إلى مدينة تائهة

[review]

كل الكلام منتَهَك
اسألوا القمرَ أين ذهبتْ فصولُ القمح وبيادر القلوب الصافية والبياض
اسألوها هي !
لمَ فتحتْ نوافذها وأوصدتْ الأبواب، ثم بِكمْ باعتْ مفاتيحها للظلال في مزاد القسوةِ والخيانةِ والليل
لم اختارت أن تتعلقَ كأيقونةٍ قديمة نسيَ من تعلقت في رقابهم لم هي هناك في الأصل ..
المدُن متضخمة الأنانية تفقدُ شرعيّة التحضّر يا صديقة، تثير رغبة الريح بالهاث وتغري أصابع الطفيليات بالتسلق،
تلك الكبيرة اعتراها الغرور ..تصيرُميدانا ثريّا لمُدعي المدنية المزركشةِ العابثة كثيرةِ المداخل الخلفيةِ
تصيرُ حِلا للكائناتِ من سلالةِ “الشمبانيز” أولئك الذين ظنناهم انقرضوا بعد المسخ.. وإذ بهم يتناسلون من جيوبنا حين نسيناها للعفن ..
حسنا ..
ها قد رفعتِ البناياتِ أكثرَ مما ينبغي، حتى انكشفتْ ساقاكِ
ثم لبستِ “البِدل” الرسمية لتُخفي تشوّه الطين .. لبستِ كثيرا منها وجميعها كانت متعددة الجيوب
ولم يسترعيك أبدا تفقُد باطنها بالشمس..!
لِمَ تتساءلين إذن من أين جاء كلّ هذا التشوه/كلّ هؤلاء المشوهين/ وتذوقوا نجومكِ النقية، شربوا على ظهرك النبيذ إلى أن أصاب الدوارُ رأسكِ فترنحتِ على حنينٍ موجع وتشرد .. !
قد أُتخمتِ جدا .. حتى لم يعد بمقدوركِ ثني رأسك ولا مدّ ظهرك ..
حكمتِ عليه /ظهرك/ عنوة حملِ المرتزقة عاريا إلا منهم حتى اكفهرت سماؤك من بؤسِ ما تُراقب،
تأملي نفسك في وجهِ قمرها أيتها الوحيدة المتخبطة والمخذولةِ حدّ الحزن..
تُنبئكِ بسواد الطريق والدمع القادم !
/
لا تلومي إلاكِ بعدَ أن أضأتِ جميع نوافذك وقلتِ للعتمِ هيتَ لك
ركلتِ بنزقٍ أبوابكِ الشّرعية ..ودفنتِ أرصفة الأقدامِ النظيفة فاتسعَ فيكِ الخواء،
ثم صِرتِ عتبةً تقفُ عليها قلوب المساكين طويلا دونَ باب .. !
تصفعهم بالتجاهل وتحابي غيرهم بجدائل الشّرفات المتبرجة
ذاك خياركِ
قد آثرتِ عرَضَ الفراغ الصاعد عبر بناياتك
والملتوي بينكِ وبين طرقاتك بخبث،
سيان منها ما تزينَ بوميض الثراء أو تلكَ المحشوةِ بمخلوقاتِ المساء المشردة والمستشرة..
واستسلمتِ لشحوبِ الخطايا ونفضتِ عنكِ ثوب الطيب والرضى
تأملي نفسك كم صرتِ مخلوقة أقرب للجنون والغُربةِ
وأبعدَ عن طمأنينة براعمِ هذه الأرض ذات النموّ الواثق الشهي قديم الحكاياتِ والمواسم ..
/
هل تذكرين أوراق الشّجر الجّافّة .. أو جذع صفصافة كبرت جِوار الخُطى قبل أن تبتلعها خطيئة اسفلتك الأسود،
يا أنتِ شوارعك لم تتهذب كما يجب منذ البدء..
شوارعك تمارس شهوةً بريّة مع أقدامِ ابنها الترابي الحديث !
الشيء الوحيد الذي تذكر من إرثه القديم،
من كائنٍ لم يكن قد عرفَ بعد أناقةَ الخط المستقيم .. ثم ها هو ذا لم يعترف بها حين عرفها
لا يعرفُ من الطريق سوى قيمة قدميه بعدَ أن يفترس النهاية
حيث الوسيلة لا تعني شيئا ولو كانت مبتورة متسخة،
حتى لو كانت جزءا منه .. في سبيل نهاية بغِطاء رأسٍ من ظلامٍ وشهوة بين النجوم، فوق ظهرك !
لكنّ الأيام تدور .. هذا روتينُ اللّحمِ، كنتيجةِ كيمياء الطين والوقت

والمدن كأنتِ ..
يبدو أنها تملّ طورَ اللباقة الكلاسيكية التي كان قد شبّ عليها أسلافها الآفلين
وحنت لشريعة الغاب بعد أن تشعّب أطرافها وتورمت اشداقها ،
قد أدركتِ بأنه يمكن لشريعةِ الغاب أن تلبسها الأقمشة الناعمة
والابتسامات الصفراء وربطات العنق، يمكنها أيضا أن تطلي أظافرها بألوانِ عيونِ العراةِ والجوعى والحفاة،
بما أنّ العامل المشترك الأكبر /البقاء للأقوى ولو كان حيوانا أنيقا/

أبناؤك
نزعتِ بهم للتوحش وملتِ عليهم بجهلكِ المستحدث، بغنج النوافذ المواربة وجفاء الأبواب،
كيف تخلصتِ من عيونِ قلبك في سبيل نظارة سوداء لامعة زينتها لكِ أولوانُ اليافطات المضاءتِ بالوهجِ المصطنع والعابر
كيف خُدعتِ بيُسر، كما يخدعُ مراهقٌ نُفخ بهوى النفس وابتسامة خناسٍ متفاني الاخلاص!
يا إلهي
كأنك لم تولدي على طُهر التراب ولم تقمطكِ كفّا نبعٍ صاف ذات صباحٍ عبقٍ برائحةِ الخبز والزيتون،
كأن لم تعبر الفضيلة على جسدك من قبل قط ولم تهترئ عليه سجادة صلاةٍ حُملت في هودجٍ تهدى عبر شهرينِ بين الرمال والعرق المطيّبِ والتلبية !
بالله كيف اقنعتِ ابناء رحمك بأنّ لهم دروب اللحم ومادونَ ذلك هراء
فمَضوا يضربُ على جدرانِ محاجرهم فراغٌ وجوعٌ نزِق
لا يزال يجحظ بالوهم

مقالات ذات صلة

أودُ لو أعرف حقا فيما إذا كان كل هذا الرّهق ثمنا كافيا قبالة عتباتِ أبوابكِ/ضميرك..
بما كانت تحملُ من ذواكرَ دافئة ومصابيح صغيرة تعرف لأي حدٍ يجب أن تكشف من عُري الليل عندما تسترُ ناصيةَ الباب بالعفة ..

أسفي عليكِ
قد مِلتِ لتركبَ العفاريتُ ظهرك ..
ونسيتي ما حدثتنا جدةٌ على الفطرةِ حين قالت أنّ من يخلع جُبته تخلعهُ العيون
ويركبه ماردٌ من تيه،

ترتديه جنياتُ الصلصال المجنون وتمسح على قلبه بتميمةِ جوعٍ لا يَشبع

لا يعرف أمنَ القمح ولا ثقة ساقيةٍ برزق الخالق القادم لا محالة !

أستغربُ كيفَ لم تخبرنا تلكَ الطيبة
كيف أن من يخلع عتباتِ أبوابه تتناسلُ عفاريته من رحمه فارغةَ العيون جائعة
لا يملأ محاجرها سوى سماء بقمر أسود !

* الصورة لـHanouf

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى