
#إصلاح_التعليم: بعض #الجامعات نموذجاً
د. حفظي اشتية
يتردّد أنْ لجنة قد تمّ إطلاقها مؤخراً لإصلاح التعليم، وفي ذلك إقرار صريح بأنّ التعليم يعاني من خلل يستوجب التدخل والإصلاح. وهذا حسن، لأنّ الاعتراف بالداء أولى خطوات #الشفاء .
وليست هذه المقالة بصدد تقييم هذه اللجنة، أو الاعتراض على كيفية اختيارها، أو استشعار مهمتها الوطنية العصيّة العظمى، أو استحضار روح التشاؤم التي تخيّم على المشهد لكثرة لجان الإصلاح في شؤون حياتنا، التي لا نلمس لها – غالباً- نتائج فاعلة، وآثاراً إيجابية ظاهرة.
المقالة معنيّة بإشارة حياديّة للانتقادات التي طغت، وفيها شكوى ضمنية من استبعاد قامات تربوية ، وعدم الاستعانة بخبراتها في هذا الشأن. وقد قرأتُ مؤخراً مقالة للدكتور ذوقان عبيدات، وهو الخبير التربوي المرموق، تشير إلى ذلك . وخلصت مقالته إلى أنّ معضلتنا الكبرى هي إصلاح النهج الإداري الأخلاقي.
هذه الفكرة كانت المضمون الأساسي لمقالتين كنتُ قد نشرتهما سابقاً في عدّة مواقع إخبارية، وأعيد هنا نشر إحداهما وهي تتعلّق بإصلاح التعليم الجامعي، على سبيل التذكير، فلعلّ الذكرى تنفع مَن يسعى إلى الفلاح في الإصلاح.
أزمتنا أخلاقية إدارية (1)
– كلنا متفقون على أننا في أزمة، لكن تتفاوت أنظارنا في تحديد أعراضها وأسبابها، أو حدّتها وخطورتها، أو الحلول الناجعة الناجحة لها، وكيفية الخروج منها:
فئة تقول: هي سياسية، وتمضي تحرث البحر هناك. وفئة تراها اقتصادية فتأخذ الكلاب البوليسية للبحث عن الأموال المنهوبة. هذا يراها اجتماعية، وذاك يرى سببها في البعد عن الدين، هذا يراها في الحكومة، وذاك يراها في مجلس النواب…. إلخ.
ولعلنا نقارب الصواب ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا: إنْ مشكلتنا أخلاقية إدارية؛ فالأخلاق وحسن الإدارة هما العاملان اللذان يتغلغلان في شتى مناحي حياتنا، ويؤثران فيها سلباً أو إيجاباً.
– ولو أخذنا وضع بعض الجامعات مثالاً نتكئ عليه ونستدل به(وهنا أمثّل وأدلّل ولا أعمّم) ، لوجدنا أن ضعف الأخلاق واضطراب الإدارة أدّيا إلى أزمة ظلّت تتفاقم وتغتلي حتى كادت تنفجر انفجاراً لا علاج له ولا شفاء منه. وكتبنا كثيرا وكتب كثيرون غيرنا عن معاناة الطلاب والمدرسين والموظفين، ودلّلنا على ذلك، وظللنا نشير إلى مواطن الخلل، ونؤكد ونبدئ ونعيد أنّ الدّاء يستشري، والدّواء يستعصي، والحال لا تبشِّر بخير.
– كان الخلل يتغلغل في التعيينات، وفي أسلوب اختيار رؤساء الجامعات، واختيارهم لنوابهم وعمدائهم ومديري وحداتهم ومراكزهم، واختيار العمداء لنوابهم ورؤساء أقسامهم ومساعديهم، فإذا هي شبكة متسلسلة قائمة غالباعلى مصالح تحكمها الرغبة أو الرهبة، لا مصلحة المؤسسة.
– خلل في الترقيات: تُفترع لها تعليمات، وتُخترع تعجيزات تلين أو تقسو، تضعف أو تعصف، وفق ما يراه الشيخ وحاشيته، وحسب قدرة صاحب الطلب على التملّق والتقرّب والتوسّط والتوّسل، فتكون الترقية للأضعف، والبقاء دون ترقية للأقوى.
– خلل في المخاطبات الإدارية: فمن يصدّق أنّ كليّة في هذا الزمان لا سجل للصادر والوارد في أقسامها، ولا يُسمح بالحصول على أرقام الوارد والصادر للمخاطبات من ديوانها، ولا يُردّ على مخاطبات مدرّسيها، وإذا تزحزح كتاب مِن القسم متحركاً نحو الكليّة تعرّض للضياع على أدراجها الحجريّة أو في أدراجها الخشبية، ولم يُعثر له على أثر؟؟؟!!!
– خلل في التعامل الإداري: فالذي يحظى برضا المسؤول ينام قرير العين، قليل ذنبه والذنب جمّ، وينطبق عليه قول الشاعر:
وإذا “العمادةُ” لاحظتْك عيونُها نَمْ، فالمخاوف كلّهنّ أمانُ.
بينما محمود الأخلاق الجادّ الملتزم المتعالي عن التملّق والنفاق، الذي ينأى بنفسه عن التذلّل على أبواب المسؤولين، فهو عندهم عدوّ مبين، ذنبه مهما صغر لا يُغتفر، لأنه من جماعة (إنّهم أناس يتطهّرون)، ولا بدّ مِن اجتثاثه حتى لا ينشر عدوى الطهر، فتُحجب عنه أساسيات حقوقه، والويل له إنْ تجرّأ وطالب بأيٍّ منها، أو شكا أو تذمّر أو تضجّر، فهنا تُرصد له مراصد الشرّ لتُعدّ عليه الأنفاس، فإن لم يجدوا له خطأً، تمّ التنسيق الإنساني الإداري الراقي الرقيق بين العميد والرئيس!!! والاستعانة بنسل إبليس لاختراع أيّة تهمة تُخرس هذا المطالب بحقّه، وتغتال -دون رحمة- شخصيته، وتُلوّث سمعته، وتهدم صحته ونفسيته!!! وتظاهروا بالموضوعية والمؤسسية، فكلّفوا بعض أعضاء لجان التحقّق والتحقيق بالتزييف والتلفيق، واقتادوهم مِن آذانهم لرفع التقرير المطلوب المناسب للعقوبة المُعدّة مسبقاً، حتى إذا تمّ لهم ذلك، خلعوا القفازات، وطفحت منهم التصريحات بألّا دخل لهم في ذلك، وأنّهم ملتزمون حرفيّاً بالموضوعية والمؤسسية وتطبيق القوانين المرعيّة، والأوراق النقاشية، والحرص على تنقية المؤسسة ممّن يسيئون إليها، وكلّ ذلك خدمة لمصالح الوطن العليا!!!!!!!!!!
– خلل في اختيار القيادات: فكيف نستوعب أنّ أحدهم، مثلاً مثلاً، يرتكب جناية ويخرج من السجن، ليُكافأ فوراً بالعودة إلى عمله، ويحظى بعمادات الكليات، ويشرئبّ عنقه نحو ما هو أعلى من المناصب، فأيّ جيل سينشأ ويتربّى على يديه؟ وأيّة حكمة موجودة لديه في الإدارة والتعامل والعلاقات والعلامات والعقوبات والقبولات والعطاءات ……. إلخ؟ وما الخير الذي نتوقعه ونرتجيه من فاقديه؟! وما الذي شفع له ليتمّ التجاوز عن أخطائه بل خطاياه؟! هل هو ماضيه الأخلاقي الحميد؟! الإداري الرشيد؟! المسار التعليميّ السامي؟! المستوى البحثي الأكاديمي اللامع؟! الحسّ الإنساني الرائع؟! ……. إلخ؟؟؟!!!
مَن لديه الجواب الشافي الكافي ليُقنعنا فتهدأ هواجسنا ونحافظ على ما تبقى مِن عقولنا ؟؟؟!
– إلى كلّ مَن يسمع بأُذن واعية، ويقرأ بالبصيرة قبل البصر، نقول:
هل بقي أدنى شك بأنَّ أزمتنا الحقيقية هي أخلاقيّة إداريّة؟!
كم كان شوقي صادقاً في قوله:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإنْ همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا!!!
وكم كان حكيماً في قوله:
وإذا أُصيب القوم في أخلاقهم فأقمْ عليهم مأتماً وعويلا!!!




