ابتعدوا.. صاحب الموكب على وضوء..
د.فلاح العُريني
تابعت قبل بضعة أيام فيديو لأحد المواطنين، ولا اعلم مدى صحته، ولكنني أجزم بصدق الواقعة..
هذا الفيديو ظهر فيه رجل يغزو رأسه الشيب رغم صغر سنه، فالشعر الابيض تجاوز نسبة ٢٩% من اجمالي الشعر في رأسه، لذلك عرفت إنه أردنياً ديمقراطياً، لأن نسبة الشيب مطابقة لنسبة الاقتراع في آخر عملية انتخابية حرة ونزيهة، ولا اقول مزورة حتى لا أُسجن على نفس الذنب مرتين..
هذا الرجل اقترب من موكب دولة رئيس الوزراء وصاحب الولاية على الأمة، كان اقترابه لحاجة يقضيها، ربما يقصد السلام عليه، والتبرك به، وربما يسأله الفاقة والعوز بعد ان ضاقت به السبل وعصفت به اوامر الدفاع، ولربما يريد ان يشكو له أمرا، او ان يحذره لاسمح الله من شر قد اقترب..
الا أن دولة الرئيس ركله بشفتيه وبعبارات فيها من التهديد والوعيد مايجعل الرجل يذوب خوفا أمام جبروت دولة الرئيس وصاحب الولاية..
فقد خاطبه الرئيس بقوله:
“لاتقترب من هذا الموكب مرة أخرى والا اقسم بالله العظيم وانا على وضوء لاحبسنك..”
انتهى الاقتباس..
من باب الصدق والانصاف وحتى اكون صادقا فيما انقله اليكم، فقد جاءت اقوال دولة الرئيس على لسان المواطن نفسه، ولم اسمعها من دولته مباشرة..
ولكن لامصلحة للمواطن ان يكذب على لسان الحكومة ولكن العكس صحيح..
لا أعلم ماذا جرى بعد ذلك..
وكل ما اعلمه إنني ما ان حضرت هذا الفيديو والذي جاء به كلام دولة الرئيس على لسان هذا المواطن، حتى اشهد الله بأن عينيَّ قد اغرورقتا بالدمع وطأطأت راسي وذهبت اجر نفسي ووسادتي حتى وصلت إلى اقرب لحاف في زوايا بيتي ووضعت كامل جسدي المنهك تحته، وتخيلت نفسي مكان هذا المواطن الذي انعقد لسانه عن الرد وكانت خيبتنا..
فالصمت على الظلم ظلم، والاذعان للباطل منكر وقهر..
يادولة الرئيس..
اخاطبك وانا اضع نفسي: فلاح العُريني مكان هذا الرجل، فأنا هو، وأنا وكيله، وأنا الوصي عليه، وأنا اتكلم بلسانه لاننا جميعا نعيش معاناته..
يادولة الرئيس..
كل منا يجاهد بما يملك ليبرئ ذمته امام الله، وأنا لا املك السلطة عليكم، ولست قديسا لاضمن اجابة الدعاء عليكم، ولست ملكا مرسلا من السماء لاطبق عليكم الاخشبين، حتى الاخشبين من اصل سبعة جبال في عمان تم بيعها، فلا استطيع الا ان اطبق عليكم شفاهي وابري في مواجهتكم قلمي، فأنا رجلا لا أملك امامكم والله الا قلمي ولساني..
اللهم احفظ لي قلمي وحرر لي لساني..
يادولة الرئيس..
من توجه إلى موكبكم لم يكن عابثا، ولاقاصدا جناية او جنحة يرتكبها، فهو مواطن يقدس أمان وامن وطنه ويحلف صادقا على الاخلاص للوطن واحترام بنيانه، ولكنه جاء بأمل يحدوه الخير، وكان ظنه بالله كبيرا ان تتوقف في موكبك الذي يحرسه أبناء الشعب امثالي، لتسمع منه وانت تعلم ماذا يريد المواطن الأردني ببساطته عندما يهجم على موكب مسؤول..
لسنا اشرارا ولسنا قتلة، ذنبنا الوحيد اننا جوعى ومضطهدين ومقهورين يادولة الرئيس..
فهجوم هذا المواطن فيه من النخوة مايكفي لان تترجل من موكبك وتقبل راسه وتنحني امامه..
فهذا المواطن جزءا من الامة التي اقسمت على المحافظة عليها، فكيف تقسم بالله إن عادها مرة أخرى ستقوم بحبسه؟
هل يجوز ان تحبس جزءا من الأمة؟
يادولة الرئيس..
قال سيد البشر محمد عليه الصلاة والسلام:
“ما اسكر كثيره فقليله حرام”
وقياسا على ذلك اقول لك:
من سجن جزءا من الأمة، او هدد جزءا من الأمة وهو على وضوء، كمن سجن وهدد الامة جمعاء دون وضوء..
دولة الرئيس..
أعلم والله العظيم أن عاقبتي في دنياكم وخيمة، وانكم تتربصون لي كما يتربص الذئب لفريسته، ولكنني والله أرى ان وقوفنا بين يدي الواحد الجبار بات وشيكا، ولنا في الاسبقين آية وعبرة..
يادولة الرئيس..
هذا المواطن الذي تجاوزت عليه وكسرت قلبه واهنت وصفه وركنت عطفه، سبق ان اقسمت على كتاب الله ان تحافظ عليه كجزء من الامة التي تمثل مصدر السلطات.
يادولة الرئيس..
هذا المواطن لو صبرت عليه لبكى وارتعدت اضلاعه وهو يرجوك ان ترفع عنه مظلمة او تسوق له مغنما يسد رمقه واطفاله..
هذا المواطن ماجاء ليسالك عن وظيفتك وانت ابن الاثني والعشرين ربيعا وقد عملت ملحقا بالخارجية الاردنية، إن كانت هذه الوظيفة جاءت وفقا للدور في ديوان الخدمة المدنية او حسب الكفاءة والخبرات او كونك من ابناء الذوات..
هذا المواطن ماجاء ليقارن كفاءة ابنه بكفاءة ابن رئيس الوزراء الذي قمت بتعيينه دون رادع ولا وازع ولامبرر شرعي او قانوني وبراتب يتجاوز ثمن كليتي وقرنيتي هذا المواطن.
هذا المواطن ماجاء ليسألك عن مفاعل طوقان النووي والتكلفة التشغيلية والناتج القومي من وراء هذا المفاعل، وراتب عميد الطاقة النووية وخريج الجامعات الامريكية والمتغطرس على البشرية..
هذا المواطن لايجيد القراءة والكتابة، لذلك ماجاء ليسألك عن ادارة الجامعات الاردنية وكفاءة مدرسيها والية التعيين والترقيات فيها، وكانها دولة داخل دولة..
هذا المواطن ماجاء ليسألك عن احتلال الفوسفات والبوتاس وقهر ابناء المناطق الجنوبية..
هذا المواطن ماجاء ليستفسر عن اموال صندوق همة وطن وعن اموال الضمان الاجتماعي، ولم يطلب منك سند ملكية لاراضي العبدلي والطنيب..
هذا المواطن جاء مكسور الوجدان ويلهث عن بقايا طعامكم وفتات اموالكم ليحفظ لنفسه كرامتها حتى صاحب الوداعة يوخذ وداعته ويرتاح من عناء الفقر والظلم..
يادولة الرئيس..
قبل ان تهدده بالحبس، عليك ان تعلم ان حراس الحبس هم ابناؤنا والقضاة هم اخوتنا، وتكلفة الموكب الذي تجول به تاتي مقتطعة من لقمة ابنائي..
هل خطر ببالك يوما ان تقارن بين ابنك وابن هذا المواطن؟
لا انصحك بالمقارنة ابدا، ولكن عليك ان تعرف ان ابن المسؤول في وطني يتغذى على معلاق ابن الحراث، وما نحن في هذا الوطن الا قطع احتياط لابنائكم..
دولة الرئيس..
للبيع:
٢٤ كلية
٢٤ قرنية
حوالي ٧٥متر من الشرايين والاوردة..
هذه بضاعتنا من اجساد ابنائنا ان كنتم راغبين..
تلك معروضة للبيع، فمن يرغب من ابناء المسؤولين بالشراء فليتصل بي..