إيمان وطفلتاها.. خرجن لكسوة الربيع فعدن بثلاثة أكفان (شاهد)

سواليف – جهزت إيمان حسين (أبو محروق) نفسها، وغادرت على عجل مع طفلتيها، ليان (4 سنوات)، ومنال (5 سنوات)، منزلها في منطقة “بلوك12” بمخيم البريج وسط قطاع غزة، قاصدة سوق مخيم النصيرات المجاورة؛ لشراء كسوة الربيع.

أوصت “إيمان” (23عامًا) حماتها بالانتباه لطفلتها جنة (عامٌ ونصف)، لحين عودتها من السوق؛ لكن ساعات مضت دون عودتهن؛ فتسارعت دقات قلب الجدة قلقًا عليهن، بعد أن انتشر نبأ اشتعال حريقٌ كبير في سوق مخيم النصيرات.

بدأت الجدّة “منال” الاتصال هاتفيًا بزوجة ابنها دون استجابة، حتى بدأ الحديث عن وجود ضحايا جراء الحريق. لم تحتمل جدة الطفلتين الانتظار؛ فخرجت للبحث عنهن في سوق مخيم البريج القريب منها، ظنًا منها أنها ستجدهن، لكن دون جدوى.

هاتفت الجدة نجلها (الزوج)؛ فتوجه على الفور إلى المستشفى، ليجد بعد البحث والسؤال زوجته وطفلتيه ضمن ضحايا الحريق.

وتوفي عشرة مواطنين وأصيب 53 أخرين، بينهم 14حالة حرجة؛ جراء حريقٍ ضخم أمس الخميس، نجم عن تسرب غاز من صهريج أحد مخابز مخيم النصيرات وسط القطاع.

لم تستطع الجدة احتمال الصدمة فانهارت من شدّة البكاء؛ واحتضنت حفيدتها “جنة” التي بقيت وحيدة، وقالت بصوتٍ عالِ: “لن أتركك أبدًا، يا وجع قلبي على أمك وأخواتك”.

لحظات عصيبة

وتقول حسين وعيناها تفيض دمعًا: “لم تمض سوى نصف ساعة على وصولها إلى السوق لحظة وقوع الحادثة. اتصلت بها فلم تُجب، وبدأنا البحث عنها في السوق والمستشفيات، لمدة ساعتين، ولم نكن نعلم عنها أي شيء”.

وتضيف “وصلني خبر بوجود جثث في مستشفى شهداء الأقصى لنساء وأطفال مجهولة الهوية، فتوجه أبنائي؛ وهناك كانت الفاجعة بوجودهن بين الجثامين”.

وتقول بحسرة “أصبح المنزل خالٍ من الأطفال، ذهب من كان لهم جمال وحياة. كانوا الونيس، وكانت حركتهم عند العودة من المدرسة والروضة تملأ المنزل”.

توقفت الجدة قليلاً عن الحديث وهي تبكي، وتابعت “في اللحظات الأخيرة لخروجها مع الأطفال من المنزل، أخبرتني أنها لن تتأخر، وأوصتني بالانتباه على (جنة) وإطعامها، لكنها عادت في كفن بحسرة وألم ووجع”.

وتشدد حسين على أن وجود فرن وصهريج غاز ووقود ومخزن للأخشاب في منطقة مكتظة، أمر غير منطقي وخطأ جسيم لأنها مواد مشتعلة وخطيرة، متسائلة “لا أعرف كيف مُنحوا التراخيص للعمل في هذا المكان؟ّ!”.

فاجعة اللقاء

أما الزوج حسن حسين، فلم يتمالك نفسه أمام الفاجعة التي أفقدته زوجته وطفلتيه، فكان الأصدقاء والأقارب حوله يحاولون التخفيف عنه في مصابه.

ويقول: “ذهبت زوجتي قرابة الساعة 11.30صباحًا، لتشتري ملابس ربيعية من محل أحد أقاربي الذي اعتدنا أن نشتري منه- توفى في الحادثة- وعلمت وأنا في عملي بحريق المخبز، ولم يخطر ببالي أن زوجتي في المكان”.

ويضيف “اتصلت على زوجتي للاطمئنان فلم تُجب على الهاتف، وبعد سماعي بوجود ضحايا وانتشال جثث؛ غادرت العمل، وبدأت الاتصال بالمستشفيات للبحث عن زوجتي وبناتي ولم أجدهم في أي مستشفى”.

وتابع رب الأسرة “أخذني بعض الأصدقاء لثلاجة مستشفى شهداء الأقصى، وهناك فُجعت بجثامينهن موجودة بين الضحايا، ولم أتمالك نفسي، ولم أستطع حبس دموعي؛ لكن ذلك هو قدرهم، عوضني الله خيرًا في مصابي الجلل”.

ويدعو “حسين” الجهات المختصة للعمل على منع تكرار ما حدث، وتوفير مستلزمات السلامة في المحال والمخابز والمطاعم.

ويُعبّر الوالد المكلوم عن اعتزازه وفخره بمشهد تكاتف المواطنين أثناء مشاركتهم في إخماد الحريق، وتضامنهم ومواساتهم لعوائل الضحايا.

موعد لم يكتمل

ولا يختلف الحال كثيرًا لدى رحاب أبو محروق، والدة “إيمان”، التي انهارت هي الأخرى، بعد أن كانت على موعد اليوم مع زيارة ابنتها في المنزل بمخيم البريج، تلبية لدعوتها لتناول الغداء مع زوجها وبناتها.

وتقول: “هي أصغر بناتي الأربعة، وأقربهنّ لقلبي؛ التقيت بها قبل أسبوعين على الغداء بمنزلنا؛ وكان من المفترض أن أتناول الغداء عندها اليوم. أوصتني بالحضور مبكرًا؛ وحضرت لأتلقى التعزية بها..!”.

ولم تكن حادثة النصيرات الأولى من نوعها، لكنها كانت الأشد إيلامًا والأكثر حصدًا لأرواح الأبرياء، في وقت تتعالى الأصوات المطالبة بضرورة فرض إجراءات سلامة صارمة لتجنيب المواطنين مآسٍ هم في غنى عنها.

صفا

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى