إعرف عدوك

إعرف عدوك
د. هاشم غرايبه

يتعرض جسد الإنسان لكثير من الأمراض والعلل، بعضها ناتج عن غزوه من كائنات دقيقة نسميها الجراثيم، والبعض الآخر ناجم عن خلل في أداء وظائفه الحيوية.
الجراثيم الغازية تتصدى لها المناعة الذاتية المزود بها الجسم، فعاجلا أو آجلا تتمكن من القضاء عليها، الخطورة هي عندما لا يمكن لخلايا الدفاع التمييز بين العدو الغازي وخلايا الجسم الطبيعية، فتقوم بمهاجمتها اعتقادا منها أنها دخيلة، عندها تصبح العلة الأصعب والتي قد تهلك الجسم، وتسمى هذه الحالة بالأمراض المناعية، وهي كثيرة لكن أشهرها الروماتيزم، ويطلق على العمى الذي أصاب الخلايا المناعية فهاجمت بنات جلدها وأهملت تلك الغازية مسمى “الخرف المناعي”.
خطرت ببالي هذه الحالة وأنا أطالع ما كتبه أحد الذين يسمون أنفسهم باليساريين، وتعليقات من يشاكلونه من القوميساريين، والذين تتمثل مشكلة الأمة بهم في إصابتهم بالخرف المناعي، فباتوا لا يفرقون بين العدو الغازي وبين ابناء الأمة الحقيقيين واعتقدوا أن عدو الأمة هو عقيدتها الإسلامية، فركزوا هجومهم عليها وعلى من يتحمسون لها.
لم يهتموا بمغزى الإستقبال الحار الذي استقبل به الرئيس الفرنسي في بيروت، وما يمثله كونه الغازي القديم الحديث للأمة، كان ما أشغل بالهم أن أحدهم قال أن صوامع الحبوب التي تدمرت في ميناء بيروت بناها العثمانيون المسلمون، فانتفضوا غضبا وكذبوا ذلك فقالوا أنها بنيت بمنحة كويتية.
من بناها قضية ليست لها قيمة، فقد دمرت وانتهى أمرها، لكنهم لم يهتموا بمن دمرها، إنما بنفي أن يكون للأتراك أي فضل، بل يرون فيهم كلهم شر، وأنهم كانوا مستعمرين، وبالتالي فالفضل والتقدير لمن طردهم من بلادنا واحتلنا بعدهم فقسمنا وأقام على كل قطر نظاما من ابتداع سايكس بيكو.
هذا التعامي هو أخطر أنواع الخرف، لم يفطنوا الى السم الزعاف في أقوال “ماكرون” خلال زيارته لبيروت واستغلاله الوقح للحالة، وتجاوزوا عما فعله الإستعمار الفرنسي في الأمة في بلاد الشام وشمال أفريقيا، ولم يفطنوا إلا لكون الأتراك قد تولوا الحكم في الدولة الإسلامية في آخر أربعة قرون، فأساء قادتهم في آخر خمسين سنة الإدارة، فما ذكروا من أفعالهم إلا فترة الإنحطاط، وتناسوا أفعالهم الجليلة مثل خط الحديد الحجازي، وتجاهلوا حمايتهم ديار الأمة من الغزاة الأوروبيين، وجعلهم المتوسط بحيرة إسلامية، مما حقق العزة والكرامة للأمة طوال قرون.
ما استوقفهم فقط هو تغريدة لمذيع في “الجزيرة” أن صوامع الحبوب أنشأها الأتراك، ثارت ثائرتهم، لأن تركيا الآن حكمها محسوب على الإسلام، ولو كانت مازالت ترزح تحت نير الأتاتوركيين أتباع الغرب ما تحركت حميتهم الجاهلية.
لكي نعرف العدو من الصديق، لنقابل بين حدثين متعلقين بالإنفجار في بيروت، تحدث الإعلام عنهما، الأول زيارة الرئيس الفرنسي لبيروت، واستغلاله لحالة الحزن بالتحريض على الدولة اللبنانية باتهامها بالفساد، وقوله بوقاحة أنه سيقدم مساعدات (للشعب) من خارج إطار الشرعية الرسمية كونه لا يثق بها.
الثاني قول الرئيس التركي أنه مستعد لإعادة بناء الميناء المدمر مساعدة للشعب اللبناني على تجاوز هذه المحنة، فوضع تبرعه رهن الدولة الشرعية ولم يفرض شروطا أو يحدد جهة معينة.
المساعدات الفرنسية الموعودة هي لفئة محددة معروف ولاؤها للمستعمر الفرنسي، وأعلن “ماكرون” بصراحة ذلك أمام جماهيره التي ما جمعها غير التعصب الديني، واستبقت قدومه بوثيقة موقعة من فئة تطالب بعودة فرنسا لاحتلال لبنان (لتحريرهم)، وكانت وما زالت تعتبر ولاءها الفرانكوفوني مقدم على ولائها للأمة، ومن وقعوها اليوم هم أحفاد من وقعوا وثيقة عام 1946 التي طالبت ببقاء الإنتداب الفرنسي وعدم الجلاء.
نظام الحكم اللبناني لا يختلف عن باقي أنظمة سايكس بيكو من حيث الفساد وسوء الإدارة، فلماذا تخصيصه بالذات بالفساد واتهامه بعدم القدرة على توزيع المساعدات الموعودة!؟
أليس الفرنسيون هم من فصلوا لبنان عن سوريا الأم بدعوى حماية المسيحيين من المسلمين، رغم أنه لم تكن لدى المسيحيين مشكلة في وحدتهم مع شركائهم في الوطن المسلمين، لكنها كانت تدخلا فجاً من الإستعمار لتكريس الصراع الطائفي، ثم هم فرضوا النظام السياسي المشلول في عام 1958 ، ثم نظام المحاصصة الطائفي في اتفاق الطائف عام 1989؟.
بالطبع فمن يعانون من الخرف المناعي هم أصلا مصابون بلوثة الرهاب من الإسلام، فلا يرون في كل ذلك مشكلة، ويتقبلون الغطرسة الفرنسية، ويسكتون عن وقاحتها…ولا يسمون ذلك خنوعا، بل التقاء مصالح!.
أما آن لهؤلاء المراهنين على قدرتهم على تجريد الأمة من الإسلام وإعادتها الى الجاهلية أن ييأسوا.
نحن ال 95 % من الأمة لن نعود لما يدعوننا إليه.. فمن ذاق طعم العزة بالهدى لا يقبل العودة للعبودية والجهل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى