اتركوا المناهج لأصحابها… .!

اتركوا المناهج لأصحابها… .!
د. مفضي المومني.

في ظل اجواء التشكيك وعدم الثقة التي تسود مجتمعنا هذه الأيام، وجاهزيتنا للخوض في أي شيء وإطلاق الإتهامات والتخوين جزافا والكلام على عواهنه، وأهداف البعض في جعل اي موضوع قضية رأي عام لأهداف في انفسهم، تبرز تجاذبات وحوارات عبر وسائل الإعلام والإتصال المختلفة بشأن المناهج المدرسية، ويرافق ذلك مجموعة من الإشاعات والمقاطع المأخوذة من الكتب المدرسية وترد الوزارة أن هذه المقاطع ليست من الكتب، وأن قصد من نشرها هو الإثارة، واتحدث بصفتي أستاذ جامعي متخصص، وعملت مع وزارة التربية والتعليم، إدارة المناهج والكتب في الفريق الوطني للإشراف على التأليف منذ 2007 وكذلك عملت في لجنة الإطار العام للتربية المهنية مع المركز الوطني للمناهج حديثا مع مجموعة من أساتذة الجامعات والخبراء الأردنيين وللحقيقة سأورد ما يلي:
1- قضية إستحداث المركز الوطني للمناهج مع أن هنالك إدارة المناهج والكتب العتيقة في وزارة التربية بكوادرها وخبراتها، امر سياسي او كما قيل من مقررات اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية، وبكل صراحة يمكن تفهمه وتفعيله إذا دمجت الخبرات وتم الإستعانه بكوادر وزارة التربية واعتقد ان ذلك يتم بصورة او بأخرى، إضافة إلى ديناميكية العمل في المركز الوطني والبعد عن روتين وبيروقراطية القطاع الحكومي الذي لا يزال يحتكم لقوانين قديمة تعيق العمل اكثر مما تسرعه، ويبقى رأي البعض بأن لا ياخذ المركز الوطني للمناهج دور وزارة التربية فهذا قابل للنقاش والوصول لتفاهمات تجعل العمل تكاملي بين الوزارة والمركز، وانا اعرف أن هذا التعاون والتكامل موجود ولكن بحاجة لتفعيل أكثر، أما بقية التحفظات على عمل المركز فاترك لإدارته الدفاع عنها.
2- قضية الإتهامات الجاهزة للمناهج، قضيه يمتهنها البعض لاسبابهم الشخصية او الإثارة، وعين الحقيقة منذ عام 2007 اعمل في المناهج كما اسلفت وعملت مع المركز الوطني للمناهج، لم يحصل أن تم الطلب منا او التأثير علينا باتجاه معين، جميع الأسماء التي تضع الأطر العامة لكل المباحث هي من خيرة الخبرات الأردنية، ولا أعتقد أن احدا يستطيع المزاودة عليهم لا في وطنيتهم ولا في دينهم وحرصهم على المناهج، كنا احيانا نجلس لساعات أيام السبت تمتد ل 5 أو 6 ساعات على مدار السنة كلجنة وطنية للإشراف، ونستعرض ونقرأ كل كلمة وكل حرف من المؤلفين ونأخذ كل الابعاد والمفاهيم والمحذورات، وأذكر اننا احيانا كنا نأخذ كلجنة ساعة كاملة للإتفاق على كلمة أو نص، لنبتعد عن الإسقاطات المحذورة أخلاقيا او دينيا وغير ذلك مع المحافظة على البعد العلمي وتحقيقه.
3- ما يدور وينشر من فيديوهات لخبير تربوي بأنه ضد الدين والقرآن اترك له حق الدفاع عن نفسة، لكن اؤكد أن المناهج لا يضعها هو وليس لفكره ذلك التأثير على الآخرين حتى ولو عمل مستشارا، المناهج تمر بمراحل تبدأ من وضع الإطار العام لكل المناهج الأردنية، والذي يرتكز على قانون التربية والقوانين الأردنية وكذلك أهداف التربية والتعليم العام، والتجارب العالمية، والتقدم العلمي والتكنولوجي وكذلك الإبتكار والإبداع كعناصر محركة للفكر وعصر التكنولوجيا المتسارع التقدم، وضمن الضوابط التشريعية والدينية والأخلاقية لمجتمعنا العربي والأردني، والحفاظ على هويتنا، ومن خلال خبراء وطنيين، حيث يخضع للتحكيم ايضا ويحتاج للإجازة من مجلس التربية، وبعد الإطار العام يتم عمل الإطار العام الخاص بكل مبحث من خلال لجنة من المختصين من جامعاتنا ووزارة التربية والمؤسسات المعنيية، تجتمع هذه اللجان لتضع الإطار الخاص للمبحث لفترات طويلة لتخرج بوثيقة الإطار الخاص التي ستكون الأساس في التأليف، وهي وثيقه شاملة لكل ما يخص التأليف من محاور وأهداف ونشاطات ومخرجات ومصفوفات المدى والتتابع وغير ذلك مع الأخذ بعين الإعتبار الصفوف والمراحل العمرية للطلبة ومتطلبات كل مرحلة، والتتابع الأفقي والعامودي، وبعد ذلك يتم عرض هذه الوثيقة للتحكيم من قبل مختصين محايدين، ويتم تعديل وإضافة أية أفكار جديدة أو أخطاء إن وجدت، ومن ثم يتم الإنتقال لعملية التأليف وبالعادة يتم أختيار المؤلفين من معلمي وزارة التربية والخبراء ومن خلال الخضوع للتقييم والمنافسة، ويعمل المؤلفين مع لجنة تشرف على التأليف استنادا لوثيقة الإطار الخاص بكل مبحث، وهي عملية مضنية وطويلة، حرصا على الخروج بكتب مدرسية تحقق الأهداف وخالية من الملاحظات والأخطاء، وبعد هذه العملية يتم إجازة الكتب من اللجنة الوطنية للإشراف درسا درسا ووحدة وحدة قبل الطباعة، وقبل الطباعة تتم عملية التدقيق العلمي واللغوي على الكتب، وتخضع لأمور فنية كثيرة من حيث الألوان والصور وحجم الخط ونوعة وغير ذلك من الأمور التي تتعلق بخصائص المراحل العمرية، وبعد كل هذا يجب إجازة مخطوطة الكتب من قبل مجلس التربية قبل طباعتها.
4- عملية وضع المناهج وإقرارها وتحويلها إلى كتب مدرسية هي عملية نظامية وعمل فرق من الخبراء ويتضح ذلك من الكتب المدرسية عبر الأجيال وهي نتاج وطني بأمتياز وبأفكار وعقول وخبرات وطنية متميزة، نقلت تجربتها واستعانت بها غالبية الدول العربية.
5- قضية الآيات القرآنية ووضعها وتوضيفها بالمناهج، هي قضية ليست بالسهلة كما يعتقد البعض، كلنا مسلمون ونحب ونوقر ديننا وقرآننا دستور حياتنا، ولكن ومن خبرتي كان ياتينا من المؤلفين استشهادات او افتتاح للدرس بآية من القرآن في مواضيع غير الثقافة الإسلامية، وللأسف عند البحث ومراجعة علماء الدين يتضح لنا أن الآية في غير محلها، وأن سبب التنزيل غير ما ذهب له المؤلف، واحيانا زج الآية كيفما اتفق فيه اساءة للآية ومخالفة لتفسيرها ومعناها، وهنا لا ضير من حذف الآية الموظفة بطريقة غير صحيحة، القضية تخضع لاجتهادات علمية وفقهية وهذا من خلال الممارسة، أما ان المناهج موجهة نحو قلة الدين فهذا ما لم نلاحظه ولم يحصل أن تدخل احد ووجهنا بأي إتجاه، وهذا من البديهيات التي لا نقبلها، فالجميع يسكنهم الحرص والمسؤلية على عروبتنا وديننا وأخلاقنا.
6- بعد إقرار الكتب وطباعتها وتوزيعها على المدارس تبقى تحت التجربة ويتم اخذ تغذية راجعة من خلال المعلمين والطلبة والأهالي وكذلك فرق المتابعة والتقييم من الوزارة، وتأخذ اي ملاحظات فعلية وصحيحة من الميدان وتعكس في الطبعات اللاحقة، وهذا عمل انساني في النهاية، قد يحصل احيانا بعض الأخطاء غير المقصودة، وهي نادرة بالمناسبة.
في النهاية المناهج والكتب المدرسية لها خبرائها وهم من خيرة الخبرات الأردنية، سواء كانت تحت مظلة وزارة التربية أو المركز الوطني للمناهج وهذه مؤسسات وطنية في النهاية حتى لو اختلفت الأراء، ولا يجوز أن تحاكم المناهج من خلال الإشاعات ومواقع التواصل من غير العارفين، أو ممن لا يمتلكون الحقيقة، مناهجنا بخير والإجتهادات بما يخص المناهج الجديده قابلة للنقاش العلمي الصحيح وليس للمهاترات من هواة الإثارة، هذه مواضيع علمية فنية لها خبرائها، وهم اصحاب الرأي في المناهج ولا يسكنهم الباطل كما اعرف فكلهم ثقات مؤتمنون، نختلف في الكثير من الأشياء ونجتمع على حب بلدنا، وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح، حمى الله الأردن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى