إصلاح الدروس الأردنية: مشكلة النهج لا المنهج ! / خالد عياصرة

إصلاح الدروس الأردنية: مشكلة النهج لا المنهج !
خالد عياصرة

إن جَلبنا المناهج المدرسية الإميركية أو الفلندية أو الكندية أو الماليزية، لتدريسِ طلاب الأردن – قلت المناهج ولم أقل الكتب المدرسية لأن هناك فرق كبير بينهما – هل ينعكس ذلك إيجابياً على الطلبة، ويوسع مداركهم، وإمكانيات تحصيلهم، أم أن المناهج لا يمكن القياس عليها، لكونها مُرتبطة بعنصرٍ أساسٍ سابقٍ عليها، يِتعلقُ بِطرائقِ التدريسِ، ومن يقُوم عليه، بالنهج لا بالمنهج.

فهل فعلياً عملت وزارة التربية والتعليم على تغيير المناهج المدرسية أم غيرت الكتاب المدرسي، إجابة السؤال تتطلب مختص، فالمنهاج المدرسي حصيلة تراكمية جمعها الطالب في المدرسة وخارجها بإشرافها، وهذه لها علاقة بخدمة المجتمع، وتفعيل دور الطلبة في المجتمعات المحلية، وهم على مقاعد الدراسة، لكن الكتاب المدرسي ليس إلا حلقة واحدة من سلسلة متصلةٌ َيشتركُ فيها المعلمِ، و الإدارة و دليلُ المعلم، ومَرافق المدرسة، مع المجتمع المحلي.

لا شّك، تَستطيُع وزارةُ التربيةِ والتعليم طرحِ مناهجٍ جديدةٍ مُشابهةٍ لتلكَ المُعتمدةُ في الغربِ ، لكنْ من الإِستحالةِ بمكانِ أن تكون النتائجُ مشابهةً لها، بقدرِ ما هي مختلفةٌ وسلبيةٌ جداً، لِرُبما لأن النتائج تَقفُ عِندَ السلبيات، ولكَون المُشكلُ تنَحصُر في عنصريِ الَعمليةِ التربويةِ، الوزارةُ وَمن يعملُ تَحتَ مَظلتها، والُطلابُ وأهاليهم، هَذا دونَ دخولِ عَواملً خارجيةٍ تَحرفُ وتوجهُ مسارَ عملِ الوزارةِ وتوجهاتها التي يَتوجُب أن تَستمدُ من ثَقافتها الشعبية الوطنية وخُصوصيَتها.
إذن، ما قيمةُ المضافةُ التي تَجنيها الوزارةُ من تَعديلِ الكتب المدرسية مع علمها المُسبق بعدم مقدرة المعلمين على التعاملِ مَعها أولاً، ولمقدرتها على قيادة صِدامٍ حقيقيٍ مع منظومةِ قيمِ مُجتمعيةِ سَائدةٍ لا يُمكن تَخطيها بسهولةٍ، ثانياً، دونَ الأخذِ بِعينِ الإعتبارِ أنْ تَراجعَ مستوياتِ الطلبةِ لا علاقةِ لهُا بالمناهجِ وما تَطرحهُ، بقدرِ ما له علاقة بغيابِ العقليةِ التربويةِ والعلميةِ عن إدارةِ الملفِ التَعليمي برمته وهذا يشمل الجامعات والمدارس على حد سواء.
فَهل المَناهجُ مسؤولةٌ عن غيابِ آلياتِ التدريسِ في الغرفِ الصفيةِ، ما أسِهم في تراجعِ مُستوياتهم الطلبة، أم أن الخلطةَ العجيبة غيرَ المُتجانسِة التي تحَويها الكتبُ، أسهمت في تَدني مُستوياتِهم.
ِ
أعترفُ، أبدع وزيرُ التربيةِ والتعليمِ مُحمد الذنيبات في إيجادِ المَبررات لإثباتَ صِحة الأسبابِ الداعيةِ لتعديل الكتب المدرسية والمحصورة في إطار ديني، كونها نواة لإنتاج التطرف ورفض الاخر، وتدعو الى الارهاب حسبما تراه الدولة الاردنية، لكنها لم تقترب من المواد العلمية أو الفكرية أو الأدبية والتاريخية والفلسفية التي تصنع عقلاً ناقداً مبدعاً للطالب ! هذا مع اسقاط الإعتراضات السابقة بل وعدم الإكتراث لها عندما تم حذف الدروس الخاصة بالشهيد الطيار فراس العجلوني مثلاً، وعدم تضمين كتب الثقافة العامة والتاريخ قصص من تضحيات الشعب الأردني الحقيقية، وبطولاتهم في حماية الاردن مما يتهدده، وحصرها في دائرة واحدة يبدأ التاريخ منها.

مقالات ذات صلة

كنا نتمنى أن تلتفت اللجان القائمة على تعديل الدروس إلى مباحثِ العلومِ والرياضياتِ وتَعديلها، بل ونسفها من أساسها واسَتبدالها بموادٍ تُحاكي ما وصلَ اليَه العُالم من تطورٍ وتقدمٍ علميٍ، لا أن تَحصُر حَركتها في الموادِ الدينيةِ والثقافيةِ بإعتبارها تربةٍ خصبةٍ لإنِتاج الإرهابِ وعدِم إحترام الأخر – من هو الأخر هنا حقيقية لا أعلم – وترفضُ الَتسامحِ وتُسهمُ في تنشئةِ جيلٍ موقوت يمكنُ أن يتفجرَ بسهولة !

قبل هذا، أطَلت الملكة رانيا في إعلانِ المبُادرة الوطنية للِمواردِ البشريةِ، إعتمدت في طرحها على احصائياتٍ تُظهر مُستوى إنهيار المنظومةِ التَعليمةِ – هنا لا ألَوم الملكة فهي لا خبرة لديها في التربية والتعليم – لكنها لم تطلعَ على مكامنِ الخللِ الحقيقية، التي لا تتعلق بدروسً كلاسيكيةً لا تناسبُ تطوراتَ العصرِ المتُسارعةَ. بل بنوعيةِ الإدارةِ الميدانيةِ للعمليةِ بُرمتها، عمليةٌ تفتقرُ إلى أدنىَ الأدواتَ التي تُمكنها من إنجاز المطلوبِ، وهذه لها إرتباطٌ بمشاكلِ المناهجِ الجامعيةِ الكارثيةِ، وبنُاء مُدرس مُؤهل تربوياً يُسهمُ في خلقِ جيلٍ على قدرٍ من الَوعي والإدراك.

أتَعلم الملكة أن الكثير من علاماتِ الطلابِ في موادِ الرياضيات والعُلوم، لا أساسَ لها من الصحةِ، وأنَ غالبيةِ المدارسِ لا تَكترثُ لحصصِ المختبرات كَالحاسوبِ والعلومِ، وأن الإهتمامِ بحصصِ الفن والتربية المهنية صارَ في أدنى المستوياتِ، لكونها حسب الأساتذة وإدارات المدارس لا قيمة لها، وأن حصص الأنشطة الطلابية جُمدت أو اعتبرت سبيلاً لإنهاء اليوم الدراسي، ما إنعكس سلبياً على نوعيةِ الطلبةِ، وتَحصيلهم العلمي.
ثمة فرق بين ما قالته الملكة، وما يطرحه الوزير الذنيات، بل يمكن القول أن قرارات الوزير الخاصة بالمناهج محبطة جاءت معاكسة للآمال التي تعقدها الملكة على المبادرة من حيث ضرورة العمل على إيجاد الآليات لمساعدة الطلبة والإرتفاع بمستواهم، وهذا لا علاقة له الدروس، بقدر ما له علاقة بالأدوات الضعيفة التي تستخدم في التفكير والتطبيق.

وعليه، ما جدوى تعديل الدروس ما دامت نسب التسرب من المدارس عالية جداً، ما القيمة المضافة لتعديل الدروس و الآلآف من الطلبة لا يقرؤن ولا يكتبون، كيف يستسيغ الطالب تعديل المناهج وهو بالأصل يكره المدرسة، أنى يمكن رفع سوية العقل والمعلم ليس إلا رجل شرطة يحرس الطالب لكنه لايملك الأدوات الحقيقة في حراسته، كذلك أنى للطالب التعاطي مع المناهج، والمدرس غير قابل للتطوير جراء غياب البرامج الحقيقية التي تتكفل برفع مستواه، خصوصا في المواد العلمية.

بل أسأل: كيف يوجه الوزير بتشكيل لجنة لمناقشة التعديلات الجديدة، بحيث يظهر عدم درايته بما يعتمل في قلب وزارته، وكأنه لم يطلع عليها قبل اقرارها، تاركاً إياها للجنة التأليف؟ أسئلة كثيرة تطرح، لكن لا أجابة عليها !

الخلل كانَ ومازالَ في العقليةِ الترَبويةِ التي تتَسيد ملف إصلاح الوزارة، وهي غير قادرة على إصلاح أسَاليبِ تَفكيرها، بل لنقل تَطويرها، لَربُما لكونها ترىَ بعينٍ واحدةٍ، ونظُرتها للاِصلاحِ التعليميِ لا تَختلف عن رؤيتها للإصلاح السياسي، تنحصر في المناهجِ والمُقررات، لكنها لا ترتكزُ على الأدواتِ، وهي أساس الخَلل، التي باتت بمثابةِ عاملٍ مساعدٍ لإفشالٍ العمليةِ التربويةِ برمتها.

اخيراً: تعديل الدروس الدينية والثقافية لا يعني اصلاحاً للمناهج، بقدر ما هو قتل حقيقي لها، لكونه ركز على المواد الثقافية والدينية والتاريخية دون العلمية التي تقاس بها الدول تقدمها التعليمي.

لذا صار من الضرورة إن أريد إنتاج عقلٍ واعيٍ ناقدٍ يُمكن إستثمارهُ بشكلٍ دائمٍ، العمل على تبديلِ حقيقي في منظومةِ التربيةِ والتعليمِ، لا الإكتفاء بتعديلِ دروس بإعتبارها أساس المشكل وهي ليست كذلك.

#خالدعياصرة
kayasrh@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى