المهندس : عبدالكريم أبو زنيمة
قبل سنوات شبه أحد الكتاب الأردنيين وأعتقد أنّه أحمد حسن الزعبي عملية تدوير المسؤولين عندنا بعملية تدوير إطارات السيارة – فعندما تهتريء الإطارات الأمامية يتم استبدالها بالإطارات الخلفية الأفضل قليلاً وتركيب الأمامية المهترئة مكانها ، وهنا أضيف على ما كتبه – وعندما تهتريء جميعها وتصبح غير صالحة للاستعمال يعاد تلبيسها بمادة الكاوتشوك غير الآمنة وغير المطابقة لمواصفات السلامة العامة والمواصفات العلمية ويعاد تسويقها وبيعها على المواطنين وإعادة تركيبها على المركبات لتفجعنا بمصائب يومية نتيجة تسببها بحوادث السير التي لا تنتهي ! العملية السياسية التي نتغنى ونطبل لها هي صورة مشابهة تماماً لهذا الوصف ، فهناك وجوه توارثت المناصب ومواقع المسؤولية وفشلت في كل مناصبها واستهلكت رسمياً وشعبياً وتسببت في خراب هذا البلد وتجويعه وإفقاره ، لكن وبما أنّها من طبقة السلطة الحاكمة فإنه لا بد من إعادة انتاجها بأشكال جديدة وتدويرها، فكانت مخرجات لجنة الإصلاح القالب المثالي لإعادة تشكيل هذه الوجوه وإلباسها أقنعة جديدة عبر تشكيلها الأحزاب التي ستخوض الانتخابات القادمة ، ما نشاهده اليوم من هندسة أمنية لأزلام وأشكال وأنواع هذه الأحزاب الموسمية المحدودة الأهداف والمتخمة مالياً التي ستتنافس على المقاعد المخصصة في البرلمان “41” مقعداً يعطينا تصوراً بأن نحدد منذ الآن معظم أسماء الفائزين في انتخابات المجلس القادم ، أما بقية المقاعد فغالبيتها سيُهندس بنفس الذهنية والإشراف الأمني وشراء الذمم والتزوير .
للأسف ليس لدينا توجها وطنياً صادقاً في الخلاص والنجاة من مستنقع الفساد والتبعية والاستجداء والارتهان للخارج ، فمن ناحية فإن المجالس السابقة واللاحقة لم ولن تمارس مهامها وواجباتها الرقابية والمحاسبة ، فهناك مُنظّم ومتحكم خارجي يحدد ويرسم ألوان الطيف النيابي الذي يتشكل منه المجلس النيابي يُسهِّل عليه ” على المُنظِّم” إملاء الواجبات والمهام المطلوب تحقيقها ، ومن ناحية أخرى فإن الصلة والرابط بين النائب والشارع الأردني تنتهي فور صدور نتائج الانتخابات ليتفرغ بعدها غالبية أصحاب السعادة لتعويض الأموال التي أهدروها خلال الحملة الانتخابية والبحث عن مصالحهم وامتيازاتهم وتعظيم شؤونهم وبالتأكيد سينحازون لسلطتهم ومرجعيتهم وهي الحكومة التنفيذية التي ستحقق لهم طموحاتهم ، وماذا يرتجى من هذه الوجوه التي ولدت وترعرعت وتنعّمت في حضن الحكومات غير الانحياز للسلطة الحاكمة ؟! وهل هناك عاقل يمكن أن يصدق أن هؤلاء سيشّرعون ما فيه مصلحة الوطن والمواطن ؟!
البيئة السياسية التي نعيشها هي مُصمّمة ومُكرّسة لهذا التيه وهذا التشتت ، ثلاثة عقود من ممارسة آلاعيب ومتاهة الحياة البرلمانية كانت كافية لو كنا صادقين في إعمار هذا الوطن للاهتداء إلى نموذج انتخابي وطني يحقق لنا طموحاتنا، ناهيك عن التجارب الديمقراطية العريقة المتداولة عالميا وفي أكثر الدول ازدهاراً وأمناً التي يمكن الاسترشاد والاهتداء بها ، لكن للأسف مرة أخرى مضت هذه العقود وما سيعقبها من عقود قادمة ونحن نتحايل ونبتدع الأوهام ونتفنن في التحايل على طموحات وآمال وأحلام الشعب الأردني في بناء وطن يسوده العدل والمساواة والحرية وتكافؤ الفرص – وطن نعيش فيه بعزة وكرامة .
نحن الوطن والشعب الخاسرون الوحيدون من هذا الابتذال السياسي ، فهل يعقل بعد هذا الدمار الذي حل بنا ولا زالت نفس الوجوه هي من تتحكم بمصيرنا وتتوارثنا شعباً ووطناً، أليس في هذا الوطن قامات وطنية تمتاز بالعلم والمعرفة والخبرة والنزاهة قادرة على ادارة البلاد والنهوض بها ؟! لماذا فقط أؤلئك الفشلة ومرتادو السفارات الغربية تُسمع أصواتهم وتبنى عليها قرارات لا تصب في خدمة المصالح الوطنية وتقمع الأصوات التي تنادي بإنقاذ الوطن ؟! لماذا لم يُعقد ولو مؤتمر وطني واحد يُدعى إليه مختصون وخبراء من خارج الوجوه المستهلكة ليناقش الأوضاع العامة وما آلت اليه أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ..الخ ؟!، لماذا لا يدعى للاجتماعات العامة الرسمية إلّا تلك الوجوه من متزلفين ومسحجين ومخبرين تُعد وتُكتب لهم كلماتهم مسبقاً ؟! لماذا لا نجرب ولو لمرة واحدة أن نجري انتخابات حرة نزيهة دون تدخل أمني ؟! هناك ألف سؤال لماذا – لن يكون لها أجوبة !