ابتسم تطلع الصورة أحلى / د.رياض ياسين

ابتسم تطلع الصورة أحلى

البشاشة عنوان للطمانينة بين الناس وأكثر من ذلك هي إعلان للفرح والبهجة والسرور في كثير من المواقف الحياتية التي تمر بنا كل لحظة. فهي سلوك جسدي دائم حاضر حسب المواقف التي نعيش ،صحيح ان العالم التكنولوجي الذي غزا حياتنا أثر فينا من حيث أن البعد الانساني في حركتنا وانفعالاتنا تغير على نحو معقد بات معه ملحا إعادة النظر في دراسة السلوك الانساني من وجهة المشتغلين بعلم النفس والسلوك الاجتماعي للناس،فمثلا أصبحت لغة الابتسامة في كثير من المواقف تحل محل لغة الكلام والقاء التحية على البعض من باب الاختصار او احيانا تفسر ان من يلقي الابتسامة على جمع ما قد يكون له صفة الرجل المختلّ (بالخاء) والذي يعتقد ان من يراهم او يتكلم معهم هم دونه في المكانة الاجتماعية الاقتصادية او المنصب السياسي وغيرها من التمايزات.

نبرر عبوسنا في كثير من الاحيان نتيجة الهموم العامة،فنحن اعتدنا على ما يبدو ان ننشغل في الهم الإقليمي والعربي والعالمي وأخيرا طغيان الاهتمام بالشأن المحلي، فنجدنا مهمومين بالتطورات السياسية المرعبة في عالمنا العربي وتخبطات السياسة العالمية وإحباطات الإخفاقات في عالم المال والاستثمار وموجة الغلاء الفادحة وحالة الكساد وانخفاض مستوى المعيشة وفوضى التحالفات الدولية وانتشار الامراض المعدية والمستعصية القاتلة التي باتت تجتاح العالم اجتياح النار في الهشيم ،وغيرها من المشاكل حتى احيانا نؤجل اعمالنا الخاصة ونصرف أوقاتا طويلة من حياتنا بحثا عن نقاش حول موضوعة شائكة تحدث في قارة أخرى لاننا نفترض دائما بان مايحدث في اي مكان يكون القصد منه النيل من منطقتنا وامتنا وشعوبنا،وكأن مايحدث في هندوراس ستكون له أثاره المباشرة علينا،والمؤسف أكثر اننا بتنا مسكونين بالبحث عن الكوارث والمآسي وملاحقتها فأصبحت غذاء لازما لنا ولحياتنا اليومية.

وهنا لا أستطيع بسهولة ان اجيب على سؤال هذا الاشتغال الا من خلال مقولة اننا نعيش في عالم أقرب الى القرية وفق مايقال عند توصيف شكل الكون عند تعريف العولمة تاركا الاجابة لمن يتعمقون في دراسة التطور للسلوك الانساني إزاء الدفع الى الامام في الزمن.

نحن نبحث عن الابتسامة الصادقة التي تخرج من رحم مشاعرنا الساكنة فينا، ولانبحث عن ابتسامة يقصد منها الشماتة أحيانا او إخفاء دور خبيث قد نلعبه لنقتص من احد او ان نبتلع له فرصة فنوهمه بذلك برهة ليأخذ جرعة طمانينة وعندها نغدره في ظهره، وكأننا هنا وظفنا ابتسامة لغرض غير نبيل فقمنا بالاحتيال على سلوكنا الانساني لتحقيق غرض ليس نبيلا. هذا ما نعرفه بالابتسامة الصفراء وهنا أعترف بأننا نفتقد حقا للمصداقية في كثير من المواقف الاجتماعية،فكلنا بات يفتقد تلك الابتسامة عند لقاء قريبه او صديقه أو زميله في العمل او احد من اهل بيته أو لقائه احد الغرباء الذي قد يكون لديه اضطرار للتعاطي معه.

ما أراه اننا اعلنا حالة الطلاق مع الفرح والسرور الذي ينتج الابتسامة التي نبحث عنها،بالمقابل تجدنا لا نكف عن الابتسامات عندما نقابل أمراة و سيدة احتاجت لسؤالنا أو طلب مساعدتنا نحن الرجال،فنجدنا نفتح الوجنتين على البحري يمينا ويسارا تستطيع من خلالها رؤية البنكرياس من الفم نتيجة هذه الحالة اعلانا منا لحالة غريبة من النشوة التي هي غالبا حالة عابرة طارئة.

صديقي الحميم المهندس عمر شعبان لديه فلسفة حياتية رائعة، يُقبل على الحياة وكانه داخل سباق تحصيل جائزة أفضل من يعيشها بفرح وتفاؤل،واتساءل عن ذلك السر في التفاؤل الدائم في شخصه فأجده حريصا على التفوق على نفسه بإسعادها وقهر زعامات نكدها، وللامانة أجدني دائما أغبطه على نفسيته الرائعة التي تقطر فرحا داخليا أشعر به ويشعر به من حوله بصورة مستمرة.

فلنعزز هذه البادرة الجميلة ،فالبسمة تبعث على الطمأنينة ،وهذه الايام نحن بحاجة الى أي فرحة تنسينا الكثير من همومنا وآلامنا الخاصة والعامة،وكثيرا نقرأ عن استغراب البعض منا عندما يرون غيرهم فرحين بصورة دائمة،ويتساءلون هل هؤلاء يأكلون نفس طعامنا ويتنفسون نفس هوائنا، وربما يذهبون بعيدا في التساؤل هل لأنهم امتلكوا الثروات الهائلة بات سهلا عليهم الحصول على الفرحة وشرائهاوتوفيرها !! أملي أن تغشى الفرحة قلوبكم وتعمّ الابتسامة على محياكم.

rhyasen@hotmail.com

د.رياض ياسين
مدير عام مركز إكليل للدراسات والاستشارات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى