ابنة نجيب محفوظ تكشف سر «الصفقة المشبوهة»

كشفت فاتن محفوظ، كريمة الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ، لـ«الشرق الأوسط»، أسرار المخطوطات الثماني المعروضة للبيع في صالة مزادات «سوذبيز»، والتي أثارت جدلا واسعا، عكر صفو الاحتفال بمئوية الراحل الكبير. وقالت إن «الصفقة المشبوهة تعود تفاصيلها إلى عام 2008، حينما زارتنا سيدة أميركية في المنزل، وقالت إنها من طرف صديق عزيز لوالدي (فضلت عدم الكشف عن اسمه)، لأمر يخص جامعة هارفارد الأميركية».

وتابعت «حينما استقبلناها فوجئنا بأنها تحدثنا عن حصولها على بعض من المخطوطات المعروضة الآن للبيع، وطلبت أن تضم إليها مجموعة أخرى من المخطوطات التي لا تزال بحوزتنا حتى اليوم ولم تنشر، أو تلك التي تخص والدتي بصفة شخصية، حيث كان محفوظ قد أهدى لزوجته مخطوطات (أحلام فترة النقاهة)، وهي آخر عمل أدبي نشر لنجيب محفوظ، كتبه استجابة لنصائح الأطباء للتدريب على الكتابة بعد تعرضه لحادث اغتيال على يد متطرف إسلامي». وتضيف «رفضنا بيع أي مخطوطات أو مسودات تخص والدي بأي حال من الأحوال، وبأي ثمن، وحذرناها من أن ما تملكه من مخطوطات هي مخطوطات مسروقة ولا يحق لها التصرف فيها، كما طالبناها بردها».

وتشير كريمة محفوظ إلى أن السيدة الأميركية عادت ونفت علاقتها بجامعة هارفارد، أثناء مفاوضاتها معهم، حيث أوضحت لهم أنها وسيطة لرجل أعمال أميركي يمتلك مكتبة في نيويورك ويقوم بشراء المقتنيات الأدبية النادرة لبيعها في المزادات العالمية. ورفضت السيدة الأميركية كشف الطريقة التي وصلت بها المخطوطات إلى المقتني الأميركي، وهو ما علقت عليه فاتن محفوظ بقولها إن «كل ما يمكن قوله إن هذه المخطوطات سرقت بطريقتين، الأولى أثناء حياة والدي حينما كان يكتب (أحلام فترة النقاهة)، وتحديدا حينما كان يرسل الأوراق للنشر في إحدى المجلات المصرية، حيث فوجئنا لاحقا بأن بعض الأوراق التي عادت إلينا كانت نسخا مصورة وليست الأصول».

وأوضحت محفوظ أن الجزء الأكبر من المخطوطات التي ضمها المزاد والتي تعود لفترات مبكرة من حياة صاحب نوبل للآداب كان جزءا من مقتنيات محفوظ حين كان يقطن منزل والدته، وأضافت «بعد وفاة جدتي ظلت عمتي تسكن هذه الشقة التي تحتوي على العديد من مقتنيات والدي التي لم ينقلها لمنزل الزوجية لاحقا، إلى أن توفيت عمتي وظلت الشقة مغلقة حتى مطلع السبعينات، حيث تقرر هدم المنزل وكان علينا إخلاء الشقة من محتوياتها، وقام أحد الأقرباء بنقل محتويات الشقة لكنه رفض لاحقا أن يعطي والدي هذه المقتنيات حينما طلبها منه».

وأكدت فاتن محفوظ أن محامي العائلة اتخذ كل الإجراءات القانونية لوقف البيع بالتعاون مع السفارة المصرية في لندن، فضلا عن التدخل الشخصي من بعض كبار الشخصيات السياسية، قائلة إن «وزير الثقافة السابق عماد أبو غازي، والأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، يتابعان الموضوع بشكل شخصي.. وقاما باتصالات مباشرة مع وزارة الخارجية المصرية لوقف البيع». وأشارت إلى أن صالة المزادات العالمية (سوذبيز) تحاول التفاوض مع الأسرة من خلال المحامي، لكن الأسرة ترفض كل هذه المفاوضات، قائلة «لقد حذرنا الوسيطة الأميركية من أن ما تقوم به غير قانوني، وأننا لن نسكت على حق والدنا».

وفي لندن، قالت دار «سوذبيز» إن عملية البيع متوقفة حتى اتضاح الأمور. ورفض مسؤولوها التعليق أو التنبؤ باحتمال عرض الأرشيف للبيع مرة أخرى. لكن الدار لم تفصح عن هوية البائع، واكتفت بالقول إنه قريب من عائلة محفوظ.

وفي معرض تعليقه على وقف عملية البيع قال السفير المصري في لندن حاتم سيف النصر إن جهودا مشتركة بين وزارة الثقافة المصرية ووزارة الخارجية قد أسفرت عن وقف بيع مقتنيات الأديب العالمي نجيب محفوظ. وأضاف السفير في تصريحات صحافية لوكالة أنباء «الشرق الأوسط»، في لندن، أن السفارة قامت فور علمها بعرض المقتنيات الخاصة بالأديب المصري العالمي للبيع في مزاد علني في صالة المزادات بإبلاغ وزارة الخارجية والجهات المعنية في القاهرة بالمعلومات المتوافرة بشأن ذلك المزاد.

وقال السفير إنه إدراكا لما قد تثيره عملية بيع المقتنيات والتي تضم مخطوطات أصلية بخط اليد من آخر رواياته «الأحلام»، بالإضافة لبعض متعلقاته الشخصية التي تتضمن صورا ورسائل خطية من عشاقه ومحبيه على المستوى الشعبي والثقافي، خاصة في ضوء رفض أسرة الأديب لعملية البيع، تدخلت السفارة في هذه المحاولة لبيع هذه المقتنيات.

وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي خاصة «تويتر» بتعليقات حول بيع الأرشيف، وأرسل الكثيرون استفسارات إلى «سوذبيز» على صفحتها بـ«تويتر» حول قانونية البيع، فتساءلت كاتبة أميركية تحمل اسم «أراب ليت» عن قانونية البيع، وتلقت على الفور ردا من «سوذبيز» تؤكد أنها تحققت من ملكية المخطوطات وأن الدار تستطيع أن تؤكد أن البائع قد قام بشرائها من مصدر قريب من محفوظ. وتساءلت أخرى على «تويتر» معربة عن اندهاشها لتصريح الدار «لكن عائلة محفوظ تنفي علمها بعملية البيع!».

وعبر حملة ضخمة إعلامية ودبلوماسيا، وصلت الدار إلى قرار بوقف البيع حتى تتضح الأمور، وأضافت في بيان «على الرغم من أنه واضح لدينا أن البائع قد اشترى وثائق نجيب محفوظ من أحد أعضاء أسرة الأديب، فإن باقي أعضاء الأسرة قاموا بالاعتراض على عملية البيع. إن (سوذبيز) تأخذ الأمر بجدية تامة، ولهذا فقد قررنا سحب المخطوطات من المزاد حتى إيجاد حل للمشكلة».

وكانت الدار قد أعلنت عن بيع مخطوطات نجيب محفوظ التي تضم أوراقا بخط الكاتب، ومسودات قصص وصورا خاصة، وقدرت سعرها بما يتراوح بين 50 و70 ألف جنيه إسترليني. وأشارت «سوذبيز» في بيان صحافي إلى أن المخطوطات تمثل مسيرة الراحل منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى رحيله عام 2006.

وعلق كبير خبراء المخطوطات بالدار، الدكتور غابرييل هيتون، على المجموعة بقوله إنها «أول مجموعة مخطوطات لنجيب محفوظ يتم بيعها في مزاد علني»، مضيفا أن جزءا كبيرا منها لم ينشر من قبل. وأضاف هيتون في تعليقه على المجموعة أنها تتضمن كتابات تعود إلى بدايات ونهايات مشوار محفوظ، وتنقل تطور أسلوبه، وتغوص بالقارئ في موضوع نجيب المفضل، ألا وهو مدينة القاهرة.

ف . ع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى