إعراب المجاز في زمن الرزّاز / د. ناصر البزور

إعراب المجاز في زمن الرزّاز

كم علمّنا أساتذة النحو الفُضلاء حين كنّا تلاميذاً في المدرسة دروساً في الإعراب من خلال ما يُسمّى بالشاهد النحوي… لِما للشاهد النحوي من دورٍ فاعل في ترسيخ المفهوم اللغوي النحوي في عقل الطالب… فكان أساتذتنا (حفظهم الله) عند تقديمهم دروس الفعل المتعدّي يركّزون على الفعل “ضربَ” بشكلٍ لافت … وعند تقديم دروس الفاعل يستخدمون كذلك الفعل “ضربَ” مثل “ضربَ الرجلُ الولدَ” … وعند تقديم دروس المفعول به أيضأ كانوا يستخدمون الفعل “ضربَ” مثل “ضربَ الولدُ الفتاةَ”…
فكان الفعل المتعدّي دائماً يُضربُ ويُقدّم لنا من خلال أمثلة فيها التَعدّي أو اعتداء شخص على شخصٍ آخر… والشخص الذي يقع عليه فِعل الفاعل أو المُعتدى عليه دائماً هو أضعف من المُعتدي بسبب تفوّق المُعتَدي على المُعتدى عليه في الجنس كالولد على الفتاة أو العمر كالرجل على الولد…
ولكن لم يقم يوماً معلّمونا بضرب أيّ مثال يَضربُ فيه الشابُ الكهلَ أو الشيخَ… حتّى رأينا يوم أمس شُرطياً أو دركياً شاباً يكاد يركل أو “يدفشُ” معلّماً كهلاً (كما انتشر في بعض الصور والمقاطع) فكان ذلك شاهداً نحوياً وسلوكياً وتربوياً راسخاً لا يُمكن أن ننساه كتلاميذ ولا كأساتذة ومُربّين… وقريباً فقد يُصبح هذا المثال هو الشاهد النحوي المجازي الأكثر انتشاراً وتداولاً في دروس النحو في مدارسنا… ولذلك دعونا نُحاول معاً أن نقوم بإعراب هذه الجملة المجازية: “دَفَشَ الدركيُّ المُعلِّمَ”

دَفَشَ: فعل تعدٍّ ماضٍ وباقٍ أثره، غير لائقٍ مَبنيٌ على العنفٌ والإيذاء والتحقيرٌ والترهيب الظاهر على أسفل نعل البسطار…
الدركيُّ: رجل أمنٍ مُحترم، فاعلٌ شابٌ صغيرٌ مغمورٌ وعبدٌ فقيرٌ مأمورٌ رافعٌ قدمه وبسطاره عالياً استعداداً للدفش والرفش، وعلامة شناعة فِعلته الغضب الظاهر على تعابير قسمات وجهه…
المعلّمَ: وارث الأنبياء موظّفٌ مقهورٌ، مفعولٌ به مدفوشٌ ومرفوشٌ في وسط بطنه الضعيف الجائع وعلامة دفشه الدهشة والألم الظاهرين في نظرة عينيه الحزينتين الباكيتين، وقد منع من ظهور دموعه تعذُّرُ فهمه للمشهد… ولسان حاله يقول: انا بمقام أبيك يا ولدي
والجملة الفعلية الخبرية المُريعة “دَفَشَ الدركيُّ المُعلِّمَ” قد تكون في محلّ رفع شعار “حزين عليك يا وطن” أو في محل نصب ودقّ ناقوس خطرٍ تقديره “أليس منكم رجلٌ رشيد”… أو في محل نصب مفعول به على التحذير تقديره “لا تحرقوا هذا الوطن” … #كلّنا_مع_الوطن

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى