
إصلاحات لا تطعم خبزا
دخل الوطن في نفق مظلم منذ حوالي عشرين عاما , وتبنى نهجا اقتصاديا مدمّرا أكل الأخضر واليابس , وأستيقظ الناس على كارثة كبرى تمثلت بتحول الشعب كل الشعب إلى طبقة فقيرة مسحوقة , وضياع جميع ثروات الوطن ومقدراته , ومديونية فلكية بلغت 25 مليار رتبت على كلّ مواطن 4000 دينار , وتدنت الخدمات حتى كادت تكون معدومة , وتآكلت البنية التحتية , وتراجع أداء المؤسسات الحكومية في جميع المجالات حتى أفقد الدولة هيبتها وانعدمت ثقة المواطنين فيها , والمؤسسات الوحيدة التي بقيت تمارس دورها بفاعلية واحتراف هي :
1. مؤسسات الجباية فقط التي تفننت في نهب وسلب مال الشعب بالضرائب ورفع الأسعار , والمخالفات وغيرها من وسائل السلب المقنن !!
2. قوى الفساد التي أكلت الأخضر واليابس , وسلبت الثروات الوطنية , وكانت السبب الرئيسي في تراجع الاستثمار وإحجام رؤوس المال عن المساهمة في بناء الاقتصاد الوطني فهذه القوى بقيت تعمل بكامل طاقاتها وأهليتها فأرعبت الاستثمار ودفعته للهرب لما يتعرض له من تعقيد في المعاملات وأشياء أخرى !!
هبّت نسمات الربيع العربي على الأردن منذ النصف الأول من عام 2010م متمثّلا بحراك المتقاعدين العسكريين وحراك المعلمين إلاّ أنّ ذلك لم يؤخذ على محمل الجدّ إذا بقيت الأمور تسير في نفس الاتجاه وبنفس الاندفاع حتى هبت العاصفة بشكل مفاجئ على تونس ومصر وغيرها من البلدان فكان الوقوف الإجباري الذي لا يخلو من الدهشة والانذهال , وكان المتوقع أن تسارع مؤسسات الحكم إلى إعادة النظر في كلّ شيء لتصويب المسار وتصحيح الأخطاء ولكن ما الذي حصل ؟؟ وإلى أين سارت الأمور ؟ وإلى أين انتهت ؟؟
لقد اتجهت الأنظار أو وجّهت إلى عنوانين رئيسين هما : مكافحة الفساد , والقوانين الناظمة للحياة السياسية , فلنق نظرة على ما تمّ انجازه في هذين المجالين , وهل هذين الأمرين هما المطالب الفعلية للشعب ؟؟ وهل حققا له شيئا على أرض الواقع ؟؟
لقد استحدثت هيئة لمكافحة الفساد عام 2006م بموجب قانون هيئة مكافحة الفساد رقم (62) لسنة 2006 م , لأنّ الحديث عن الفساد ومكافحته هو العنوان البارز المتصدر طيلة تلك الأعوام , وازداد الحديث عنه في الأعوام اللاحقة , وقد كان الحديث عن الفساد مختلفا حدّ التناقض ففي الوقت الذي كانت تنفي فيه مؤسسة الحكم ورموزها وجوده , وأحيانا تعترف بوجوده باعتباره مخالفات لا ترتقي لمستوى الظاهرة الخطيرة , وتتهم من يتحدث عنه بالمبالغة _ فإن كثيرا من كبار رجال الدولة يعترفون أحيانا ويسربون أخبارا مرعبة لهذا الغول المرعب الذي استشرى وأصبح ثقافة ونهج حياة وطريقة عيش , وقد أستغلّ الحديث عنه لتصفية حسابات رجالات الحكم فيما بينهم من تنافس وصراع على المناصب والمكاسب , وبقدر ما أستهلك فيه كلام كبير فإنّ ملفاته الكبرى لم تفتح بل على العكس حيث تمّ تحصينها بأكثر من وسيلة , وانتهى الشعب إلى قناعة بأنّ الفساد هو مجرد شبح تلمس آثاره المدمّرة ولا سبيل لإلقاء القبض عليه , فتفرعن الفساد وطغى حتى شمل جميع المواقع , وأصبح المواطن يشمّ رائحته في كلّ مكان إلاّ أنّه يدرك أنّه لا سبيل لتحديده أو إقامة البيّنات عليه , وأدرك يقينا بأنّ الحالة الوطنية أصبحت كحال مريض سرطان تفشى فيه المرض وأصبح علاجه مستحيلا فهو يتعايش مع الألم بانتظار رحمة الموت .
هذا فيما يتعلق في ملفّ الفساد ومكافحته , أمّا القوانين الناظمة للحياة السياسية وهي التي تشغل بال النخبة من المتصارعين على المناصب والمكاسب , ولا تستهوي الشعب ولا تؤرقه كثيرا ربما لعدم إدراكه لأهميتها , وربما لانعدام ثقته بالجميع حيث يرى أنّ الجميع بما في ذلك المعارضة هم طلاب مناصب ومكاسب وتجّار قضايا , والكل يبحث عن مصلحته الخاصّة , ويحاول أن يحجز له مقعدا في نادي المنتفعين من بقرة الوطن الحلوب , وعلى الرغم من ذلك فقد تمّ تعديل تلك القوانين بدءا من قانون الاجتماعات العامّة , وقانون الأحزاب , والتعديلات الدستورية , وقانون المطبوعات والنشر , وقانون الانتخاب , وإنشاء المحكمة الدستورية , والهيئة المستقلة للانتخابات ……. الخ , إلاّ أن تلك التعديلات كانت مجرد تعديلات شكلية لا تمسّ جوهر المنظومة التشريعية المصممة لمصادرة إرادة الشعب , ومنعه من الوصول لممارسة حقوقه الطبيعية التي نصّ عليها الدستور باعتبار “الشعب مصدر السلطات ” .
هذا فيما يتعلق بالمحاور التي كان التركيز عليها طيلة العامين الماضيين , أمّا ما يريده الشعب , وما يكتوي بناره , وما يؤرقه ويؤلمه فهو لم يفتح , وإن فتح فبطريقة عابرة ربما من باب رفع العتب , وذر الرماد على العيون , فالشعب أو الأغلبية الصامتة من المواطنين لا تعنيهم قصّة تشكيلة الحكومات من قريب ولا بعيد , ولا فرق عندهم بين وزير من حاضرة أو بادية إلاّ بما يقدمه للوطن من خدمات , ولا يعنيهم تعديل الدستور أو تعطيله أو تفعيله , ولا قانون الانتخاب ولا مكاسب الأحزاب , إنّه فقط يبحث عن العدالة والكرامة والمساواة , وصيانة الحقوق , والعيش الكريم , والخدمات المقبولة في مجالات الصحة والتعليم وسائر المرافق والقطاعات , وهو مستعد للتضحية بكثير من الحقوق والمصالح في سبيل الوطن وأمنه , واستقراره شريطة أن يشاهد أنّ الحكومات جادّة في الإصلاح , محسنة لإدارة الموارد , فالناس لا يلومون الحكومات على ضعف الإمكانيات , ولكنّ اللوم كلّ اللوم هو في عدم إحسان إدارة هذه الإمكانيات , والسخط كلّ السخط على السياسات المتعمدّة المكشوفة لتدمير الاقتصاد الوطني , إنّ الناس على قناعة تامّة مصدرها ما يشاهدون بأعينهم بأنّ أزماتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية هي نتيجة سياسات خاطئة , وإهمال متعمد وفساد مكشوف , وإدارة ومؤسسات لا يوجد عندها أدنى حسّ بالمسؤولية , وهذه الإدارة ساهمت ولا تزال تساهم في إخفاق الحكومات المتعاقبة ؛ لأنّ الوزير مهما بلغ من الكفاءة والإخلاص فإنّه لن يستطيع أن يفعل شيئا ما لم يكن لديه كادر صادق مخلص يتصف بصفتي القوة والأمانة , إنّ الإدارة الأردنية بحاجة إلى عمليات جراحية عاجلة , ووضع أسس جديدة لانتقاء المديرين والأمناء العامين ورؤوساء الأقسام , والموظفين ,ولا بدّ من وضع قوانين صارمة لمحاسبة المقصرين وتطهير الإدارة الحكومية منهم , ويرافق ذلك حملة توعية لكبار الموظفين ليترفعوا عن لعبة صراع الكراسي وسياسة إفشال بعضهم بعضا , وإفهامهم بأنّ السقف إن سقط _ لا سمح الله – فإنّه سيسحق الجميع , وأنّ أمثالهم هم الخاسرون فعلا , أمّا عامّة الناس البسطاء فلم يبق لديهم ما يخسرونه .
نعم كفى كذبا ودجلا وتخويفا للناس بفزاعات ( المنعطفات الحادّة ) ( والاستهداف ) ( والوطن البديل ) و ( شحّ الموارد ) و (ضعف الإمكانيات ) فالناس لم تعد تخاف من شيء لأنّه لم يعد عندها ما تخاف عليه , ولم يعد ينطلي عليها شيء لأنها تعرف كلّ شيء , فكفى تسويفا ومماطلة وفسادا وإفسادا , وتلاعبا بأرزاق العباد فقد جاع أهل الأردن , وأهل الأردن قوم كرام , وقديما قيل ” اتق صولة الكرام إذا جاع ” , وصبر أهل الأردن كثيرا وتحملوا كثيرا , وهم قوم حلماء وقديما قيل ” اتق شرّ الحليم إذا غضب ” .
إنّ الشعب يعلم يقينا إن كلّ ما يجري هو مجرد خداع والأعيب لا تسمن ولا تغني من جوع , ولا تطعم جائعا ولا تعالج مريضا , ولا ترمم طريقا , ولا تحقق عدالة , ولا تعلم طفلا , ولا توفّر لقمة صحية غير مهرمنة أو فاسدة ……. الشعب يريد حلاّ عاجلا ليعيش بكرامة واستقرار واطمئنان