اجتماع عائلي..

مقال الخميس 26-5-2016
اجتماع عائلي..
في بعض الأحيان …الندرة تجمع، والكثرة تفرّق …في زمن فائت ، كانت العائلة تسكن في غرفة واحدة ، تجلس على مائدة واحدة ، تشاهد تلفزيوناً واحداً، لتتابع مسلسل السهرة الواحد ، تطلق ضحكة واحدة ، كما في البيت تلفون واحد ،تعرف المتصل وماذا يريد ومن يريد، كانت الملامح مكشوفة للجميع ، وصفحات الوجوه مقروءة بفواصلها ونقاطها بفقرات الفرح وهوامش الحزن..كانت القلوب قريبة ومتراصة مثل قلادة التّين المجفّف..
الآن الوضع اختلف،البيت عبارة عن مطار …الجميع يدخلون من نفس البوابة لكن كل يتوجه الى “راحته” و”رحلته” ، صالة الجلوس شبه فارغة .. كل فرد في غرفة منفصلة ينتظر إقلاع يومه المليء بالعزلة ،طعام الغداء مثل تذاكر “المترو” أوقات متقاربة لكن ليست موحدة كي لا يحدث تصادم بالأطباق ، الشاشة صارت شاشات..ومسلسل السهرة لا يقبل القسمة على أحد ، ما يضحكك لم يعد يضحك غيرك..كلٌّ يمسك بهاتفه يفرغ حواسه جميعها فيه..وبالضرورة لا تعرف المتصل وماذا يريد ومن يريد..الملامح مغلقة ، صفحات الوجوه عليها “باسوورد” لا تعرف ما الذي يسكن هذا المنشغل بقبيلة التطبيقات الذكية شقي ام سعيد…
الاطمئنان عن الأخ صارت بالتأكد خلال آخر ظهور على “الواتساب” ، وبر الوالدين تقتصر على “الحالة” أو “البيج كوفر” ،التعبير عن الفرح مجرد “لايك”، والقيام بواجب العزاء صار من خلال “شير وكومنت” على الفيسبوك، ولقاء الأسرة اليومي من خلال “جروب”مغلق…
كلما قررت شركة الاتصالات بزيادة “الجيجا بايت” للمشتركين،وضعت يدي على قلبي خوفاً من انخفاض “اللقاء البيتي” للمشتركين..وكلما قوي بث شبكة الواي فاي ..كلما ضعف بث شبكة “العاطفة” وأصبحت العلاقات الحميمة باي باي.. أخشى إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، من انعزالية طوعية للناس ، أخشى أن يصبح اللقاء العائلي مثل اجتماع الهيئة العمومية للشركات المساهمة يعلن عنه في الصحف اليومية ..حيث يعقد مرة واحدة في السنة..يتلى فيها ما جرى من أحداث خلال العام…ثم ينتخب رب أسرة جديد في حال العجز او المرض او الوفاة أو يجدد للسابق بالأغلبية….
أغلقوا هواتفكم ..ضعوها في حقائبكم…والتقوا بأرواحكم لا بأجسادكم …
فبطارية العمر توشك على النفاد..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫7 تعليقات

  1. صار الشاحن هو رب الاسرة الذي نفتقده اذا ما اوشكت البطارية على النفاذ .. ومثلما كان الوالد هو ما نحرص على الاستئثار به وبعطفه وحنانه ولمتنا حوله .. بات الشاحن هو ما نحرص على الاستئثار به اطول فترة ممكنة .. بتنا نفتقده اكثر من اي شيء آخر …. ابحثوا عن شاحن لقلوبكم قبل شاحن هواتفكم … فالغرف الأربعة باتت جليدا صلدا

  2. ابدعت يا ابا عبدالله، انا اقرأ مقالاتك باستمرار، و اقول: ان هذا واحد من ابدعها صياغة و ادقها في تصوير الواقع المؤلم

  3. هذه نتيجة حتمية لواقع المجتمع الذي يعاني من كثير من المشاكل.. بطالة..كثير من وقت الفراغ..كثير من تدني مستوى الاخلاق والحكومات المتعاقبة مسرورة لهذا الوضع فهناك ما يشغل الشعب عن ممارساتها التي لا تصب في صالحه حتى ان شركات الاتصالات تتسابق لالهاء الناس عن مشاكلهم الحقيقية بمنح المشتركين حزم نت اضافية اي انها مؤامرة مدروسه للقضاء على ما تبقى من اخلاق الناس

  4. في عيد الاستقلال والذي من المفروض على الحكومة تقديم حوافز وهدايا للشعب بهذه المناسبة وان تقوم الشركات بالاعلان عن توفر فرص عمل للشباب وان تقوم البنوك عن اعلان توفر قروض حسنة للشباب بقصد الزواج نرى ان ما تم تقديمه لهذا الشعب بمناسبة الاستقلال هو حزم نت اضافية مجانية.. افيقوا ايها الغافلون انه برنامج مدروس للقضاء على انسانيتكم.

  5. توصيف في غاية البلاغه .. للاسف و مشاهد اخرى تنذر بما هو اسوأ .. صورة لاحد المعتمرات بين الزحام الشديد من الرجال و زوجها يصورها بفخر و رجولته بنسبت بث صفر .. اخر يتصوّر بجانب قبر لأحدٍ عزيز عليه مات حديثا ليعمل شير معلنا وضعه العاطفي و عيونه تكشف حاله من الانفصام النفسي و اشياء لا توجد في قاموس العواطف البشريه قد تكون موجوده عوالم الربوتات و الفضاء .. لا انكر على احد ان يستخدم التكنولوجيا لكن ان يصبح التظاهر و التباهي و الاستعراض الغبي في كل شيء و ان يصبح الجوال هو ديدن العائله الواحده فهذا غير مقبول ثقافيا و خلل اجتماعي غير موجود عند اهل الحضارات العلميه و الانسانيه و مستشري في عوالم التقليد و التبعيّه العمياء … انعدمت الاصاله في كل شيء حتى اشكال البشر صارت تغيّر بالفوتو شوب حيث تجد ان جارك “راجي” قد اصبح مثل احد ابطال رومنسيّة البولو ود الهنديه و اسمه اصبح “راج” .. زمن عجيب .. العالم منشغل بتويتات “…………” و تخريفاته و مقاله علميه في غاية الروعه و الابداع لا تجد من يضع عليها لايك ..

  6. اشارت دراسات علمية في امريكا ان التصوير السلفي يشير الى اظطراب عقلي لدى مدمينها مثلا عندما تبتسم صناعيا عنداخد الصورة والغريب ان نسبة مدمينيها تصل نسبة عشرون بالمائة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى