إعادة تدوير الوطن

إعادة تدوير الوطن / #يوسف_غيشان

عن الطفولة اتحدث، تمتاز حارتنا عن حارات البلدة الأخرى في انها تمتلك مزبلة كاملة ، كانت مزابلنا فقيرة ولا تحتوي على اكثر من زبل الطوابين المحروق وعروق الملوخية والكثير من الصراصير .. كنا نعيش في مجتمع الكفاف الذي (كيّف) نفسه، وأعاد تدوير المواد مرارا وتكرارا، قبل نحت هذا المصطلح بعقود. فقطعة القماش مثلا ، بعد ان ينتهي دورها كبرداية على الشباك و(تكلح تماما) تتحول الى وجه مخدة أو الى كيس كتب للولد.
وعندما ينتهي دورها هناك تتحول الى مسّاكة لحمل الصواني الساخنة أو الى فوطة صحية بدون أجنحة ولا حواجز، وبعد ان ينتهي دورها ، يوضع بداخلها حجر وتصير ركاية للباب ، اوتتحول الى ممسحة كاز لطابة صوبة البواري …وهذا ينطبق على تنكة السمن ونصية الحلاوة وكندرة الوالد ..وكل شئ.
ولما دهمنا مجتمع الإستهلاك انسقنا معه وله بكل سلاسة ، لكننا لم نتخلص من عاداتنا القديمة في تنويع الإستخدامات، لا بل اننا طورنا اسلوبا أعلى من مرحلة اعادة التدوير ، يعتمد على تنويع الإستعمالات في ذات اللحظة.
لاحظوا أننا نستخدم مفتاح السيارة مثلا ،اضافة الى تشغيل السيارة ، لدق الباب ونقر الأذن ، ونستخدمه احيانا لفتح الكراتين .أما زامور السيارة ، فنسلم على الآخرين بواسطته وونادي به ونبدأ في الهوشة بواسطته، ونحتفل به في الأعراس والمناسبات ، ونعلن عن انفسنا كمشجعين للفيصلي أو الوحدات بواسطته نغماته، ولا يهمنا اطلاقا ازعاجنا للآخرين ، فهذا آخر اهتماماتنا. .
اما الصرماية ، فإننا نستخدمها كأسلوب تربوي لتعليم الأولاد وتدريبهم على المناورة ومنحهم احساسا مؤقتا بالنشوة حينما يستطيع الولد مناورة صرماية الوالد التي تضرب بالخطأ وجه أخيه الذي (فسد عليه)..انها قمة الفرح. طبعا نستخدم الصرماية لقتل الصراصر والبرغش، ونستخدمها للتزلج إحيانا. وعندما تقوم بكل هذه الأدوار بنجاح وتفقد الكثير من أطرافها تتحول الى شبشب ، لكنها تستمر في القيام بأدوارها الأخرى بكل كفاءة واقتدار.
الجريدة… بعد الإطلاع عليها وحل الكلمات المتقاطعة والسودوكو نحولها الى سفرة للأكل وأرضية لدروج المطبغ والنملية ولتنظيف الزجاج ونسد بواسطتها الفوهات المفتوحة في المنزل ، خصوصا بين البواري والحيط، ناهيك عن لف الخضار والفواكه، ولإشعال فحم الشواء والأرجيلة.
الحكومات عندنا، اضافة الى دورها التنفيذي ،فهي ايضا تحدد بأساليب متنوعة اسماء الناجحين والناجحات في البرلمان والوظائف الكبرى ، وتتحكم بالقضاء والقدر وتفصل من تشاء وترفع من تشاء ، وتستدين بإسمنا وتصرف النقود بإسمنا وتوقع الإتفاقيات بإسمنا ..وكله على حسابنا طبعا…..ونستخدمها نحن للشتم وتفريغ غضبنا الناتج عن الخيبات المتوالية
عزيزي القارئ
فكر معي في الإبتكارات المتعددة والأدوار الوظيفية التي نمنحها للموجودات المادية والمعنوية لتعيش حياة متنوعة نشيطة تحت كنف المواطن الأردني الذي يحتال على الفقر وعسف الحكومات.
وتلولحي يا دالية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى