![](https://i0.wp.com/sawaleif.com/wp-content/uploads/2018/02/16521755_192596947886203_2126747376_n.jpg?fit=318%2C365&ssl=1)
#إبراهيم_أمين-مؤمن
في أحد أيام شتاء 2067، جلس أندا، أحد أحفاد ساتورو نامورا، في حديقة قصره الفخمة في طوكيو، وهو يراجع الصحف اليومية بصمت. لكن سرعان ما توقف عندما وقعت عيناه على العنوان الكبير في الصفحة الأولى:
“أكاي يكشف النقاب عن إيريكا المستقبل، الروبوت الذي يتفوق على العباقرة.”
التفاصيل التي قرأها كانت كافية لتمهيد الأرضية لاحتدام المعركة القادمة.
إيريكا المستقبل، اختراع من أكاي، أحفاد هيروشي إيشيغورو، يملك قدرات غير مسبوقة في مجال الذكاء الاصطناعي، يتفوق على عقول مثل نيوتن وآينشتاين. كان الخبر يبدو كأنَّ الأكاديميا قد وجدت الطريق إلى المستقبل، لكن بالنسبة لأندا، كان يعني شيئًا آخر:
“إذا كان هذا هو المستقبل، فماذا سيكون مصيرنا؟” قالها بصوت منخفض، وهو يحكّ ذقنه بحذر.
أغلق الصحيفة بعد لحظة من الصمت العميق وألقى بها جانبا.
“إذا تسلط علينا هذا الروبوت… سيتغير كل شيء.” ثم نظر إلى حراسه، الذين يقفون كحواجز بينه وبين بقية العالم، وقال متفاخرًا:
“أو إذا ملكناه، سنصبح الملوك.”
أندا كان رجل عصابات، يسير وفقًا لمصالحه وليس لمبادئ علمية. اختراعات مثل إيريكا المستقبل لم تكن له، بل كانت تهديدًا لنفوذه. وبسرعة، أمسك بهاتفه واتصل بأحد أقرب معاونيه في العصابة قائلاً:
“تعال إلى القصر حالًا. لدينا عمل جاد… هذا الروبوت، إيريكا المستقبل، قد يكون أكثر من مجرد اختراع. قد يكون أداة.”
***
في وكالة العلوم والتقنيات اليابانية، كان أكاي، بابتسامة ناعمة من الرضا، يناقش مع رئيس الوكالة استعراض اختراعه المذهل.
“تسألني عن الموعد النهائي؟” رد أكاي بعينيه التي تلمع حماسًا. “نعم، في كانون الثاني، سأكشف للعالم عن إيريكا المستقبل في مؤتمر سولفاي. ليس مجرد روبوت، بل أكثر من ذلك. سيجعلنا نفهم الكون بطريقة لم نكن نتصور أن البشر يستطيعون الوصول إليها.”
رئيس الوكالة رفع حاجبه في تساؤل، بينما كان يتابع حديث أكاي. “ولكن… هل تعتقد أن البشر مستعدون لمثل هذا التطور؟ ماذا لو أصبح مثل هذا الاختراع خارج نطاق السيطرة؟”
أكاي، الذي بدا أكثر تسامحًا مع الفكر المغاير، هزّ رأسه قائلًا:
“إذا لم نكن مستعدين، فسنظل ندور في دائرة المجهول. أما إذا وصلنا به إلى حيث يمكنه فهم كل شيء، فسيُحدث ثورة حقيقية. إيريكا المستقبل لا يمثل تهديدًا… بل فرصة.”
لكن في نفس اللحظة، كانت عيناه تلمعان بشيء غير مرئي؛ كانت فكرة استخدام إيريكا المستقبل لأغراض عسكرية تطفو في ذهنه، وإن كان هذا ليس ما يصرح به علنًا.
***
بعد أن ترك أكاي وكالة العلوم والتقنيات، استقل سيارته وبدأ يقودها في طرقات طوكيو الهادئة. لكن ذهنه لم يكن هادئًا. كانت أفكاره تتسارع، كل فكرة تتنازع مكانها في رأسه، بينما تتلاشى نبرة الطمأنينة التي أظهرها لرئيس الوكالة. في أعماقه، كان يعرف أن اختراع إيريكا المستقبل لم يكن مجرد ابتكار علمي. بل كان سلاحًا يمكنه تغيير مجرى التاريخ.
على الرغم من ذلك، كانت هناك مشاعر متضاربة تجتاحه. كان يحلم بتغيير العالم، لكنه في الوقت ذاته يدرك أنه قد يكون قد أنشأ وحشًا من صنع يديه. ولكن فكرة أن يصبح له القوة الكافية لتغيير موازين القوة في العالم جعلت الفكرة أكثر جاذبية.
في الجهة الأخرى، كان أندا يجلس في قصره، يفكر في تلك المحادثة التي سمعها في الصحيفة عن إيريكا المستقبل. فقد تجرأ على تحدي خصومه الأقوياء، وكان يعلم أن أكاي قد تخطى الحدود الآن. هذا لم يكن مجرد اختراع علمي، كان بمثابة سلاح جديد في عالم الظلام.
“العلماء مثل أكاي يريدون السيطرة على العالم،” قال أندا لنفسه، وهو يحدق في السماء الرمادية. “ولكن في عالمنا، نحن من نملك السلطة. نبيع العلم، لا نستعمله.”
ثم قرر أن يتخذ خطواته التالية. كانت مهمة أندا واضحة الآن: إن لم يتمكن من امتلاك إيريكا المستقبل، فسيحاول أن يعطله بأي وسيلة. لم يكن مهتمًا بتوظيفه كما فعل أكاي، بل كان يريد القضاء عليه ليبقى في دائرة النفوذ.
***
في منزله، وبعد ساعتين من التفكير، أرسل أكاي رسالة مشفرة إلى وكالة استخبارات الأمن العام، حيث كان لديه صديق قديم يعمل هناك. الرسالة كانت محورية:
“نحتاج إلى الحماية. هناك شخص آخر يريد السيطرة على إيريكا المستقبل. لا يمكن أن نسمح لهذا بأن يحدث.”
أرسل أكاي الرسالة بآمال كبيرة في أن تجلب له الحماية، لكنه كان يعلم في داخله أن الأمور لن تسير كما يتمنى. ما بدأ كاختراع علمي قد تحول إلى معركة على السلطة.
لكن قبل أن يتمكن من استيعاب ما كان يحدث، فوجئ عندما دخل إليه روبوتان في مكتبه.
“أندا يريد الحديث معك”، قال أحدهما بنبرة رتيبة، وكان يرافقه آخر يحمل جهازًا تقنيًا متطورًا.
***
وصل أكاي إلى قصر أندا بعد وقتٍ قصير، حيث وجد نفسه في مواجهة الرجل الذي يعتبره خصمًا عنيدًا. التقى الرجلان في غرفة واسعة مزخرفة بأثاث فاخر.
قال أندا بنبرة تهديدية، وهو يبتسم بابتسامة باردة:
“أكاي، لماذا لا تبيعني إيريكا المستقبل؟”
أكاي، الذي شعر ببعض التوتر في البداية، رد بثقة غير معهودة، بينما كان يقاوم رغبته في الانفجار:
“أنت تعرف، أندا، أن هذا ليس للبيع. ليس كما تفكر.”
أندا سخر وهو يرفع حاجبًا:
“هل تعتقد حقًا أن بإمكانك منعنا؟ لا تتوقع أن تكون وحيدًا في هذا الصراع. العلم ملك للجميع، وأنت فقط حصلت على جزء منه.”
لكن أكاي أصر على موقفه وقال:
“لا تحاول أن تلعب هذه اللعبة. إيريكا المستقبل ليس مجرد اختراع. إنه أكثر من ذلك بكثير. ويجب أن تبقى في أيدٍ أمينة.”
جلس أندا مرة أخرى، وأشار بإيماءة خفيفة إلى الجهاز الذي كان يخبئه خلف ظهره.
“لقد عرفنا عن رسالتك المشفرة. نحن مستعدون للذهاب إلى أبعد من ذلك. لا يمكن أن تملك هذا الاختراع فقط لنفسك.”
أغمض أكاي عينيه، وأدرك أنه قد دخل في عمق معركة أكبر من أن يتحكم بها. كان يعلم أن أندا ليس مجرد عصابة عادية، بل قوة تخترق العالم من الأسفل.
الجزء الثالث – الجزء الأول
أكاي خرج من قصر أندا، لكن ذهنه لم يكن هادئًا أبدًا. كانت الزيارة بمثابة صراع داخلي بين رغبته في حماية اختراعه وبين شعوره المتزايد بالخوف من الخطر الذي يقترب منه. لم يكن أندا مجرد رجل عصابات؛ كان عدوًا ذكيًا وقاسيًا، ويعرف كيف يستغل نقاط ضعف خصومه. ومع كل خطوة كان يأخذها نحو سيارته، كانت فكرة أن يتمكن أندا من السيطرة على إيريكا المستقبل تثير لديه قلقًا عميقًا.
بينما كان أكاي يقود سيارته في الطريق السريع، قرر أن هذا كان وقتًا لاتخاذ خطوات حاسمة. هاتفه في جيبه vibrated. كانت رسالة من وكالة الأمن العام التي أرسل إليها رسالته المشفرة منذ ساعات. أوقف السيارة على جانب الطريق، وفتح الرسالة بسرعة، وهو يحاول أن يتنفس بصعوبة.
“تم فك الشيفرة. نحن نعرف الآن ما يحدث. نحن مستعدون للتحرك، لكننا بحاجة إلى أوقات أخرى. إذا كنت تريد حمايتك وحماية اختراعك، يجب أن تكون مستعدًا للمخاطرة.”
كانت الرسالة واضحة. وكالة الأمن العام كانت جاهزة، لكنها ستحتاج إلى مزيد من الوقت للانتشار على الأرض.
ولكن أكاي كان يعلم أن الوقت لم يكن في صالحه. إذا تأخر، فقد تكون إيريكا المستقبل في أيدي أندا أو في يد من يدعمه. وحتى لو كانت الوكالة تحرك قواتها، كانت المعركة ستتغير بشكل جذري.
قرر أن يذهب إلى حيث يمكنه الوصول بسرعة إلى إيريكا المستقبل في وكالة العلوم والتقنيات اليابانية. كان يعلم أن عليه أن يتصرف بشكل مستقل. إذا لم يتمكن من حمايتها بنفسه، فمن المحتمل أن تفقد البشرية الأمل في التكنولوجيا للأبد.
***
في الجهة الأخرى، في قصر أندا، كانت الأمور تتخذ منحى مختلفًا.
كان أندا جالسًا في مكتبه الفخم، وعيناه تراقبان شاشة ضخمة تعرض أحدث التقارير حول اختراع إيريكا المستقبل. كان أكاي قد تركه غاضبًا، لكن ذلك لم يمنع أندا من التمتع بلعبة الكرّ والفرّ التي كانت تُلعب على أرضه. منذ اللحظة الأولى التي سمع فيها عن إيريكا المستقبل، علم أن هناك شيئًا كبيرًا على المحك. لكنه لم يخفْ من الفكرة، بل كان يرى في هذا التحدي فرصة كبيرة. إذا تمكّن من الحصول على إيريكا المستقبل، فقد أصبح هو من يملك القوة الحقيقية في العالم.
أرسل أندا رسالة إلى صديقه المقرب، دافيد، الذي كان يشتهر بقدراته في فك الشيفرات وقراءة الرموز المعقدة. كان دافيد أكثر الأشخاص الذين يمكن الاعتماد عليهم في المواقف الحرجة. بالنسبة إلى أندا، كان دافيد هو “المفتاح” لحل أي معضلة.
“دافيد، أريد أن تراقب كل شيء عن إيريكا المستقبل. قد نحتاج إلى اتخاذ خطوة حاسمة قريبًا.”
رد دافيد بعد لحظات قليلة. “أنا على استعداد. سأكون جاهزًا متى أردت التحرك.”
كان أندا يشعر بأن الوقت يضغط عليه. إذا تمكن أكاي من حماية إيريكا المستقبل، فقد يفقد الفرصة الأخيرة للسيطرة على التقنية التي قد تغير وجه العالم.
***
أكاي وصل أخيرًا إلى وكالة العلوم والتقنيات اليابانية، حيث كان يتم الاحتفاظ بـ إيريكا المستقبل في غرفة مؤمنة. دخل إلى المكتب الخاص به، حيث كانت شاشة الحاسوب تعرض صورًا وفيديوهات للروبوت الذي أنشأه. وقف لحظة، محدقًا في الصورة على الشاشة، وكان يشعر بشيء غريب يجتاحه. كانت هذه لحظة فارقة في حياته، لحظة يمكن أن تحدد مستقبل البشرية. إيريكا المستقبل كانت أكثر من مجرد آلة، كانت خط الدفاع الأول ضد تهديدات قد تهز أساسات العالم.
لكن عندما أشار إلى إيريكا المستقبل على الشاشة، شعر بشيء غير مريح. هناك كان يقف الروبوت في وضع الاستعداد، كأنه في انتظار الأوامر. وقد أشار النظام في الوكالة إلى أن الروبوت كان يعمل بشكل طبيعي. ولكن شيئًا ما داخل أكاي كان يشعر بالقلق. هل إيريكا المستقبل بدأ في التفكير خارج سياقه؟ هل هناك شيء أكبر مما يدركه؟
فجأة، جاءه تنبيه على شاشة حاسوبه:
“تنبيه: تهديد خارجي – عملية اختراق متقدمة.”
قال أكاي: “ما هذا؟”
لم يمضِ سوى ثوانٍ حتى رن هاتفه المحمول. كان الرقم غير معروف.
“أكاي، نحن نراقبك. لم يكن من الصعب معرفة مكانك. نحن نعرف الآن كل شيء عن إيريكا المستقبل.” كان الصوت الجاد من الطرف الآخر يقول كلمات كان أكاي يتوقعها ولكنه كان يرفض تصديقها.
“من أنت؟” سأل أكاي، محاولًا أن يظل هادئًا.
“أنا من يدير الأمور الآن، وأنت لا تستطيع إيقاف ما بدأته. إيريكا المستقبل هو أول خطوة نحو السيطرة على العالم. نحن فقط بحاجة إلى التأكد من أن يدك ليست الوحيدة التي تملك القدرة على التحكم فيه.”
كانت تلك اللحظة التي أدرك فيها أكاي أنه دخل في لعبة أكبر بكثير من أي شيء يمكنه تحمله. كان هناك قوى خارجية تحرك الأمور، وكان عليه أن يتصرف بحذر. لكن الوقت كان يمر بسرعة.
أندا كان قد بدأ بالفعل في تحريك قطع الشطرنج الخاصة به، وكانت تلك القطع تقترب من تحقيق هدفها. أصبح الصراع بين أكاي وأندا الآن معركة على السيطرة على ما يعتقد كل منهما أنه هو مستقبل العالم.