“إسماعيل” و”نوال”:حب ووفاء فوق العادة!قصة محكية(2)
من قلم د. #ماجد_توهان_الزبيدي
خرجت نوال من بهو السجن المركزي بالخرطوم ودموع عينيها أنهارا محبوسة في مقلتيها ،بعد أن تركت قلبها هناك بين يدي إسماعيل ،واخذت تشق طريقها لمجهول مهما كان قاسيا او قاتلا إلا أنه أكثر رحمة من العودة لديارها في أم درمان بعيدة عن فؤادها القابع في غرفة السجن !
وكانت تحس أن الموت البطيء خارج السجن سيكون ممتعا مادامت تتنفس من النسيم القادم لها من شباك غرفة إسماعيل ،حلم حياتها وعنوان وجودها في هذه الدنيا القصيرة !فما فائدة الدنيا دون حبيب حنون صادق أمين ينثر على الدوام الأمن وافستقرار والطمانينة في كيانها ،فماذا تريد ألأنثى أكثر من زوج يثير فيها حب الحياة والسكون والدفىء الروحي والنوم قريرة العين فوق بساط الحاضر المطمئن ؟!
خرجت نوال من السجن بعد أن أقسمت لتنتظرن شوقها الحاضر والأبدي لربع قرن قادم على مقربة من أنفاسة على حافة السجن الذي ياويه ولو ادى بها قرارها هذا لو قطنت في عريشة من أغصان أشجار وارفة الظلال من أشجار حواف النيل على بساط من حصير فوق تراب الخرطوم ،وغطاء من خرقة بالية!
وهكذا كانت النتيجة:
وضعت اليمانية الحرة صرة أغراضها على بعد امتار قليلة من حرم حافة السجن المركزي وراحت تسير على قدميها نحو حافة إلتقاء النيلين الأزرق والأبيض تجمع أغصان الشجار ذات الأوراق العريضة ثم تجمعها في حزم متجاورة كبساط ثم تنقلها اولا باول قدر تحملها لنقطة البداية او مركز عريشتها القادمة بعد سويعات قبيل غروب شمس الخرطوم لتأوي نفسها إلى أن صاح مؤذن صلاة العشاء ،فإذا بعشها قد بات يطيب فيه النوم ،بعد ان ارخى بستره من جهاته الأربع عليها من أعين المتلصصين من رجال ونساء معا ممن لا يوفرون التلصص الدائم من عيون وقحة مفتوحة على المدى ،طيلة النهار والليل،حتى على حيوانات الأرض،فباتت نوال ىمنة مطمئنة،ثم اوت لفراشها على كرتونة فوق تراب الخرطوم الرملي تسند ظهرها ،ولحاف من خرقة بالية يستر معدتها وجنباتها،ليصيح ديك الصباح ثم تصحو هي وقد بدات جموع من السودانيين والسودانيات من بلاد الشمال والجنوب تتوافد جماعات ووحدانا لزيارات ذويها القابعين في غرف السجن من سياسيين وغير سياسيين من جميع الإتجاهات والأيديوجيات الإجتماعية والدينية والسياسية التي غنضوى فيها السودانيون والسودانيات ثم وجد النشطاء منهم هنا بفضل حكمة حكم العسكر الذين اهلكوا الحرث والنسل بعد ان تمكن منهم” مرض الخنادق” وغنقلبوا على الحكم المدني وراحوا يعيثون فسادا في كل ربوع السودان الطيب الفقير والمسالم ،وهم الذين لا وظيفة لهم ،اصلا،سوى المكوث على حدود الوطن وفي خنادقه لحماية وحدة ترابه وإنسانه وليس نهب مقدراته وتعذيب أحراره!
في اليوميين التاليين ،كانت عريشة نوال قد إكتملت بعد جمع عدد كاف من كراتين سميكة عريضة، وبات لها باب من كرتونة بحجم ثلاجة ،وباتت الحرة الشريفة في مأمن من حرارة شمس الخرطوم ومن بردها ليلا ،ثم أخذت في اليوم الثالث تبيع لجموع الزائرين للسجن بعض الحاجيات الصغيرة من مواد غذائية كعلب البسكويت وربطات الخبز والمعلبات ،وحلويات شعبية وحاجيات شخصية صغيرة كالدخان والمحارم فطنت نوال لتوفيرها من سوق وسط الخرطوم بما كانت قد إدخرته من باقي مال قليل خشيت أن تنفقه سريعا فأستثمرته في تجارة بسيطة لضمان السيولة بين يديها لئلا تمدهما للناس طلبا للصدقة في ضوء غلبة الفقر على معظم شرائح الشعب الذي باتت نوال وغيرها من عامة المجتمع معا يرون أنه بات “يحرث على الديك” من شدة الفاقة والعوز، في نظام سياسي شديد الفقر في معرفة ألف باء إحتياجات المجتمعات المدنية وحقوقها، وليس لديه سوى شعارات فارغة يلهي بها الناس،وليس له من مهارة سوى إقصاء خصومه السياسيين وكرهه الشديد للواعين من غير “المسحجين”،من اهل الرأي والنقابات والعلم والمعرفة والإدارة ، نظام لا يعرف كيفية الوصول لمجلس شعب أو برلمان من مفكرين وأهل دراية وإختصاص في كل او معظم نواحي المجتمع،من خلال نظام إنتخابات عصري قائم على مبدا وحدة الوطن شماله وجنوبه ووحدة اهله من مسلمين ومسيحيين وعرب وافارقه،ومبدا القوائم المبنية على الولايات من خلال التصويت الحر السري المباشر تحت رقابة صارمة من سلطة قضائية مستقلة تماما ، بعد تشكيل حكومة وحدة وطنية متخصصة بإجراء إنتخابات تكون نزيهة تماما وتحت مراقبة وطنية وعربية وإفريقية واممية ، وممثلة لكل مناطق السودان دون أي وجود للعسكر فيها، او ،للمؤسسات الأمنية التي يجب ان تقف على الحياد وتقوم بوظيفتها الاساس في حماية السودان من خطر التشتت والفرقة ،وتمتين عرى الوحدة الوطنية ومراقبة تجاوزات اجهزة السلطة التنفيذية والقضائية ،وقطع أيدي السفلة من سارقي المال العام جهارا نهارا،وحماية حقوق السودانيين السياسية وخاصة حريات الرأي والتعبير والكف عن ملاحقة السنة الناس ومقاصد نواياهم وخنق منابر النشر ومحاصرة مؤسسات التعليم وحشوها بأزلام العسكر او الدفع بمرشحين لها وتمويل حملاتهم الإنتخابية من المال العام لمنع وصول المرشحين المستقلين واعضاء الأحزاب والنقابات الذين قلوبهم على حاضر ومستقبل الوطن.
باتت نوال الآن،على الرغم من قطع حيلها،تسترجع زمن الحب والعشق والرومنسية في جبال اليمن وغاباته ،مع إسماعيل،تدريجيا، بعد ان باتت على مقربة من تواجد راعي بيتها وقرة عينيها ،متلهفة للقاء الثاني مع إسماعيل لتخبره بكل التطورات الرهيبة التي ستدهشه من بناء العريشة وبدء تجارة زوجته البسيطة التي باتت تؤتي اكلها من خلال إقبال كثير من زائري السجن على الشراء من بسطتها او “عرزالها” البسيط الذي تقف عليه سيدة عربية حرة ،اثبتت عيانا،إن بعض حرائر العرب،إن نوت إحداهن، كانت كالرجال الأفذاذ من مذيبي الجبال وقاهري الصخور! فقررت ان تتقدم غدا في الصباح بعد التاسعة بطلب مباشر إلى مكتب مدير السجن لزيارة الغالي الذي تعيش لأجله ومن اجله !(يتبع)