إليكم القصة التي كنت أرددها على مسامع طلابي

إليكم القصة التي كنت أرددها على مسامع طلابي

د. فايز أبو شمالة

لكتابة المقال في شهر رمضان نكهة خاصة، فنحن في شهر رمضان ننفرد مع أنفسنا قليلاً، نراجع مسار حياتنا، نأسى ونتأسف للخطأ، ونفرح ونفتخر بالصواب.

قبل خمسين عاماً، في زمن الاحتلال الإسرائيلي، حين كان رجل المخابرات الإسرائيلي يحاسب على الكلمة المعادية لاغتصابه فلسطين بشكل لا يقل عن محاربته لحامل البندقية، في تلك الفترة من العمر، كنت أقص على طلابي في المدرسة حكاية الحطاب الذي انتصر بانتمائه الصادق على أعداء قومه، وقدم للتاريخ درس الوفاء.

مقالات ذات صلة

تقول الحكاية:

بينما كان الحطاب يجمع الحطب مع ولده من المنطقة الجبلية المطلة على القرية، داهمه جيش الأعداء، وألقوا القبض عليه هو وولده، وقالوا له: اخبرنا عن أقصر الطرق المؤدية إلى قريتكم، لكي نفاجئ المسلحين من أهل القرية، وهم غافلون، فإن لم تفعل، قتلناك أنت وولدك، وألقينا بكما طعاماً للوحوش!

فكر الحطاب بالأمر، وقد أدرك أن الأعداء جادون بتهديدهم، وأنه يواجه مصيره وحيداً مع ولده، وأن لا خلاص له ولولده من هذه المصيبة التي أطبقت عليه، وأنه واقع بين أمرين؛ إما النجاة الشخصية، وهي غير مضمونة، وإما نجاة قومه، وهي مؤكدة.

وبقلب يرتجف، قال الحطاب لأعداء قومه: اقتلوا ولدي أولاً، وبعد ذلك سأخبركم عن أقصر الطرق لاحتلال القرية، وذبح رجالها، واغتصاب نسائها، وسلب مقتنياتها.

فتعجب الأعداء، وقالوا له: كيف نقتل ولدك؟ وهل أنت قاسي القلب إلى هذا الحد؟

قال الحطاب: أخشى أن يشي بي ولدي إلى قومي إن أخبرتكم عن أقصر الطرق إلى قريتي، فاقتلوه أولاً، كي أضمن سلامتي لاحقاً.

فما كان من الأعداء إلا أن قتلوا ولد الحطاب أمام عينيه!

وقالوا له: لقد قتلنا ولدك، ولن يشي بك، فاخبرنا عن أقصر الطرق لمفاجأة مسلحي أهل القرية، واحتلالها.

قال الحطاب، طلبت منكم قتل ولدي أمام ناظري حتى لا يضعف في لحظة تعذيب، ويعترف لكم عن أقصر الطرق إلى القرية، أما أنا، وبعد أن ضمنت موت السر بموت ولدي، فلن أنسق معكم أمنياً، لن أدلكم على أقصر الطرق إلى القرية، حتى لو قطعتم لحمي إرباً.

وفشل الأعداء في انتزاع الاعتراف من الحطاب، وفشل الأعداء في مباغته أهل قرية الحطاب، واحتلالها، ونجت القرية برجالها ونسائها وأطفالها وأحلامها وأمنياتها!

كنت أقص هذه القصة على طلابي مع بداية كل سنة دراسية، ثلاثة عشر عاماً وأنا أكرر هذه القصة، التي صنعت جيلاً محصناً من التنسيق والتعاون الأمني مع العدو، وكانت المفاجأة بعد سنوات، حين التقيت مع بعض طلابي في السجون الإسرائيلية، وذكروا على مسامعي القصة ذاتها، وهم فخورون بأنفسهم، لأنهم قاوموا الاحتلال برجولة، وكنت فخوراً ببطولتهم، وفخوراً بنفسي، فأنا قدوتهم، وقد سبقتهم إلى مقاومة الاحتلال، ومقارعة السجون الإسرائيلية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى