الحرب على المخدرات / بسام الياسين

الحرب على المخدرات
مشكلتنا مع كل مشكلة اننا نتنظر حتى تُفرّخ المشكلة مشكلات اخرى اسوأ منها ثم نبحث عن حلٍ لها، بعد استفحالها واستعصائها.السرطان مرض قاتل يمكن الشفاء منه بنسب عالية اذا اكتشف وعولج مبكرا. المخدرات تكمن خطورتها في سرعة انتشارها،وما يتوّلد عنها من سلوكيات جرمية ويتفرع منها من آثار مدمرة،لذلك يكون العلاج المبكر هو الفعال،لانها ـ أي المخدرات ـ هي المفتاح السحري لكل بوابات الجريمة، لما تحمله من جاذبية للسقوط في حفرة السقوط. فالادمان يؤدي بالمدمن الى اسقاط القيم الاجتماعية والضوابط الاخلاقية،ويدفعه دفعاً قهريا الى الى اقتراف كل الموبقات : السرقة،القتل،النصب والاحتيال،الكذب،الاغتصاب،اضافة الى الطلاق،حوادث السير الدامية،التسرب المدرسي،الاهمال الدراسي للجامعي،ارتكاب الموظف المخالفات،انتهاك القوانين للحصول على المال كالرشوة التزوير،وبيع المعلومات.بمعنى ادق فان المدمن حية تعض بطنها ان لم تجد ما تعضه.

صعوبة الادمان تكون في تطوره من عادة سلوكية الى اسلوب حياة،حيث يلجأ المدمن الى التعاطي لاسباب عديدة ابرزها شخصيته الاتكالية،اصدقاء السوء،والهروب من واقعه. الجرعة السُمية تؤّمن لصاحبها ملاذاً آمناً كاذبا و احلاماً زائفة،لكنها في حقيقة الامر تشبه جهنم اذ ان الطريق اليها مفروشة بلذة عابرة و نهايات مهلكة،و كلما تناول المدمن جرعة طلب جسده المزيد منها كماً وعدداً “….يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد؟!” صدق الله العظيم. الادمان يمكن علاجه،فيما خطورته من انه مرض انتكاسي لارتباط المتعاطي النفسي بالامكنة و الاشخاص الذي يتعاطى معهم فهو دائم الحنين الى تلك ” القعدات”.من هنا فالمدمن يهدم الجسور مع عالمه الخارجي ويبني عالمه الوهمي الخاص به.فتراه يدور في حلقة مفرغة ويصير شغله الشاغل تامين الجرعة ،حيث يتحول الادمان من وسيلة لامتاع صاحبه الى وحش ينقّض عليه اذا لم يؤمن له ” جرعته” التي تُهدأ قلقه.

يجب الاعتراف بداية ان تجارة المخدرات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بشريحة نافذة او عصابة ثرية لانها تجارة معقدة بحاجة الى تنظيم دقيق،تمويل كبير،حماية قوية،و شبكة واسعة من الاشخاص لتسهيل مرورها عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية.هي ليست تجارة ” بيك آب” بندورة ببضعة دنانير،بل تحتاج الى الملايين. في الستينيات من القرن المنصرم ادخلت وكالة المخابرات الامريكية الهيروين الى ” مملكة لاووس” لتمويل الحرب الاهلية،وفي عهد الرئيس ريغان ادخلتها ذات الوكالة الى نيكارغوا لهزيمة الشعب من الداخل،كما ان ” حرب الافيون” الاولى والثانية الشهيرة عام 1888غير خافية على احد حيث اغرق الاستعمار البريطاني القذر الصين بالافيون لشل حركة التنين العملاق،واسترداد ما يدفعه التجار الانجليز من فضة ثمناً للشاي والحرير الصيني.احصائيات آنذاك تؤكد ان عدد المدمنيين بلغ ما بين ( 70 الى 120 ) مليون صيني.

في عام 1949 كان الشعب الصيني محكوماً من لدن زمرة من اقطاعيين وتجار كبار ساعدوا على نشر هذه الآفة حتى اصبحت في متناول الجميع،تباع على الارصفة كما تباع الحلوى،فيتهافت عليها الفقراء هرباً من واقعهم المزري.امام هذا الوضع المدمر اطلقت القيادة العليا صرخة بوجوب ” توحيد جهود الجميع لحرب شاملة على المخدرات”،وعولت على الشعب المهمة الاكبر. ومن اجل كسب ثقة الناس وتحفيزهم جرى احراق المخدرات المصادرة في احتفالات عامة،وسارت المظاهرات تُندد بتجار المخدرات،واعتبارهم اعداء للشعب وطالبوا باعدامهم لتطهير الصين منهم،والنظر الى المدمنيين على انهم ضحايا. بالتزامن مع ذلك قامت الاجهزة المختصة بشن حملات واسعة ومكثفة لتفكيك شبكات المخدرات،وتجفيف منابعها الداخلية،و اغلاق منافذها الخارجية،واستمالة صغار التجار و تجنيدهم للكشف عن الرؤوس الكبيرة و اماكن التخزين.وسجلت الحملة نجاحات باستثناء جيوب صغيرة اجهزت عليها الدولة بالتعاون مع الناس لاحقاً.

مقالات ذات صلة

النسب التي اظهرتها الدراسات الاخيرة عندنا عن تعاطي المخدرات مزلزلة.فاذا كان في الجامعة الام وحدها 6400 طالب متعاطٍ للمخدرات والمسكرات، فكيف الحال بين سائقي الشاحنات وتكسي الاجرة والطبقة الفقيرة التي لا تجد بارقة امل على ارض الواقع،ما يؤشر اننا امام جائحة متنامية بتسارع مذهل تعمل على ذبح الوطن من الحنجرة.المطلوب ارداة سياسية فولاذية،وحكومات ذوات استقلالية لا حكومات تصريف اعمال،ورفع الجاهزية الى اللون الاحمر، تماماً كالحرب على الارهاب فكلاهما يعمل بسرية على نخر المجتمع ويجب مواجهته بشجاعة. نازلة المخدرات التي نزلت فينا لم تكن مفاجئة او مفاجآة بل متوقعة،اما ما يخالف المنطق ان يميل بعض من تناولوا قضية المخدرات الى اساليب دفاعية نفسية او اسقاطات على اطراف اخرى لاخلاء الطرف،لتحميل المسؤولية على شماعة الآخرين، بينما القنبلة في احضاننا منذ مدة ليس بالقصيرة، متناسين الرؤوس الكبيرة التي ادخلتها الى مخادع نومنا حتى تطور الامر الى صناعة ” الجوكر وزراعة الماريجوانا”،وانتشار حبوب الهلوسة على الارصفة.

الانحدار الاخلاقي،التفكك السياسي،التدني الثقافي مشكلات عويصة نعانيها وان لم نعترف بها. ما نقوله ليس من باب الغيبيات،وما تردي الحالة الشعبية الا دليل حي على صدقية ما نقول : فما معنى جرائم القتل الدورية،الطعن شبه اليومي،تفشي المخدرات،نشوب المشاجرات لاتفه الاسباب بالاسلحة البيضاء والنارية،تقطّع اواصر المحبة والثقة بين الناس،غياب عام للقانون الاخلاقي الجمعي، الاعتداء على الاباء والزوجات،الاعتداء على رجال الشرطة قتلاً ودهساً وطعناً،الاعتداء على الاطباء والمعلمين،البحث عن اللذة مهما كان مصدرها، ومحاولة الوصول للثراء والمكانة الاجتماعية بوسائل منحطة،المباهاة بالتطاول على الدولة،فتح جبهات نارية لنجاح طالب علاماته اوطى من واطية،مخالفات سير ضخمة للاحتفال بتخرج جامعي حصل على الشهادة زحفاً مدة اربع سنوات او ازيد قليلا.

المخدرات ليست جرعة فحسب بل طلقة قاتلة في جبين المستقبل،تخريب للمجتمع،تقويض للدولة.المعركة معها يجب الا تكون مظاهرة اعلامية بل مواجهة حقيقة تخلعها من جذورها العميقة، ما يعني ان حربها كحرب الانفاق، نفق يقود الى نفق،و اي تراخٍ في خوضها سيؤدي الى مزالق وعرة ومآزق مستعصية فتجار السموم لا يكترثون ان صار الوطن “غرزة”، طالما ان جيوبهم ممتلئة وتذاكر سفرهم محجوزة، ـ الحسرة اذن على ابناء الوطن الذين يدفعون دائماً الثمن ممن لا يعرفون او يعترفون بعد الله غيره.

مدونة بسام الياسين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. إنه نهج ممنهج يُعمَل على تنفيذه بزمن ونفس طويلين ، وبتعاون وثيق مع من باعوا ضمائرهم وشرفهم وجمدوا أخلاقهم في ثلاجات الكسب غير المشروع ، وبشى الطرق الرخيصة ، وبإستغلال المحبطين وضعاف النفوس وعديمي الثقافة ، ولو عدنا بهذه المصيبة من جذورها ، نجد أنها موجودة منذ البدء ، وأن لها وسائلها وطرقها المرعبة ، تقودها عصابات منظمة عابرة للقارات ، محمية من منظمات دوليه ، تأتمر من خلايا خفية ذات نفوذ رهيب في الدول العظمى ، تعمل معا لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية ، فتضع الخطط والبرامج التي تصل لكل مناحي حياة المجتمعات المستهدفة الإقتصادية منها والإجتماعية من خلال تدمير القيم والمباديء الفطرية للإنسان ، وبتخطيط من علماء نفس واجتماع مهووسين بالجريمة والفساد ، يتلذذون في نشر الجريمة في المناطق المستهدفة بغية تدميرها من الداخل ، تماما كما ورد في الأمثلة التي وردت في مقالتك الصارخة ، ولأن الربيع العبري يتأجج في منطقة البلاد العربية التي يقودها العربان المباعون للشيطان وأعوانه من أبالسة الصهيونية التي لا تعرف دينا ولا خلقا ولا قيما إنسانية إصبحت هذه الآفة المدمرة والعديد من الآفات الأخرى المرافقة ديدنا يتساوق بأتساق مماثلة تسير معا لحقيق الأهداف المنشودة مرضيا ، وأن ما كل مايجري في هذه البقعة من الكرة الأرضية يصب في ذات الهدف الرئيس الذي يؤدي إلى إعادة هيكله هذه المنطقة من جديد بعد أن عفا الزمن على سايكس وبيكوا كما ذكر باراك حسين أوباما ذات إجتماع صهيوني ضم أقطابها كيسينجر وروكفلر وروبرت مردوخ ، بحيث تقوم الإمبرطورية السياسية بقيادة كيسينجر وهو القائل ( ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تحل أي مشكلة في العالم ولكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط المشكلة وتحرك خيوطها حسب المصلحة القومية الأمريكية ) وطبعا يقصد الصهيونية وأهدافها ، وتقوم الإمبراطورية الإقتصادية بقيادة روكفلر وأتباعه ممن باعوا أوطانهم وذممهم بتنفيذ مخططات مرعبة على الإقتصاد العالمي والأمثلة عديدة منها ما حصل بعد 11 سبتمبر والإنهيارات الإقتصادية الهائلة وصولا إلى الإنهيار المتلاحق لأسعار النفط أما دور الإمبراطورية الإعلامية بقيادة مردوخ واتباعه فدورها التعتيم وشراء دمم الصحفيين كتاب الإعمدة المشهورة في الصحافة العالمية والترويج لكل ما تهدف له مخططاتهم وتزويقها وتزيينها واظهارها بصور زاهية من خلال قلب الحقائق وجعل الشعوب متخبطتة في متاهات ودهاليز مظلمة لا تجد فيها بصيص نور إلا ما يزين لها من أمور السراب الذي يظنه الضمآن ماء .

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى