
يثير الحديث عن #اتفاق أمني مرتقب بين #سوريا ودولة #الاحتلال الإسرائيلي، برعاية أمريكية، والمتوقع طرحه في أيلول/سبتمبر المقبل، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية السورية والعربية. ويأتي ذلك في ظل مشهد إقليمي متشابك، يشهد محاولات لإعادة رسم خرائط النفوذ بين القوى الفاعلة، لا سيما أنقرة وتل أبيب.
ويطرح الاتفاق المحتمل تساؤلات حول طبيعته ومضامينه، وانعكاساته المحتملة على ملفات الجنوب السوري، خصوصاً محافظة السويداء، فضلاً عن إمكانية تحوّله إلى خطوة أولى نحو تسوية أوسع بين دمشق وتل أبيب.
الباحث في مركز “حرمون” للدراسات المعاصرة، طلال مصطفى، اعتبر أن توقيت الحديث عن اتفاق أمني بين سوريا و”إسرائيل”، برعاية أمريكية، يثير العديد من التساؤلات، نظراً لارتباطه بسياق إقليمي ودولي يتسم بالتوتر، ومحاولات إعادة تشكيل النفوذ في المنطقة، خاصة بين #تركيا و إسرائيل.
ورجّح مصطفى، ، أن يركّز الاتفاق على “ضبط التصعيد العسكري المباشر بين الطرفين، وتأمين الحدود في الجولان والجنوب السوري”، مشيراً إلى احتمال تضمّنه آليات للتنسيق الأمني غير المباشر، أو تبادل معلومات حول تحركات المجموعات المسلحة غير المنضبطة في المنطقة.
وأضاف: “الاتفاق، بصيغته المتوقعة، قد يشكّل ترتيبات أمنية مؤقتة تراعي مصالح الأطراف الثلاثة: واشنطن التي تسعى إلى تهدئة التوترات الإقليمية، وتل أبيب التي تبحث عن ضمانات أمنية على حدودها، ودمشق التي تسعى إلى تخفيف الضغوط الأمنية والسياسية، تمهيداً لإعادة بناء مؤسساتها والانخراط مجدداً في المشهدين الإقليمي والدولي”.
وفي ما يتعلق بمحافظة السويداء، أشار مصطفى إلى أن الاتفاق لن يُنهي الطموحات الانفصالية بشكل نهائي، لكنه قد يُستخدم من قبل دمشق لتعزيز حجّتها بشأن ضرورة السيطرة المركزية على الجنوب، بما يحدّ من قدرة أي حراك انفصالي على التمدد.
وأضاف أن إسرائيل قد ترى في هشاشة الوضع جنوب سوريا فرصة لتعزيز نفوذها غير المباشر، عبر علاقات مع مجموعات محلية في السويداء، ما يُبقي الملف مفتوحاً ومعقّداً.
وحول إمكانية أن يشكّل الاتفاق مقدمة لتسوية شاملة بين دمشق وتل أبيب، اعتبر مصطفى أن ذلك “يبدو مستبعداً في المدى القريب”، نظراً لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للجولان، وهشاشة الوضع السياسي والعسكري في سوريا. لكنه لم يستبعد أن يُستخدم الاتفاق كمرحلة تمهيدية لاختبار جدية الأطراف في تخفيف التوتر، وربما كإشارة أولى نحو مسار سلام أوسع في حال تهيأت الظروف مستقبلاً.
من جهته، قال الخبير في العلاقات السورية الإسرائيلية، خالد خليل، إن المفاوضات الجارية باتت علنية ومباشرة بشكل غير مسبوق، مشيراً إلى أن ما يجري حالياً يندرج ضمن ترتيبات أمنية، ستبقى بعض بنودها طي الكتمان.
وأوضح خليل، في حديثه لـ”قدس برس”، أن الصيغة الأقرب للاتفاق هي “تعديل أو تحسين اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974، برعاية أمريكية كاملة”، لافتاً إلى أن إسرائيل تستند إلى تجارب سابقة، سواء في سيناء بعد اتفاقيات كامب ديفيد، أو في وادي عربة مع الأردن، أو في لبنان عبر اتفاقات وقف إطلاق النار.
ونوّه إلى أن إسرائيل توظّف ورقة الأقليات جنوب سوريا لتعزيز نفوذها غير المباشر، لكنها لا تبدو مستعدة لدعم انفصال السويداء، لغياب المقومات القانونية والسياسية والجيوستراتيجية لذلك. وأكد أن ما جرى في السويداء لا يتعدى كونه إشكالية أمنية عابرة، لا ترقى إلى مستوى قضية انفصالية.
وأضاف خليل أن الحديث عن سلام سوري منفرد مع إسرائيل غير واقعي في المرحلة الراهنة، مبيناً أن دمشق قد تدخل في تفاهمات أمنية مرحلية، لكنها لن تكون قادرة على المضي نحو تسوية شاملة قبل اتضاح مستقبل علاقاتها مع قوى إقليمية مؤثرة، مثل إيران وتركيا.
وأشار إلى أن المعادلة الأمنية التي تسعى واشنطن إلى فرضها في المنطقة تتجاوز دمشق وتل أبيب، وتمتد إلى إعادة صياغة التوازنات الإقليمية بما يتماشى مع أولويات الأمن الإسرائيلي.
وفي السياق ذاته، رأى خليل أن اليمين الإسرائيلي المتطرف، بقيادة بنيامين نتنياهو، يحاول استثمار هذه اللحظة لتكريس صورته كقائد تاريخي وحامٍ لإسرائيل، محذّراً من أن سياسات “الهروب إلى الأمام” التي ينتهجها نتنياهو قد تؤدي إلى تفجير أزمات جديدة، ما يضع الاتفاقات الأمنية المؤقتة أمام اختبار صعب في ظل عدم الاستقرار السياسي داخل إسرائيل.
كما أشار إلى أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية تميل إلى تثبيت حالة الهدوء على الحدود السورية، بما يضمن عدم فتح جبهة جديدة، موضحاً أن إسرائيل استفادت من اتفاقيات مشابهة في مصر والأردن ولبنان، وتسعى إلى تكرار النموذج ذاته في سوريا، مستفيدة من هشاشة الوضع الداخلي السوري، الذي يمنحها هامشاً أوسع للمناورة والضغط.
وفي ما يخص مستقبل السويداء، شدّد خليل على أن المحافظة لا تمتلك مقومات انفصال فعلي، سواء على المستوى الجيوستراتيجي أو القانوني أو السياسي، مؤكداً أن إسرائيل تستخدم هذا الملف كورقة ضغط، دون أن تذهب نحو دعم مشروع انفصال لا يحقق لها مكاسب استراتيجية مباشرة.
وختم خليل بالقول إن الاتفاقات الأمنية المطروحة اليوم ليست سوى جزء من مشهد إقليمي أوسع، يتسم بالصراع على النفوذ، مؤكداً أن أي تفاهمات بين دمشق وتل أبيب لن تكون مستقلة، بل ستبقى مرتبطة بالتوازنات الإقليمية والدولية، بما في ذلك التنافس بين واشنطن وموسكو، والدور الإيراني الذي يشكّل عنصراً أساسياً في المعادلة السورية.
وبينما تترقّب المنطقة مخرجات هذه التفاهمات، تبقى الأسئلة مفتوحة حول ما إذا كان الاتفاق المرتقب سيقتصر على ترتيبات ميدانية مؤقتة، أم أنه سيكون بداية لمسار أطول نحو إعادة رسم العلاقات السورية الإسرائيلية، وسط مشهد إقليمي معقّد، تتداخل فيه الحسابات الأمريكية والإسرائيلية مع مواقف قوى إقليمية فاعلة، أبرزها إيران وتركيا.