إيكونوميست: هذه “سوريا الجديدة” بعد الحرب وتهجير السنّة

سواليف
توقفت مجلة “إيكونوميست” عند ما سمتها “سوريا الجديدة”، التي ستخرج من ركام الحرب المستمرة منذ أكثر من 7 سنوات.

ويشير التقرير، إلى أن سوريا التي سيحكمها بشار الأسد ستكون أصغر من تلك التي كانت قبل الحرب، ومدمرة وطائفية أكثر، حيث تم طرد السنة منها، وتشريدهم بسبب الحرب.

وتقول المجلة إن “سوريا جديدة تبرز من ركام الحرب، ففي حمص، التي أطلق عليها السوريون (عاصمة الثورة) ضد نظام بشار الأسد، لا يزال الحي الإسلامي والمنطقة التجارية أنقاضا، إلا أن الحي المسيحي يشهد انتعاشا، فتم إعادة إعمار الكنيسة، وعلق صليب كبير فوق الشارع الرئيسي، وكتب على لوحة إعلانية (عريس السماء)، وعليها صورة جندي مسيحي قتل في الحرب التي مضى عليها سبع سنين، وفي الصلوات يثني الأسقف الأرثوذكسي على بشار الأسد، الذي حمى واحدا من أقدم المجتمعات المسيحية في العالم”.

ويعلق التقرير قائلا إن “حمص مثل بقية المدن السورية، سيطرت عليها قوات الحكومة، وأصبحت في يد الأقليات المنتصرة: الشيعية والمسيحية والعلوية، وقد تعاونت هذه الأقليات معا ضد المعارضة السنية الطابع، وأخرجتها من المدن، وتبعها المدنيون السنة، الذين كانوا عادة الغالبية، فتم تشريد أكثر من نصف سكان سوريا البالغ عددهم 22 مليون نسمة، منهم 6.5 مليون داخل سوريا و6 ملايين خارجها، معظمهم من السنة”.

وتجد المجلة أنه “على ما يبدو أن السلطات تريد الحفاظ على هذا الوضع الديمغرافي، فبعد أربعة أعوام لا يزال السكان السابقون بحاجة للحصول على إذن من الأمن للعودة إلى منازلهم، ولم يسمح إلا لعدد قليل من السنة بالعودة، ومن عادوا فلا حيلة مادية لديهم لبدء حياتهم من جديد، وحتى في المناطق التي لم تصلها الحرب فإنها تتغير”.

ويلفت التقرير إلى أن “المدينة القديمة في دمشق، التي تعد مبانيها علامة ورمزا للمعمار السني الإسلامي، فإن المليشيات المدعومة من إيران التي تقاتل إلى جانب الأسد، وسعت من حيها ليشمل الأحياء السنية واليهودية، وتعلق صور زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله على مساجد السنة، وتحفل الجدران بالإعلانات عن الحج الشيعي، وفي المقاهي الجديدة عادة ما لا ينتبه الرواد لصوت الطائرات وهي تقصف مواقع المعارضة المسلحة”.

وتنقل المجلة عن امرأة مسيحية تعمل مع الأمم المتحدة، قولها: “أحب هذه الأصوات”، مشيرة إلى أنها مثل بقية الموالين للنظام تريد معاقبة “الإرهابيين”، حيث سيطر رجال الأسد على آخر معاقل المعارضة في دمشق في أيار/ مايو، وهو يسيطر على العمود الفقري لسوريا، من حلب في الشمال إلى دمشق في الجنوب، أو ما أطلق عليها المستعمرون الفرنسيون “سوريا المفيدة”، فيما ينحصر وجود المعارضة في جيوب حول البلاد في الجنوب والشمال.

ويفيد التقرير بأن “النظام يشعر بالفرح، فمع تمدد قواته على مساحات واسعة، فإنه نجا من الحرب، ولا يزال واقفا على قدميه، وتعمل مؤسساته دون توقف، وفي المناطق التي ظلت تحت سيطرة نظام الأسد فإن الإمدادات الكهربائية والمياه فعالة أفضل من بعض مناطق الشرق الأوسط، ويتوقع المسؤولون أن يؤدي إنتاج الغاز الطبيعي العام المقبل إلى تجاوز مستوياته قبل الحرب، ويحضر المتحف الوطني، الذي احتفظ بالمقتنيات الثمينة، لفتح أبوابه للعامة، وقد تستانف سكة الحديد ما بين دمشق وحلب عملها هذا الصيف”.

وتنوه المجلة إلى أن القلعة التاريخية في حلب نظمت مهرجانا لأول مرة منذ بداية الحرب، تزامنا مع اليوم الوطني في 17 نيسان/ أبريل، وامتلأ المسرح بالفرق الموسيقية العسكرية والبنات الراقصات وكورالات الأطفال، ومغنية أوبرا سويسرية “من أصل سوري”، وهتف الحشد الحامل للإعلام: “الله سوريا وبشار بس”، حيث عرضت أشرطة فيديو عن عملية استعادة المدينة، لافتة إلى أنه يظهر من القلعة في الأفق الدمار الشامل.

ويجد التقرير أن “الأسد ربح الحرب من خلال تحصين مراكز المدن، ومن ثم مواجهة المعارضة المسلحة في الأحياء والضواحي، وتبدو من الطريق السريع ما بين حلب ودمشق القرى والبلدات المهجورة، حيث انضمت هذه إلى المدن الرومانية الميتة، ولا يملك النظام لا المال أو القوة البشرية لإعادة إعمارها من جديد، وانخفض الدخل القومي السوري من 60 مليار دولار إلى 12 مليارا في العام الماضي، وتحتاج سوريا إلى 250 مليار دولار لإعادة إعمار ما دمرته الحرب”.

وتعلق المجلة قائلة إن “السوريين لديهم خبرة وتجربة في البناء، فهم من أعاد بناء العاصمة اللبنانية بعد نهاية الحرب الأهلية عام 1990، لكن هذه الخبرة لم تعد موجودة في البلاد؛ بسبب هربها للخارج، ففي دائرة الهندسة المدنية في جامعة دمشق غادر ثلثا المحاضرين فيها، وقال محاضر بقي: (أول من غادروا كانوا الأفضل)، وتبعهم الطلاب، ومن بقي يتحدثون (أراغليش)، وهو خليط من اللغتين العربية والإنجليزية، حيث يخططون مستقبلا في الخارج”.

ويبين التقرير أن “غياب السكان يبدو من قلة الحركة في الشوارع، فحلب التي كان عدد سكانها قبل الحرب 3.2 مليون نسمة تقلص إلى مليوني نسمة، والحال ذاتها في بقية المدن التي هرب منها الرجال أولا؛ خشية أن يتم تجنيدهم وإرسالهم للجبهات، وتسيطر على القوة العاملة في سوريا اليوم المرأة، كما حدث في أوروبا بعد الحرب، وتبلغ نسبتهن ثلاثة أرباع العاملين في وزارة الأوقاف، وهناك نساء يعملن في السباكة، ويقدن السيارات العامة، أو يعملن في الحانات”.

وتشير المجلة إلى أن “الحرب تركت آثارها على السكان، فهناك ملايين شوهوا، ويعيشون الصدمة، وكل سوري دفن عزيزا عليه، ويتحدث المحللون النفسيون عن انهيار اجتماعي، فيما زادت نسبة الطلاق بسبب الحرب التي فرقت العائلات، وهناك الكثير من الأطفال الذين يتسولون في الشوارع، ولا يركز الأسد على تعافي المجتمع بقدر ما يريد مكافأة الموالين له من خلال العقارات التي تركها السنة، ووزع آلافا من البيوت الفارغة على عناصر المليشيات، وقال مسيحي حصل على مقهى جميل يعود لسني منشق: (يجب مصادرة أرصدة الإرهابيين)، ويعمل قانون (10) على شرعنة مصادرة هذه الأرصدة، وسيخسر أصحاب العقارات حقهم في الملكية في حال لم يعيدوا تسجيلها من جديد، وهي مهمة صعبة لملايين هربوا ويعيشون في المنفى”.

ويلفت التقرير إلى أنه “لم يتم تطبيق القانون بعد، إلا أن السكان يقارنونه بالإجراءات الإسرائيلية بعد النكبة، التي قامت بمصادرة أملاك اللاجئين، ويرفض المسؤولون السوريون هذه المقارنة”.

وتستدرك المجلة بأنه “مع أن حزب البعث يزعم أنه يمثل الطوائف والأديان كلها، إلا أن البلد ومنذ عام 1966 يسيطر عليها العلويون، ومع ذلك حصل السنة على مراكز بارزة في الجيش والسياسة والاقتصاد، وفي الوقت الذي يفضل فيه السنة حكما علمانيا في ظل الأسد على حكم الجهاديين، إلا أنهم يمقتون ملامح السياسات التي تقوم على المحاباة الطائفية، التي بدأوا يلاحظونها منذ اندلاع التظاهرات المطالبة بالتغيير في آذار/ مارس 2011”.

وينوه التقرير إلى أن “الاحتجاجات الأولى جذبت متظاهرين من الأديان كلها، ولهذا قام النظام بإثارة النعرات الطائفية لتقسيم المعارضة، وزعم أن السنة يريدون أن يكونوا الأغلبية الفائزة، ولهذا أطلق سراح الجهاديين من السجن لتشويه صورة الثورة، وعندما بدأت الحكومة باستخدام القوة، بدأت دول سنية في دعم المعارضة، مثل تركيا وقطر والسعودية، وهمش المتشددون في الثورة المعتدلين، وفي نهاية عام 2011 انزلقت التظاهرات إلى دوامة حرب أهلية طائفية”.

وتذكر المجلة أنه “في بداية الثورة استجاب أرباب العمل المسيحيون لمطالب تخصيص غرف للصلاة، وارتدت المسيحيات الحجاب؛ حتى لا يتم استهدافهن، لكن مع انحراف مسار الحرب لصالح النظام، فإن هؤلاء حصلوا على الثقة، ونقش الجنود العلويون الآن وشما للإمام علي على أذرعتهم، ويظهرونه دون خوف أو تردد، فيما تظهر النساء المسيحيات أجزاء من أجسادهن، ويقول مسؤول سوري: (لم نكن لنسأل أبدا عن دين أحد.. أسف للقول فإننا الآن نسأل)”.

ويستدرك التقرير بأنه “رغم أن المفتي العام للبلاد هو سني، إلا أن قلة من السنة يعملون في مناصب بارزة منذ الثورة، وفي الصيف الماضي استبدل الأسد رئيس مجلس الشعب السني بآخر مسيحي، وفي كانون الثاني/ يناير كسر التقاليد وعين وزيرا للدفاع من الطائفة العلوية، بدلا من أن يكون سنيا”.

وتقول المجلة إن الحكومة ترحب من الناحية الرسمية بعودة النازحين السوريين، أيا كان دينهم، وقال وزير سني: “سيتم العفو عمن لم تتلوث يداه بالدماء”، مشيرة إلى أن هناك حوالي 21 ألفا من العائلات التي عادت إلى حمص في العامين الماضيين، بحسب المحافظ طلال البرزي، إلا أن عدد النازحين يتزايد في أنحاء البلاد كلها.

ويورد التقرير نقلا عن الأمم المتحدة، قولها إن 920 ألف سوري غادروا بيوتهم هذا العام، وهرب 45 ألفا آخرين؛ بسبب العملية في درعا، فيما هناك ما يقدر عددهم بمليون تقريبا سيتبعونهم لو حاول النظام السيطرة على الجيوب الأخرى الواقعة تحت سيطرة المعارضة.

وتفيد المجلة بأن النظام منح بعد معركة الغوطة في شرق دمشق 400 ألف نسمة الخيار بين الخروج لمناطق المعارضة في الشمال، أو البقاء تحت حمايته، وتعني الحماية إقامة جبرية، لافتة إلى أن هناك الآلاف ممن يعيشون في “المعسكرات” التي تمت السيطرة عليها.

وينقل التقرير عن حمدان، الذي يعيش في عدرا، القريبة من الغوطة، قوله: “استبدلنا سجنا كبيرا بأصغر”، حيث يعيش مع عائلته في ساحة مدرسة مع 5 آلاف آخرين، فيما يقول الضابط المسيحي المسؤول عن المعتقل إن من فيه يستطيعون المغادرة في حال تمت إجراءات التدقيق الأمني، لكنه لا يعرف متى.

وبحسب المجلة، فإن حمدان يخشى أن يقوم النظام ومؤيدوه بسرقة حصاده وأرضه معا، مشيرة إلى قول طاهر قبر، وهو واحد من 350 ألف سوري في سهل البقاع: “نحن الفلسطينيون الجدد”.

وتشير المجلة إلى أن البعض يرون أن الأسد، وبعدد قليل من السنة، قد يشعر بالراحة، ويخفف من نظامه القمعي، فيما يؤكد الوزراء في دمشق أن التغيير قادم، ويشيرون إلى تغيير الدستور عام 2012، الذي سمح بتعددية الأحزاب، لافتة إلى أن هناك إشارات تقول إن الإعلام لا يزال شموليا، لكن لا تتم الرقابة على خدمة الإنترنت، حيث ينتقد الطلاب في مقاهي الإنترنت النظام بشكل علني.

وينقل التقرير عن مستشاري الأسد، قولهم إن الأخير فكر في الانفتاح قبل عقد، حيث استغل المتشددون هذا الوضع، وبنوا مساجد ضخمة لنشر الكراهية، ولن يكرر الأسد التجربة، كما يقولون، مشيرا إلى أن صور الأسد وهو يستمع باهتمام تنتشر في الطرقات والشوارع كلها، وعلى جدران المكاتب والمقاهي.

وتبين المجلة أن الحواجز التي أقيمت لمواجهة المسلحين تتحكم في الحركة، ويطلب من الرجال تحت سن الـ 42 عاما تقديم المال مقابل عدم إرسالهم للجبهات، لافتة إلى أن انتشار الأتاوات واسع لدرجة أن الدبلوماسيين يتحدثون عن “اقتصاد الحواجز”.

ويذهب التقرير إلى أنه “بعد رفض الأسد تقديم تنازلات، حتى عندما كان يخسر، فإنه لن يكون مستعدا الآن لتقديم تنازلات، حيث نسف الكثير من المحاولات والمقترحات التي تقدمت بها الأمم المتحدة والحلفاء الروس، التي دعته للتحاور مع المعارضة السنية، وقام بتمييع خطة لإنشاء لجنة دستورية أثناء مؤتمر سوتشي على البحر الأسود، وأصر على أن تكون استشارية وفي دمشق، ويستخدم مستشاروه كلمتي (المصالحة) و(العفو) كناية عن الاستسلام، ولم يتقدم الأسد بعد بخطة للإعمار”.

وترى المجلة أن الأسد يبدو متعبا من حلفائه، حيث رفضت إيران مطالب روسيا بالخروج من سوريا، والتخلي عن قيادة 80 ألفا من عناصر المليشيات، ما أدى إلى مناوشات بينها وبين الجيش السوري، سقط فيها عدد من القتلى، بحسب دراسات لكينغز كوليج، في لندن، لافتة إلى أنه بعد هزيمتهم المعارضة المسلحة، فإن ضباط الجيش يقولون إنهم لا يريدون الخضوع لمقاتلين شيعة بدلا منهم، فلا يحب العلويون الدعوة الشيعية، ويقول أحدهم: “لا نصلي، ولا نصوم رمضان، ونشرب الخمر”.

ويجد التقرير أنه “رغم انزعاج الأسد من حلفائه، إلا أنه بحاجة إليهم، فهو يحكم معظم السكان، إلا أن نسبة 40% من أراضي سوريا خارجة عن سيطرته، بما فيها المعابر الحدودية وآبار النفط، ففي شمال الغرب تقدم تركيا الدعم لفصائل المعارضة، أما أمريكا وفرنسا فتدعم المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا، ومن هنا فأي محاولة لضرب هذه الأماكن ستورط النظام في حرب مع القوى الخارجية”.

وتشير المجلة إلى أن كلا من تركيا وأمريكا وإسرائيل رسمت خطوطها الحمراء، منوهة إلى قول الوزير الإسرائيلي يوفال شينتز، إن استمرار إيران في سوريا يعني نهاية الأسد.

وتختم “إيكونوميست” تقريرها بالقول إن “استمرار الحرب يمنح رئيس النظام السوري الفرصة ليشكل ديمغرافيا البلد بحسب ما يريده، ومكافأة الموالين له، وقد تفضل دول، مثل الأردن ولبنان والدول الأوروبية، التعامل مع الديكتاتور، بدلا مواجهة موجة جديدة من اللاجئين، بالإضافة إلى أن استمرار الحرب يؤخر اليوم الذي سيواجه فيه الأسد سؤالا حول كيفية تعمير البلاد التي دمرها بطريقة غاشمة”.
ترجمة عربي 21

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى