نفس العائلة الفيروسية، مثل فيروس سارس أو فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS).

يقول الدكتور أنتوني فوسي، مدير المعهد القومي للحساسية والأمراض المعدية: «إنه سريع الانتشار للغاية، ومن شبه المؤكد أنه سيصبح وباءً شاملاً».
فريق طبي يقوم برش مطهر على مواطنين إندونيسيين تم إجلاؤهم من ووهان/رويترز
فريق طبي يقوم برش مطهر على مواطنين إندونيسيين تم إجلاؤهم من ووهان/رويترز
هل سيكون ذلك كارثياً؟

يجيب د. فوسي: «لا أحد يعلم، هل سيكون كارثياً؟ لا أعلم». لكن في الأسابيع الثلاثة الأخيرة ارتفع عدد الحالات التي أكدتها فحوصات المعامل من حوالي 50 حالة في الصين، إلى أكثر من 17 ألف حالة في 23 دولة على الأقل، وهناك أكثر من 360 حالة وفاة.

لكن النماذج الوبائية المختلفة تقدر أن الرقم الحقيقي للحالات هو 100 ألف وربما أكثر. وبينما لا نجد الانتشار بنفس سرعة الإنفلونزا أو الحصبة، لكنها قفزة ضخمة أبعد مما شهده علماء الفيروسات عندما ظهر سارس وفيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS).
كم ستكون نسبة الوفيات بالنظر إلى عدد المصابين؟

عندما هُزم فيروس سارس في يوليو/تموز من عام 2003 بعد انتشاره لمدة 9 أشهر، وصلت عدد الحالات المؤكدة إلى 8098 فقط. وكان فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) يتنقل منذ عام 2012، لكن لم يكن هناك سوى 2500 حالة معروفة فقط.

يقول العلماء إن الضبابية الكبرى الآن تحوم حول عدد الأشخاص الذين سيموتون حول العالم. قتل السارس حوالي 10% من المصابين، ويقتل فيروس MERS الآن 1 من بين كل 3 مصابين.

كما قتلت الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918 حوالي 2.5% فقط من ضحاياها. ولكن نظراً إلى أنها أصابت كثيراً من الناس وكانت الرعاية الطبية أكثر بدائية وقتها؛ مات من 20 إلى 50 مليون شخص.

وعلى النقيض نجد أن وباء إنفلونزا الخنازير H1N1 مرتفع الانتشار قتل حوالي 285 ألف شخص في عام 2009، أي أقل من وفيات الإنفلونزا الموسمية العادية، وكان لديه معدل وفيات قليلاً نسبياً يقدر بحوالي 0.02%.

يصل معدل الوفيات في حالات فيروس كورونا ووهان المعروفة إلى حوالي 2% تقريباً، لكن من المتوقع أن ينخفض هذا المعدل مع إجراء المزيد من الاختبارات، واكتشاف المزيد من الحالات الخفيفة.
هل هناك احتمالات لاحتواء فيروس كورونا الجديد؟

يقول الدكتور توماس فريدن، المدير الأسبق لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الذي يدير الآن مؤسسة Resolve to Save Lives، وهي مؤسسة غير ربحية مخصصة لمكافحة الأوبئة: «تزداد احتمالية عدم قدرتنا على احتواء الفيروس».

وأضاف: «سوف ينتشر، مثل الإنفلونزا والأمراض الأخرى، لكننا ما زلنا لا نعلم مدى انتشاره أو مدى قدرته على القتل». وأوضح الدكتور فوسي أنه في الأيام الأولى من جائحة الإنفلونزا في عام 2009 «كانوا يتحدثون عن قيام القيامة في المكسيك». إذ ظهر هذا الفيروس للمرة الأولى في مناطق تربية الخنازير في ولاية فيراكروز في المكسيك. وأضاف: «لكن اتضح أن الأمر لم يكن بهذه الخطورة».

لا يمكن الوصول إلى تقديرات دقيقة حول مدى قدرة الفيروس على القتل قبل أن يتسنى لنا إجراء أنواع معينة من الدراسات مثل اختبارات دماء لنرى عدد الأشخاص الذين لديهم الأجسام المضادة، والدراسات على الأسر، لنعرف كم مرة يصيب أفراد العائلة، والتعاقب الجيني لنحدد إذا كانت هناك بعض الأنواع أخطر من الأخرى أم لا.
هل سبق وأن نجح إغلاق الحدود في حصر المرض؟

يقول الخبراء إن إغلاق الحدود أمام الأمراض المعدية لم يسبق أن نجح بالكامل، لأن كل الحدود مفتوحة بشكل ما. لكن الإغلاق والفحص الصارم يمكنه أن يبطئ من الانتشار، ما سيمنح المزيد من الوقت لتطوير عقاقير علاجية جديدة وأمصال.

هناك عوامل مجهولة مهمة أيضاً، مثل هوية المعرضين لخطر الإصابة أكثر من غيرهم، وهل السعال أم الأسطح الملوثة أشد خطراً لنقل الفيروس، وما مدى سرعة تحور الفيروس، وهل سيختفي عندما يصبح الجو أكثر دفئاً.

سيكون تأثير الوباء الشامل أشد على الأغلب في بعض الدول أكثر من غيرها. رغم أن الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى يمكنها أن تتعرف على الحاملين الأوائل للمرض وحجرهم صحياً، لن تتمكن من هذا الدول ذات النظام الصحي المتهالك. وصل الفيروس بالفعل إلى كمبوديا، والهند، وماليزيا، ونيبال، والفلبين، وريف روسيا.

قال الدكتور بيتر بايوت، مدير مدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة: «يبدو هذا مثل انتشار H1N1 أكثر من سارس، ويزداد شعوري بالخطر». وأضاف: «حتى معدل وفيات 1% يعني أنه من بين كل مليون مصاب سيموت 10 آلاف شخص».

كان الخبراء الآخرون أشد حرصاً. يقول الدكتور مايكل ريان، رئيس قسم الاستجابة لحالات الطوارئ لمنظمة الصحة العالمية في لقاء مع موقع STAT News الأمريكي يوم السبت 1 فبراير/شباط إنه كان هناك «دليل يشير إلى أن هذا الفيروس ما زال يمكن احتواؤه». وأن العالم ما زال بحاجة «لمواصلة المحاولة».

وقال الدكتور إيان ليبكين، الباحث عن الفيروسات في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا ويعمل في الصين مستشاراً لمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، إنه بالرغم من وضوح أن الفيروس ينتقل من الاتصال العادي، ما زالت المعامل متأخرة في التعامل مع العينات.
ما مدى دقة الاختبارات التي أجريت على الفيروس في الصين حتى الآن؟

الحياة في الصين تغيرت جذرياً في الأسبوعين الماضيين. قال الدكتور ليبكين إن الشوارع أصبحت خاوية، وأُلغيت الفعاليات العامة، والمواطنين يرتدون أقنعة ويغسلون أيديهم. ربما يكون كل هذا أبطأ ما أشارت اختبارات المعامل أنه نمو استثنائي في العدوى.

ما زال غير واضح بالضبط مدى دقة الاختبارات التي أُجريت في معامل الصين المتخمة. وعلى الجانب الآخر، أفادت تقارير الإعلام الرسمي الصيني أن هناك قلة في أطقم الاختبار، ومصاعب في التعامل مع العينات، ما قد ينتج عنه إحصاءً أقل من الحقيقي.

لكن الدكتور ليبكين قال إنه عرف أن معملاً يختبر 5 آلاف عينة في اليوم الواحد، ما قد ينتج عنه بعض النتائج الإيجابية الزائفة، وهو ما سيزيد العدد أكثر من الحقيقة. وقال: «لا يمكنك أن تتحكم في الدقة مع مثل هذا المعدل».

تشير تقارير الشهود من الصين، وإحدى الدراسات المنشورة من ألمانيا، إلى أن بعض الناس المصابين بفيروس كورونا ووهان يمكنهم تمرير المرض قبل أن تظهر عليهم الأعراض. وقال العلماء إن هذا قد يجعل فحص الحدود أصعب كثيراً.

كانت النماذج الوبائية التي نشرها المركز الأوروبي للسيطرة على الأمراض والوقاية يوم الجمعة 31 يناير/كانون الثاني، تقدر أن 75% من الأشخاص المصابين الذين يصلون أوروبا من الصين ربما يكونون في فترة الحضانة عند وصولهم، وبالتالي لا يُعرفون في فحص المطار، الذي يبحث عن الحمى، والسعال، وصعوبات التنفس.

ولكن إذا أخطأت الكاميرات الحرارية بعض الضحايا الذين تجاوزا فترة الحضانة ويعدون الناس بالفعل، فإن الرقم الحقيقي لحاملي الفيروسات قد يكون أعلى من 75%.

لكن دكتور فوسي قال إن الحاملين بلا أعراض «ليسوا عادة السبب الرئيسي في انتشار الأوبئة». فمعظم الأشخاص يمرضون من شخص يعرفون أنه مريض، مثل فرد من أفراد العائلة، أو زميل عمل، أو مريض.
ما المنطقة الأكثر عرضة للفيروس بعد الصين؟

يقول كثير من الخبراء إن الهدف الأول الأكثر عرضة للفيروس هو إفريقيا. فهناك أكثر من مليون صيني مغترب يعملون هناك، ومعظمهم في مشاريع التعدين، أو الحفر أو الهندسة. وهناك أيضاً العديد من الأفارقة الذين يعملون ويدرسون في الصين، وفي دول أخرى وُجد فيها الفيروس.

قال الدكتور دانيال باوش، رئيس البرامج العلمية للجمعية الأمريكية لطب المناطق الحارة وحفظ الصحة، ومستشار منظمة الصحة العالمية في هذا الوباء، إنه إذا كان هناك أي شخص في القارة لديه الفيروس الآن، «فأنا لست واثقاً من أن الأنظمة التشخيصية مؤهلة للتعرف عليه».

وأضاف ربما تتمكن السنغال وجنوب إفريقيا من تشخيصه. وطلبت نيجيريا وبعض الدول الأخرى من منظمة الصحة العالمية موادَ جينية وتدريبات يحتاجونها لإجراء الاختبارات التشخيصية، لكن هذا سيستغرق وقتاً.

هناك على الأقل 4 دول إفريقية تشكّ في حالات محجوزة، وفقاً لمقال نُشر الجمعة 31 يناير/كانون الثاني في صحيفة The South China Morning Post الصينية. وأرسلوا عينات إلى فرنسا وألمانيا، والهند، وجنوب إفريقيا من أجل الاختبار.

قال الدكتور ويليام شافنر، أخصائي الطب الوقائي في المركز الطبي بجامعة فاندربيلت، إنه من المستبعد في الوقت الحالي أن ينتشر الفيروس على نطاق واسع في البلدان التي لديها أنظمة صحية قوية في حالة تأهب.

وأوضح: «كل طبيب في الولايات المتحدة يستحضر الأمر في مقدمة رأسه». وأضاف: «أي مريض مصاب بالحمى، وأو بمشكلة تنفسية سيُوجَّه له سؤالان: هل ذهبت إلى الصين من قبل؟ أو هل كنت على اتصال بأي شخص ذهب إلى الصين من قبل؟ وإذا كانت الإجابة نعم فسوف يوضع في العزلة الصحية على الفور».
هل سينحصر الفيروس مع ارتفاع درجات الحرارة خلال الأشهر القادمة؟

بافتراض أن الفيروس انتشر عالمياً، فإن السياحة والتجارة في الدول المجاورة للصين قد تتأثر، وستزداد الحاجة لإيجاد طرق لإيقاف الفيروس وإيقاف الوفيات.

ويحتمل أن يختفي فيروس كورونا ووهان مع زيادة درجة حرارة الجو. إذ إن العديد من الفيروسات، مثل الإنفلونزا والحصبة ونوروفيروس، تزدهر في الهواء البارد الجاف. بدأ تفشي سارس في الشتاء، وكذلك وصل انتقال MERS إلى أوجِه في نفس الموسم، ولكن ربما يكون هذا متعلقاً بالانتقال في الجمال المولودة حديثاً.

هناك أربعة فيروسات من فيروسات كورونا الخفيفة تسبب تقريباً ربع نزلات البرد الشائعة في البلاد، والتي تصل إلى ذروتها في الشتاء أيضاً.

لكن حتى إذا اختفى التفشي في شهر يونيو/حزيران، ربما تكون هناك موجة ثانية في الخريف، مثلما حدث في كل وباء شامل لأي نوع من أنواع الإنفلونزا، مثل تلك التي حدثت بين عامي 1918 و 2009.

قبل هذا الوقت، ربما يكون في أيدينا بعض العلاجات، ولكن ربما سوف يحتاجون اختبارات صارمة وبعض الضغط السياسي لجعلها متاحة حقاً وبسعر معقول.
ما العقاقير التي تحاول الصين معالجة الفيروس بها؟

في الصين، توصف الكثير من العقاقير المضادة للفيروسات. وهناك مزيج شائع يتكون من حبوب تحتوي على لوبينافير، وريتونافير، مع محاليل من الإنترفيرون، وهو بروتين ينبه الجهاز المناعي.

في الولايات المتحدة، يباع المزيج باسم Kaletra من إنتاج شركة AbbVie الذي يُعالج به فيروس H.I.V الذي يسبب الإيدز، وهو عقار باهظ الثمن نسبياً. أما في الهند فهناك العشرات من الصناع غير المعروفين يصنعون العقار بأسعار منخفضة للغاية، لاستخدامها لمكافحة فيروس الإيدز في إفريقيا، ومنتجاتهم حصلت على تصديق منظمة الصحة العالمية.

ربما يكون هناك خيار آخر وهو علاج تجريبي، وهو عقار Remdesivir، الذي تملك براءة اختراعه شركة Gilead. لم يُصدق على استخدام الدواء بعد لمكافحة أي مرض. ومع ذلك، هناك أدلة تشير إلى أنه يعمل ضد فيروسات كورونا، وتبرعت شركة Gilead بجرعات للصين.

هل هناك عقار مضاد في الطريق؟

تعمل العديد من الشركات الأمريكية على مصل، باستخدام أمزجة مختلفة من تمويلاتهم الخاصة، وأموال دافعي الضرائب، ومنح المؤسسات. وبالرغم من أن الأساليب الحديثة في كيمياء الجينات جعلت من الممكن أن نستحدث أمصالاً محتملة في غضون أيام، تتطلب الأخلاقيات الطبية أن تُجرب هذه الأمصال بحرص على الحيوانات، وعلى أعداد صغيرة من البشر الأصحاء، لنختبر أمانها وفاعليتها.

لا يمكن تسريع هذا الجانب من العملية، لأنه ربما تظهر أعراض جانبية خطيرة بعد مدة من الوقت، ونظراً إلى أن جهاز المناعة البشري يحتاج لوقت لإنتاج الأجسام المضادة التي تُظهر ما إذا كان المصل يعمل أم لا.

وسواء ما كان يُجرب في الصين سيكون مقبولاً في مكان آخر أم لا، سوف يعتمد على مدى صرامة الأطباء الصينيين في إجراء تجاربهم السريرية. قال الدكتور شافنر: «إننا نؤمن بالله». وأضاف: «على الآخرين جميعاً أن يقدموا البيانات».

المصدر
عربي بوست
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى